ارتفاع مستوى سطح البحر يهدد السواحل الأميركية

ولاية فلوريدا هي الأكثر عرضة لتلك الفيضانات

يعيش نصف السكان الأميركيين المهددين بالقرب من السواحل في جرف مسامي منخفض من الحجر الجيري الذي يشكل الجزء الأكبر من ولاية فلوريدا
TT

يعيش نحو 3.7 مليون أميركي على بعد أمتار قليلة من أمواج المد العالي وخطر التعرض لفيضانات ساحلية أكثر توترا في العقود المقبلة، وذلك بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة للاحترار العالمي، بحسب بحث صدر حديثا. واكتشف الباحثون أنه في حال تسارعت وتيرة ارتفاع مستوى البحر بالصورة المتوقعة، فربما تحدث الفيضانات الساحلية ذات المستويات التي كانت تعد نادرة الحدوث، كل بضعة أعوام بحلول منتصف هذا القرن.

اكتشف التحليل الجديد أن ولاية فلوريدا هي الأكثر عرضة لتلك الفيضانات حتى الآن، حيث يعيش نصف السكان الأميركيين المهددين بالقرب من السواحل في جرف مسامي منخفض من الحجر الجيري الذي يشكل الجزء الأكبر من تلك الولاية. واكتشف الباحثون أن ولايات لويزيانا وكاليفورنيا ونيويورك ونيوجيرسي، من الناحية العملية، عرضة هي الأخرى لهذا الخطر، وأن الشريط الساحلي الأميركي بكامله معرض لبعض درجات الخطورة.

ويقول بنجامين شتراوس، الذي يشارك علماء آخرين، في إعداد ورقتين جديدتين لدعم البحث: «إن زيادة مستوى سطح البحر بمثابة تسونامي خفي يزداد قوة، في الوقت الذي لا نقوم فيه نحن بأي شيء تقريبا. لدينا فرصة ضئيلة تتلاشى بسرعة لمنع حدوث الأسوأ عن طريق اتخاذ التدابير الضرورية لمواجهة زيادة مستوى البحر».

يبدو أن البحث الخاص بارتفاع مستوى البحر، الذي قاده شتراوس لصالح منظمة «كليمات سنترال» غير الهادفة للربح، كان الجهد الأكثر تفصيلا منذ عقود لتقدير نسبة السكان المعرضين لخطر زيادة مستوى سطح البحر على المستوى الوطني.

ونشر هذان البحثان يوم الأربعاء الماضي في مجلة رسائل البحوث البيئية. ويعتمد العمل على الإحصاء الرسمي للسكان لعام 2010 والتقديرات المحسنة، التي جمعتها الوكالات الاتحادية، عن ارتفاع مستوى الأراضي الواقعة بالقرب من السواحل ومستويات المد في شتى أنحاء البلاد.

بدأت منظمة «كليمات سنترال»، في برينستون بولاية نيوجرسي، في 2008، عن طريق أموال التأسيس، وذلك لعمل بحث مناخي جديد ولإخبار العامة بأعمال العلماء الآخرين. وبالنسبة لمشروع ارتفاع مستوى سطح البحر، الذي قامت بعض المؤسسات بتمويله بصورة كلية، وتستخدم المجموعة الإنترنت لطبع حزمة واسعة من المواد التي تتجاوز هاتين الورقتين العلميتين، التي تحدد المخاطر التي يتعرض لها كل مجتمع. ويستطيع الناس البحث عن طريق الرمز البريدي معرفة الخطر الذي يتعرضون له.

وعلى الرغم من قيام بعض حكومات المدن الساحلية في وقت سابق بتقييم الخطر التي تتعرض له، فإن الغالبية العظمى من المدن لم تفعل، وكان التحليلات التي أجريت على المستوى الوطني نادرة. ويتوقع أن توفر الحزمة الجديدة من المواد لبعض المواطنين والمجتمعات أول فكرة حقيقية عن الخطر الذي يتعرضون له.

يقول شتراوس إنه يأمل أن يؤدي هذا البحث إلى تحفيز الجهود الجديدة الرامية للتحضير لارتفاع مستوى سطح المحيط وزيادة الوعي العام بالأخطار التي يواجهها المجتمع نتيجة لضخ المزيد من غازات الاحتباس الحراري في الهواء. ويقول العلماء إن هذه الغازات تتسبب في زيادة حرارة الكوكب وذوبان المناطق الجليدية في البحر، وتمتص البحار نفسها معظم تلك الحرارة الزائدة، الأمر الذي تتسبب في تمدد المياه ويسهم بدوره في زيادة مستوى البحر.

ظلت مياه المحيطات ترتفع ببطء وبلا هوادة، منذ أواخر القرن التاسع عشر، وهو أحد المؤشرات الرسمية على تغير مناخ الأرض. ظل متوسط الزيادة العالمية في مستوى المياه عند نحو 8 بوصات منذ عام 1880، ولكن زاد معدل الارتفاع المحلي في بعض المناطق مما أدى إلى غرق الأراضي، كما هو الحال في لويزيانا ومنطقة خليج تشيسابيك.

ويبدو أن وتيرة هذا الارتفاع قد زادت مؤخرا لتصل إلى معدل قدم تقريبا في القرن. ويتوقع الكثير من العلماء حدوث زيادة إضافية لذلك المعدل كلما زاد معدل احترار كوكب الأرض، وتقترح أحد تلك التقديرات، التي بدأت المجتمعات في استخدامها لأغراض التخطيط، أن مستوى المحيط سيزيد بمعدل قدم في الأربعين عاما المقبلة، على الرغم من أن هذا التقدير غير مقبول عالميا في أوساط لعلماء المناخ.

لا تنكر القلة من باحثي المناخ، الذين يشككون في الإجماع العلمي حول الاحترار العالمي، الزيادة في مستوى مياه المحيطات، ولكنهم غالبا ما يعزون تلك الزيادة إلى التقلب الطبيعي للمناخ. يؤكد هؤلاء الباحثون أنه من المحتمل زيادة وتيرة ذلك الارتفاع، ولكنهم يقولون إنه سيكون بإمكان المجتمع التكيف على تلك الزيادة البطيئة والمستمرة.

يقول مايرون إبيل، من معهد «كومبيتيتيف إنتربريز إنستيتيوت»، وهي جماعة بحثية مقرها واشنطن، وأحد المشككين في تغير المناخ: «إذا وضعنا ثقتنا في نماذج لا يمكن التنبؤ بصحتها، فإننا، كمجتمع، سوف نضيع كمية كبيرة من الأموال في الاستعداد لزيادة مستوى مياه البحر».

يقول الخبراء إن زيادة مستوى سطح البحر بعض بوصات قد تعني غزوا كبيرا للمحيط على الخطوط الساحلية الضحلة. فقد كلف ارتفاع مستوى البحر الحكومات وملاك الأراضي مليارات من الدولارات، حيث قاموا بضخ الرمال إلى الشواطئ المتآكلة وإصلاح الأضرار التي نجمت عن هبوب العواصف.

وقد توقفت شركات التأمين عن إصدار شهادات تأمين ضد الفيضانات منذ عقود، لذا فمن المتوقع أن يقع الكثير من المخاطر الناجمة عن زيادة مستوى البحر على كاهل برنامج التأمين الوطني ضد الفيضانات، الذي أسسه الكونغرس، والذي يواجه مشكلات مالية بالفعل. ويدعم دافعي الضرائب الفيدراليون بشدة التنمية الساحلية عندما تقوم الحكومة بدفع أموال مقابل إعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها العواصف وتحمل معظم فاتورة خسائر القطاع الخاص التي لا يغطيها التأمين.

ظل علماء السواحل لعقود يؤكدون أن تلك السياسات متهورة وأنه ينبغي على الدولة البدء في التخطيط للتراجع المنظم عن نسبة كبيرة من سواحلها، لكن القليل من الساسة كانوا يرغبون في تبني تلك الرسالة أو تحذير العامة من المخاطر المتزايدة بهذا الصدد.

وعلى الرغم من تشككها في علم المناخ، انحازت بعض المنظمات، مثل المنظمة التي ينتمي إليها السيد إبيل، إلى رأي باحثي السواحل حول تلك النقطة. وتؤكد تلك المنظمات أنه ينبغي على الكونغرس التوقف عن دعم التنمية الساحلية والنظر إليها على أنها مضيعة لأموال دافعي الضرائب، بغض النظر عما سيفعله المحيط في المستقبل.

يقول إبيل: «إذا أراد الناس بناء منزل ساحلي مكلف على ساحل فلوريدا أو كاليفورنيا، فينبغي عليهم تحمل تبعات تلك المخاطرة وأن يدفعوا ثمن التأمين الخاص بهم».

يتفق تقدير البحث الجديد لعدد السكان الذين يعيشون في نطاق متر واحد، 3.3 قدم، من متوسط مستوى المد العالي، مع تقدير بيانات جديدة عن المد أصدرتها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي. تقدر الأبحاث أن منطقة الخطر تشمل الآن 3.7 مليون نسمة في 48 ولاية منخفضة، وهو الرقم الذي يتجاوز 1 في المائة من نسبة سكان الولايات المتحدة الأميركية.

وطبقا للسياسات الساحلية الحالية، فمن المتوقع أن يستمر عدد السكان وقيمة الممتلكات المعرضة للخطر في تلك المنطقة في التزايد.

من المتوقع أن تغمر الأراضي التي يقل منسوبها عن 3.3 قدم بالمياه بشكل دائم في يوم من الأيام، والذي يتوقع أن يكون بحلول عام 2100، فيما عدا الأماكن التي تم فيها بناء تحصينات واسعة ضد مياه البحر. تقول أحد الأبحاث الجديدة إنه قبل غمر المياه للمناطق المنخفضة بوقت طويل، ستصبح الحياة في تلك المناطق أكثر صعوبة، حيث إن زيادة مستوى ماء البحر سيجعل حدوث الزوابع الكبيرة أكثر احتمالا.

وقد تم اتخاذ بعض الخطوات المتواضعة للتجهيز لذلك الحدث في عدد قليل من الأماكن. وتأتي مدينة نيويورك كواحدة من بين تلك الأماكن، حيث تم رفع بعض المضخات الموجودة في محطات الصرف الصحي إلى ارتفاعات أعلى وقامت حكومة المدينة بعمل مخططات واسعة النطاق في هذا الصدد. ولكن تبقى المدينة، بما في ذلك أقسام كبيرة من بروكلين وكوينز وستاتن آيلاند، معرضة لهذا الخطر، كما هو الحال مع أجزاء كبيرة من لونغ أيلاند وكونيتيكت ونيوجيرسي.

*خدمة «نيويورك تايمز»