50 سنة على الاحتفال بـ«اليوم العالمي للمسرح»

فنانو لبنان ينتفضون: «ردوا المسرح لبيروت»

TT

لن يمر «اليوم العالمي للمسرح» هذه السنة كالسنوات السابقة في بيروت، فقد قرر المسرحيون والفنانون أن يجعلوا من هذا اليوم، أي غدا الثلاثاء، مناسبة احتجاجية جامعة، يعلنون من خلالها عن غضبهم وسخطهم، بسبب إغلاق «مسرح بيروت» وتضاؤل المساحات الثقافية والعامة في لبنان.

وللتضامن مع «مسرح بيروت» فإن كلا من «مسرح المدينة»، و«مسرح مونو»، ومسرح «دوار الشمس»، و«مسرح بابل»، البيروتية ستغير أسماءها في هذا اليوم العالمي كفعل رمزي. وسيغطي كل مسرح اسمه بلافتة كبيرة تحمل اسم «مسرح بيروت» ليوم واحد فقط. ويدعو المنظمون وهم مجموعة «ردوا المسرح لبيروت» جميع المسارح في العالم العربي للانضمام إلى هذا النشاط، كل على طريقته، كما أنهم يطلبون من مختلف الهيئات المدنية والأهلية في لبنان التكاتف معهم ومشاركتهم الاحتجاج.

واعتبارا من الساعة السابعة سيبدأ الناس بالتوافد على «مسرح المدينة» الذي اختير ليكون مركز الحدث، يستقبلهم في الشارع المهرجون، وفي صالة الاستقبال عروض تفاعلية للدمى، قبل أن يبدأ على الخشبة العرض الذي سيكون استثنائيا ومن وحي المناسبة.

فقد وافق ما يقارب 50 فنانا على تأدية عمل مشترك على الخشبة، هو عبارة عن استعادة لما يقارب 25 عرضا مسرحيا سابقا، يصعد مؤدوها دفعة واحدة على المسرح، ويحضر بعضهم مع بعض، كل يؤدي مسرحيته بصوت خافت إلى جانب الآخر، ويعطى لكل منهم نصف دقيقة فقط ليجاهر بالحوار قبل أن ينتقل الدور إلى مسرحية أخرى. وهكذا يتوالى تصاعد الحوارات، حتى تنهي كل مجموعة نصف الدقيقة الخاص بها، في عرض سوريالي عبثي، يعبر عن الوضع الذي آل إليه المسرح في لبنان.

ويرى المخرج جنيد سري الدين أن العرض على هذا النحو، حيث ستكتظ الخشبة بالممثلين، يرمز إلى ضيق الأماكن، التي بات يعاني منها المسرحيون، مع توالي إغلاق المسارح وتضييق الخناق على الفنانين. وبعد الصورة التذكارية على الخشبة التي ستجمع كل الفنانين والمخرجين المسرحيين الموجودين في هذا اليوم، ينطلق الجمع الفني مع الجمهور المؤازر لهم في مسيرة إلى «مسرح بيروت»، المغلق منذ نهاية العام الماضي، للاعتصام أمامه، مطالبين بإعادة افتتاحه.

الممثلة المعروفة حنان الحاج علي، وهي من المنظمين الأساسيين، تسأل عن معنى إقفال المسارح واحدا تلو الآخر في بيروت. فتقول: «أين هو (الغراند تياتر)، و(مسرح أنطوان ولطيفة ملتقى) في الأشرفية، و(ستوديو بعلبك)؟ أين (مسرح شوشو) الذي كان بالإمكان ترميمه، ومسرح (مارون النقاش) الذي أصبح معمل خياطة؟ المسارح التي أغلقت كثيرة، وها هو (مسرح بيروت) يغلق هو الآخر، وعلينا أن نتحرك».

يحدو حنان الحاج علي أمل كبير هذه المرة لإنقاذ «مسرح بيروت» لأن الوعي عند الفنانين بضرورة العمل على المستوى القانوني تبلور بشكل أفضل. تشرح الممثلة التي سبق لها أن أدارت هي وزوجها المسرحي المعروف روجيه عساف لعدة سنوات المسرح المهدد اليوم قائلة: «بتنا نعمل على خطين متوازيين، الخط التنشيطي والحملات وهذا مهم، لكننا نعمل في الوقت نفسه على خط البحث القانوني، وتبين لنا أن قانونين تم إقرارهما سنة 2008، في عهد وزير الثقافة غسان سلامة، الذي كان أكثر من اهتم بالمجال التشريعي للثقافة، ينصان على أن أي موقع ثقافي له مواصفات تاريخية وثقافية ومنفعة عامة، بإمكان وزارة الثقافة وضع اليد عليه لحمايته ومنع إقفاله، ولو مؤقتا، لكسب الوقت والتفاوض مع مالكيه لإيجاد سبل منصفة لذاكرة المكان دون غبن أصحاب الملك».

ومعلوم أن وزير الثقافة الحالي غابي ليون كان قد وعد عندما أثيرت قضية إقفال «مسرح بيروت»، نهاية العام الماضي، بالحفاظ عليه، وضمه بالفعل إلى لائحة قوائم الأماكن التراثية، «لكن هذا التصنيف يحمي المسرح من الهدم، لكن لا يمنع تحويله إلى مطعم أو ملهى، وتغيير وظيفته والقضاء على ذاكرته بالكامل»، كما تشرح الحاج علي.

الموضوع يتجاوز «مسرح بيروت» بالنسبة لبعض المنظمين، والمخرج جنيد سري الدين يتحدث عن تضامن كبير بين المسارح وتجاوب من الفنانين، وهي ربما «المرة الأولى التي يشارك فيها هذا الجمع من الفنانين من أجل قضية واحدة عامة تمسهم جميعا». ويقول سري الدين: «حان الوقت لأن يقفوا معا لتحقيق مطالبهم. القضايا كثيرة، والحاجات متعددة. المسارح سعرها يرتفع لليلة الواحدة. وزارة الثقافة لا تدعمنا حتى ولو معنويا. فمثلا، لماذا لا يقدم تلفزيون لبنان، وهو محطة رسمية للدولة، إعلانات مجانية للمسارح مثلا؟ المال ليس كل شيء، هناك ما يمكن أن تفعله الوزارة دون أن يكلفها ذلك قرشا واحدا. ثم هناك نقص في الشفافية. ماذا عن الدعوات لتمثيل لبنان في بعض المناسبات والمشاركة بالمهرجانات التي تصل إلى الوزارة؟ إلى من تذهب؟ وكيف توزع؟ نحن لا نعرف المعايير. وهناك موضوع الرقابة على الأعمال الفنية، لقد بات هذا الأمر معيبا للبنان، وصار لدينا مشروع قانون شبه جاهز يتوجب إقراره. ما يحدث بمناسبة اليوم العالمي للمسرح من احتجاج يجب أن يكون مجرد فاتحة لعمل جماعي مستمر وطويل الأمد، يشارك به الفنانون».

إنه «اليوم العالمي لمسرح بيروت» في العاصمة اللبنانية، كما تقول حنان الحاج علي. فالأولويات تفرض نفسها، ولكل مدينة قصتها مع المسرح، وطريقتها في الاحتفال، علما بأن العالم يحتفل هذا العام بمرور خمسين سنة على إقرار هذا اليوم، وقد اختير الممثل والمخرج السينمائي والمسرحي الأميركي الشهير جون مالكوفيتش هذه السنة ليوجه «رسالة المسرح» بحسب التقاليد السنوية المتبعة.