بيع الورود.. ظاهرة جديدة تملأ شوارع جدة وإشاراتها الضوئية

يكثر الطلب عليها في الإجازات وآخر أيام الأسبوع والأعياد

أحد بائعي الورد عند الإشارات الضوئية (تصوير: غازي مهدي)
TT

انتشرت ظاهرة بيع الورود عند الإشارات الضوئية بمدينة جدة لتنضم إلى قائمة المبيعات التي تملأ شوارعها تحديدا حول الإشارات الضوئية. فبعد أن اعتاد سكان وزوار المدينة على مشاهدة بائعي ألعاب الأطفال، وبائعي زجاجات المياه في فصل الصيف، وبائعي المساويك والسبح عند الإشارات، سيعتادون على رؤية أنواع الورود وألوانها المختلفة تباع عند الإشارات الضوئية وبأسعار رخيصة لا تتجاوز الـ5 ريالات.

محسن أحمد، شاب اعتاد على المرور بشكل يومي من أحد شوارع مدينة جدة بعد الانتهاء من عمله، فيقف بسيارته أمام إشارة المرور الضوئية، ويمر عليه شاب أو طفل يحمل بين يديه بعض الورود وعقودا من الفل، ويتمتم بعدة كلمات لإقناعه بشراء وردة لزوجته أو أخته أو أمه، يقول محسن: «اعتدت أن أشتري وردا من الطفل الذي يبيع عند الإشارة بشكل شبه يومي، وأعطيه لوالدتي أو زوجتي في المنزل».

وغالبا ما يختار بائعو الورد شوارع وأحياء بعينها بحيث تكون مزدحمة بالسيارات ومليئة بالناس، خاصة الشباب والفتيات، حاملين بأيديهم أنواعا مختلفة من الورود كالجوري والقرنفل والفل، بألوانها الأحمر والأصفر والأبيض والبنفسجي.

محمد عبده، أحد بائعي الورد المتجولين الذين يعملون بشكل يومي عند إحدى الإشارات الضوئية منذ أكثر من عام، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن بيع الورد يعتبر مصدر رزقه الأساسي؛ حيث ينطلق منذ الصباح لأحد المحلات أو الشركات التي تبيع الورد بسعر رخيص ليشتري كمية بسيطة ويبيعها مساء.

يشتري عبده ما يقارب 80 وردة يوميا، مختلفة الألوان والأنواع، سعر الواحدة يتراوح بين ريالين و3 ريالات، وبعد أن ينتهي من تغليفها ويضع شريط الزينة على أطرافها، يذهب إلى أحد الطرق التي يتوقع أن يبيع هذه الكمية وهو يتجول فيها.

وبين أنه دائما ما يختار الشوارع والطرق المزدحمة أو المحلات التجارية أو المطاعم والمقاهي وغيرها، ويبدأ ببيع الوردة الواحدة بـ4 أو 5 ريالات، وقال عبده: المكسب الذي نجنيه من بيع الورد ليس كبيرا، لكنه يكفيني قوت يومي؛ حيث إنه يتراوح بين 50 و100 ريال.

وحول أنواع الورد التي يكثر الطلب عليها، بيَّن عبده أن الورد الجوري والقرنفل غالبا ما يُطلب من قِبل الزبائن، وأحيانا عقود الفل، لافتا إلى أن سعر عقد الفل يختلف؛ حيث يصل الواحد إلى 8 أو 10 ريالات.

وبيَّن أن الشباب والفتيات غالبا ما يطلبون الورد الأحمر والجوري أو ما يعرف بالروز، بينما تفضل السيدات والرجال كبار السن عقود الياسمين، موضحا أن الشباب والفتيات هم الأكثر إقبالا على شراء الورد بأنواعه. إلا أن محمد علي، أحد بائعي الورد الذي يعمل في هذه المهنة مضطرا؛ كونه لم يجد عملا، يقول: أبيع الورد وأبحث عن عمل آخر في الوقت نفسه؛ لأن هذه المهنة لا تعود علينا بالربح. وأضاف: أبيع الورد أحيانا بخسارة؛ حيث إن الزبون لا يرضى أن يشتريه إلا بسعر قليل يصل إلى 3 ريالات أحيانا، فأضطر لبيعه بخسارة حتى لا يفسد الورد، مبينا أن الورد المتبقي يقوم بالتخلص منه آخر النهار؛ لأنه لا يصلح للبيع في اليوم التالي.

وأضاف محمد: يكثر الطلب على الورد في الإجازات وآخر أيام الأسبوع والأعياد؛ حيث يشتريه الناس وإن كان مرتفع السعر فأقوم أحيانا ببيع الوردة بـ8 أو 10 ريالات في هذه المواسم.

من جهته، بين حسين بن شيد، الذي يعمل في محل الزهور العربية، أن بائعي الورد المتجولين غالبا ما يشترون الورد من المحلات التي تبيع الورد، وقال لـ«الشرق الأوسط»: يشترون الورد كل يومين أو ثلاثة أيام ونقوم ببيعهم إياه بسعر الجملة، أي ما يقارب 3 ريالات وهم يعملون على تغليفه وتزيينه، مشيرا إلى أنهم لا يشترون كميات كبيرة، بل يأخذون ما يكفيهم ليوم أو يومين؛ لأن ليس لديهم ثلاجات خاصة لحفظه.

ونفى شيد أن يكون هناك تعاون بين الباعة المتجولين ومحلات الورد، وقال: نحن عادة نستورد كميات كبيرة من الورود، وبالتالي يكون لدينا فائض فنبيعهم إياه بسعر الجملة من دون أن تكون هناك خسارة لنا ولهم، وقال: هم بالنسبة لنا كأي زبون يأتي ليشتري الورد. وأضاف: في بعض الأحيان لا نستطيع بيعهم الورد؛ لأن الكميات لا تكفي، خاصة في المناسبات والأعياد؛ حيث يكثر الطلب على الورود، إضافة إلى أن سعرها يرتفع ولا يمكنهم دفع ثمنها، لافتا إلى أن ارتفاع أسعار الورد يرجع لأن الدول التي تصدر لهم الورد في المناسبات ترفع السعر وقال: نشتري الورد من أستراليا وهولندا والعراق ولبنان. وفي عيد الحب خاصة ترتفع أسعار الورد في هذه الدول فيبيعونها لنا بسعر مضاعف، الأمر الذي يضطرنا لأن نرفع أسعارنا.

وأكد أن بيع الورد من قبل الباعة المتجولين لا يؤثر على نسبة مبيعاتهم، وقال: الورد الذي تشتريه من المحل بالطبع يختلف عن الذي يباع في إشارات المرور أو الشوارع؛ حيث إننا نحفظ الورد في أماكن مخصصة لحفظه ونقوم بتغليفه وتزيينه بطرق إبداعية، حتى إن لون الورد وطريقة تغليفه يعطيانه رونقا خاصا، ونحن لنا زبائننا، إضافة إلى أننا لا نعتمد في عملنا على بيع الورد الخام، فلدينا أقسام خاصة لتصميم البيوت والقصور وتزيينها بالورد.

وأشار حسين شيد إلى أن المجتمع السعودي يستهلك الورد، لكن ليس بكميات كبيرة مثل الجاليات التي تقيم في السعودية حيث إنهم يحرصون على شراء الورد بشكل شبه يومي.

وحول المواسم التي يكثر شراء الورد فيها، بيَّن أن الإجازات والأعياد والأفراح تزداد الطلبات على الورود فيها، لافتا إلى ارتفاع سعر الورود الحمراء إلى ضعفين أحيانا في عيد الحب، ومع ذلك تباع.

بينما يرى حسن أحمد، الذي يعمل في محلات الورد لأكثر من 5 أعوام، أن النساء أكثر إقبالا على شراء الورد، ربما لأنهن أكثر ذوقا وإحساسا، أو لانشغال الرجال، فلا يوجد لديهم وقت لشراء الورد، لافتا إلى بعض الرجال الذين يشترون الورد في المناسبات.

وأشار إلى أن عيد الحب هو أكثر المواسم التي يقبل الناس فيها على شراء الورد، يليه «الكريسماس»، ومن ثم الأعياد والأفراح. وأوضح أن عدد الأشخاص الذين يترددون على المحل بشكل يومي يتراوح بين 150 و200، لافتا إلى أن اعتمادهم الكلي لا يكون على البيع اليومي؛ حيث يعملون مع قصور الأفراح والمنازل بشكل مستمر، وهذا هو الدخل الأساسي للمحل.

وأوضح حسن أن للورد معاني جميعها ترمز للحب؛ حيث يقدم الأشخاص على شرائه وفقا لمعناه. وبيَّن أن الورد الأبيض يعبر عن الحب العفيف، بينما يعبر الأصفر عن الحب الشاغل، والأحمر يعني الحب الجاف، ويرمز القرنفل الأبيض للحب الشريف، والياسمين الأصفر يعبر عن الغيرة، والبنفسج يعبر عن الحب الحزين.

كما أن للمناسبات الخاصة ألوانا معينة من الورد ترمز لهذه المناسبة؛ فالورد الأحمر يقدَّم في المناسبات كالنجاح والتخرج والفرح، ويقدم الورد الأبيض عند زيارة مريض، والورد الأزرق يقدم عند الولادة، والبنفسجي والياسمين يقدم للمناسبات الخاصة بكبار السن.