منطقة البستكية التاريخية تحتفل بشباب الفنانين في الإمارات ضمن معرض «سكة»

TT

* في منطقة البستكية التاريخية في دبي، والتي تتميز ببيوتها التراثية وأسواقها الشعبية، يقام حاليا احتفال فني يتوجه إلى شباب الفنانين في الإمارات والمقيمين فيها أيضا، يقدم لهم المساحة لعرض إبداعاتهم الشابة ويمنحهم الفرصة للالتقاء بالجمهور والتفاعل مع بعضهم البعض.

الأزقة الصغيرة تفصل البيوت التراثية الصغيرة عن بعضها، ويتميز كل منها بمساحة رحبة في مدخله للجلوس. عبر تلك الباحات ندلف إلى الغرف الصغيرة نسبيا المخصصة للفنانين.

في أحد تلك البيوت تقف الفنانة الإماراتية خولة درويش تستقبل زوار معرضها الصغير، والذي ينقسم إلى غرفتين. بابتسامة ودودة تشرح لنا الفنانة أبعاد عملها المعنون «في ذكرى من أحبهم»، وتقول إنه مستوحى من تجربة شخصية ومعاناة من فقدان الأب والأخ بسبب مرض القلب، ولهذا قررت أن تكون تجربتها الفنية مستوحاة من تلك المعاناة. وتقدم خولة لمن يرغب من زوار معرضها الصغير الفرصة ليكون مشاركا في عملها الفني، إذ يتقدم الشخص إلى ركن من الحجرة به سرير طبي وتقوم ممرضة بعمل رسم للقلب وبعده يتسلم الشخص النتيجة. في الغرفة التالية نرى جدارا بأكمله مغطى بأوراق نتائج تخطيط القلب عليها كتابات بأقلام الأشخاص الذين أجريت لهم تلك العملية. تقول خولة، إنها تطلب من كل شخص يجرى له التخطيط كتابة كلمات بسيطة يشرح فيها إحساسه في تلك اللحظة. بهذا تتكون لوحة جدارية تفاعلية فيها أفكار ومخاوف وتمنيات من أشخاص لا نراهم ولكنهم اشتركوا في أنهم مروا عبر تجربة الفنانة الشابة. ومن زوارها نرى أحد الأشخاص يتقدم لإجراء التخطيط ولاحقا يشير إلى النتيجة قائلا «قالت لي الممرضة، إن هناك خللا ما وإنني يجب أن أستشير الطبيب، لا أعرف كيف أتصرف حيال ذلك»، ولكنه أخذ الورقة ومضى يكتب عليها شعوره في تلك اللحظة. تشير الفنانة إلى أن عملها له جانب إنساني أيضا، إذا إنه يسعى إلى خلق الوعي بمرض القلب وتأثيراته على حياة البشر.

ومن ركن الفنانة خولة درويش وفي المنزل التالي نجد الفنانة عالية حسن لوتاه والتي تقدم عملا جداريا مكونا من قطع متجاورة من قطعة من الزي الإماراتي تعرف باسم «طربوشة» ويرتديها الرجال. وتقول الفنانة «بعض تلك القطع أخذتها من ثياب أفراد أسرتي». وتشير إلى أنها تهدف إلى تكوين تشكيل يعيد التراث إلى الواجهة ويمنحه الحياة.

أما عرض الفنان الهولندي مارتن باكفاس فيتركز على النفط وتأثيره في الحياة وموقعة في دورة الكون فهو بداية ونهاية أيضا. عرض الفنان يتكون من أرضية سوداء لامعة تتوسط الحجرة وفوقها يقف حمل أبيض اللون مصنوع من مادة من مشتقات البترول. وفي الخلف يرسم الفنان نسرا أبيض كبيرا يرمز به إلى الدولار الأميركي. يقول الفنان «الدولار هو ثمن النفط ودور أميركا في صناعته».

من البيت المجاور تجذبنا موسيقى شرقية يصاحبها غناء بصوت معبر، تختلط الأغنية بكلمات لشخص يقرأ من كتاب فيما يبدو. ما إن تعبر الباب حتى ترى أمامك ساحة الدار خاوية إلا من ركن به سجادة صغيرة ومقعدين أرضيين، لا يوجد أحد هنا ولكن الأصوات مستمرة. صاحب العمل أنيس شاو شوراسي وهو شاب هندي مقيم بالإمارات يقول إن القراءة هي من كتاب جورج أورويل (1984) أما الغناء فهو لمغن باكستاني شهير، العلاقة بين الاثنين في نظر شوارسي هي «البروباغندا». ينجذب الزائر بالغناء الذي يخلب الحواس ويرتبط بمشاعر الكثيرين في باكستان ولكنه أيضا ينجذب لكلمات أورويل التي تخيل فيها العالم تحت مراقبة «الأخ الأكبر» وسطوة الدعاية و«البروباغندا» على حياة البشر. هنا في هذا المكان المتفرج يمكنه أن يختار من يسمع ولمن يسلم عقله.

الفنان محمد أبو القمصان يقف أمام إحدى غرف بيت كبير اشترك فيه عدد من الفنانين، الحجرة الصغير جدا معزولة عن الخارج بستارة سميكة ولكن هناك سببا لذلك، فالعمل هو انعكاس ضوئي على الحائط لكلمة «الله» مكتوبة بخط عربي جميل. النور المنبعث يعكس نورانية وشموخا تعكسه رشاقة الحروف.

وفي ركن الفنانة الفلسطينية رانيا جشي ننتقل إلى عالم التلفزيون والأخبار ففي الغرفة الأولى تفاجئنا حجرة طعام غير مرتبة الطاولة تحمل بقايا أكل وكأس شاي مسكوب وكرسي ملقى على الأرض وحالة من الفوضى تشمل المكان إلى أن ننتقل إلى الحجرة المجاورة، حيث يقبع جهاز تلفزيون صغير يعرض فيلما من رسوم الكاريكاتير للعائلة التي تسكن تلك الغرف، المناقشة لا تنتهي بين أفراد العائلة حول ما يشاهدونه على التلفزيون. تقول الفنانة إنها أرادت أن «تعكس الجانب الآخر للأحداث. في التغطيات الإخبارية لمناطق الصراع في العالم العربي نسمع دائما من يتساءل «أين الشعوب العربية» هنا أردت أن أقدم مشهدا لعائلة عربية تشاهد الأخبار على التلفزيون، ولكنها لا تثق بما تراه أمامها، فهناك حالة من التشبع بأخبار الحروب والقتل وأيضا حالة من العجز».

المعرض الذي تنظمه هيئة دبي للثقافة والفنون، يشارك فيه 23 فنانا ويقام في الفترة ما بين 15 حتى 25 من الشهر الجاري في منطقة البستكية التاريخية في دبي.