آفاق واعدة في اختبارات الأدوية وطباعة الأنسجة البشرية

شركة «أورغانوفو» الأميركية.. والريادة في الطباعة البيولوجية ثلاثية الأبعاد

جهاز طباعة الأنسجة
TT

قد تبدو طباعة وتنمية قلب شخص ما، باستخدام خلاياه الخاصة، أمرا من أمور الخيال العلمي، لكن مع تقنية «الطباعة البيولوجية ثلاثية الأبعاد» (3D Bioprinting)، الثورية من شركة «أورغانوفو» الأميركية، الرائدة، يمكن أن يصبح هذا الأمر حقيقة واقعة في المستقبل القريب، لتسهم في تغيير جذري في عالم الطب، خاصة أن الشركة قد تم وضعها مؤخرا ضمن قائمة هذا العام (TR 50 company)، لمجلة «تكنولوجي ريفيو» التي يصدرها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الأميركي الشهير (MIT)، ضمن أكبر 50 شركة عالمية للتكنولوجيات الأكثر ابتكارا. ويبحث محررو المجلة - بهدف التوصل إلى رجال الأعمال الذين يمكن أن تشجع ابتكاراتهم الشركات الأخرى لتغيير مسارها الاستراتيجي - عن الشركات التي قدمت وأثبتت، على مدار العام الماضي، تكنولوجيا أصيلة ولها قيمة، وتم طرحها على نطاق واسع إلى الأسواق، وتؤثر، بشكل واضح، على منافسيها، في مجالات مهمة مثل الطاقة والحوسبة والإنترنت والطب الحيوي وعلوم المواد، وتمثل الابتكارات التجارية لشركات قائمة هذا العام احتمالات كبيرة لتغيير حياة الأفراد في مختلف أنحاء العالم.

وشركة «أورغانوفو» الأميركية، وموقعها الإلكتروني (www.organovo.com)، ومقرها سان دييغو، بولاية كاليفورنيا، تأسست عام 2007، وتعتبر مكسبا كبيرا لشركات الأدوية، وتركز على تكنولوجيا «الطباعة البيولوجية ثلاثية الأبعاد» لخلق أنسجة عند الطلب وأنسجة جراحية للعلاج الجراحي مباشرة، وللاستفادة منها في التطبيقات البحثية والطبية؛ حيث إن لها تطبيقات فورية في مجال أبحاث الأمراض، واكتشاف وتطور الأدوية، واختبار السمية. وفي المستقبل، سوف تبشر هذه التكنولوجيا بتطبيقات واعدة في تخليق أنسجة لاستعمالات علاجية، والشركة سباقة في إيجاد حلول للمشاكل المعقدة في البحوث الطبية، وفي بناء مستقبل الطب.

فقد بدأت الشركة في تشغيل طابعتها البيولوجية ثلاثية الأبعاد، ذات الحبر من النوع الخاص، المتمثل في الأنسجة البشرية، وأثبتت قدرتها بالفعل على طباعة أنواع من الأنسجة، بما في ذلك الرئة وعضلات القلب والأوعية الدموية، وتتطلع الشركة إلى أن يكون لهذه الطابعة دور رائد في المستقبل في مجال الطب التجديدي (Regenerative medicine). وتتم عملية الطباعة من خلال عدة خطوات، تستخدم فيها الطابعة - المزودة ببرمجيات ومنصات للأجهزة؛ حيث يتم أخذ الخلايا البشرية الأساسية أو غيرها، وتشكيلها في نسيج ثلاثي الأبعاد، وتتم هذه العملية عبر عدة خطوات؛ حيث يتم أخذ خلايا الشخص، على سبيل المثال خلايا العضلات، وتنميتها في مزرعة خلايا، وبعد ذلك مرحلة الحضانة، وفيها يتم تحضين الخلايا وتحت ظروف خاصة؛ حيث تبدأ الخلايا بالاتصال والتفاعل مع بعضها البعض، وبعد مرور فترة الحضانة، توضع الخلايا في حساء من المغذيات، في طبق بتري (Petri dish)؛ حيث تتغذى وتستمر في الاتصال والتفاعل مع بعضها. وتعتبر هذه المرحلة بداية تشكيل الأنسجة الصلبة. وفي الخطوة التالية يتم امتصاص الأنسجة إلى أنبوبة زجاجية تعتبر بمثابة خرطوشة الحبر، ويتم تحميلها بإحكام في الطابعة. ومع نص مبرمج بالكومبيوتر تقوم الطابعة بوضع النسيج بالشكل المطلوب. ويتم وضع النسيج على قمة طبقة من الهلام (gel)، وخلال بضعة أيام، تندمج الخلايا إلى قطعة واحدة من الأنسجة، وبعدها يتم نمو الأنسجة بصورة كاملة تماما، تكون مطابقة تقريبا لما هو موجود في صورتها الطبيعية عند البشر.

يقول كيث ميرفي، الرئيس التنفيذي لشركة «أورغانوفو»: «إنه يمكن للعلماء والمهندسين استخدام الطابعات البيولوجية ثلاثية الأبعاد في وضع خلايا من أي نوع تقريبا وبالنمط المرغوب فيه، في شكل ثلاثي الأبعاد»، ويضيف أنه «يمكن للباحثين وضع خلايا الكبد على سقالة، تم إعدادها مسبقا، ودعم خلايا الكلية على سقالة مطبوعة مشتركة معها، أو تشكيل طبقات متجاورة من الأنسجة الرخوة واللحمية، التي تنمو في سن النضج، وفي النهاية يكون لدى الجراحين أنسجة عند الطلب للاستخدامات المختلفة. وأفضل وسيلة لذلك هي الحصول على عدد من الطابعات البيولوجية وجعلها في متناول الباحثين، ومنحهم القدرة على إنتاج أنسجة ثلاثية الأبعاد عند الطلب».

وعلى مدى عقود ماضية، شهدت شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية «بيوتكنولوجي» أدوية فاشلة في تجارب سريرية «إكلينيكية»؛ حيث كان يتم اختبار الأدوية في مزارع الخلايا وعلى الحيوانات، التي هي مختلفة اختلافا كبيرا عن الأنسجة البشرية، ولهذا حدث فشل في التجارب السريرية. ولكن مع نظام شركة «أورغانوفو» للطباعة البيولوجية ثلاثية الأبعاد سوف يكون هناك توفير للوقت والتكلفة؛ حيث إن الطابعة تخلق منتجا مماثلا للأنسجة البشرية، يمكن أن يساعد في الأبحاث الدوائية، التي فشلت سابقا في الوصول إلى مرحلة التجارب السريرية. فبواسطة هذه التكنولوجيا الحديثة، سوف توفر الأدوية المحتملة مليارات الدولارات على شركات الأدوية؛ فالتجارب والأنشطة التي تقوم بها الشركة تثبت أن تكنولوجيا الطباعة البيولوجية ثلاثية الأبعاد يمكن أن تساعد شركات الأدوية على تحديد سمية الدواء قبل غيرها من التجارب، وقد بدأت الشركة بالفعل في الدخول في علاقات عمل مع شركات الأدوية الكبرى، وفي مقدمتها شركة الدواء العملاقة «فايزر» (Pfizer) وتخطط الشركة لأفكار مستقبلية أخرى كبيرة في مجال طباعة أعضاء كاملة تفيد في عمليات زراعة الأعضاء. فوفقا لموقع (Donate Life America (donatelife.net، هناك أكثر من 100 ألف شخص في الولايات المتحدة يحتاجون حاليا لعمليات زرع أعضاء لإنقاذ حياتهم. ويضاف اسم جديد كل 10 دقائق لقائمة انتظار زراعة أعضاء، وفي المتوسط يموت 18 شخصا يوميا بسبب نقص الأعضاء المتاحة لعمليات الزرع، كما أنه في كثير من الأحيان تحمل زراعة الأعضاء احتمالات عالية للرفض، من شخص لآخر؛ حيث يتم رفض الأنسجة المزروعة من قبل النظام المناعي للشخص المتلقي، على الرغم من الإقلال من الرفض بواسطة عقاقير كبت المناعة وإيجاد التشابه الجزيئي بين المستفيدين والمانحين. لهذا تأمل شركة «أورغانوفو» في التدخل وتغيير أساليب زراعة الأعضاء للأفضل، لقد قدمت الشركة، حتى الآن، قطعا صغيرة من الأنسجة، لكن هدفها النهائي هو استخدام تقنياتها الحديثة في طباعة الأنسجة ثلاثية الأبعاد، في طباعة أعضاء كاملة يمكن استخدامها في زراعة الأعضاء البشرية، فباستخدام خلية المريض نفسه، يمكن إنتاج أعضاء بشرية، تفيد في الزراعة ويكون هناك خطر أقل لرفض زراعتها؛ حيث تخطط الشركة لتمويل أبحاث طباعة الأعضاء من الإيرادات الواردة من طباعة الأنسجة لصانعي الأدوية.