جائزة «بوكر» للبناني ربيع جابر.. وأسئلة حول مصيرها

مخاوف لدى الأدباء من ممول يمارس رقابة أو نفوذا عليهم

غلاف كتاب دروز بلغراد وربيع جابر يتسلم الجائزة
TT

«سررنا.. ونحن فخورون جدا بربيع جابر. فمن يوم اطلعنا على روايته الأولى التي قدمها لدار الآداب (شاي أسود)، وكان عمره حينها 19 عاما، وجدنا فيه موهبة كبيرة. ومنذ ذلك الوقت ونحن نحتضن هذه الموهبة ونشجعها». هذا ما قالته الناشرة رنا إدريس لـ«الشرق الأوسط» في اتصال معها إثر الإعلان عن فوز الروائي اللبناني ربيع جابر بجائزة «البوكر للرواية العربية» لهذه السنة عن روايته «دروز بلغراد.. حكاية حنا يعقوب»، التي أعلن عنها مساء أول من أمس، الثلاثاء.

وقالت صاحبة «دار الآداب» التي نشرت الرواية بالشراكة مع «المركز الثقافي العربي» وهي تتحدث من أبوظبي معبرة عن فرحتها «نستطيع أن نقول، ونحن الذين واكبنا جابر منذ البداية، إنه ابتدأ روائيا مكتملا، فهو صاحب رؤية، وعنده مشروع روائي، كان ذلك واضحا من كتاباته الأولى. لغته بسيطة، جميلة، وصادمة في الوقت نفسه كما أنها تدخل القلب». وتشرح إدريس: «إن ربيع جابر استطاع اجتذاب فئة الشباب بشكل كبير، وأعادهم للقراءة باللغة العربية من جديد. فنحن في معارض الكتب نحتك بهم، ونرى كيف يقبلون على شراء روايات ربيع جابر ويسألون عنها». وكانت رواية ربيع جابر قد وصلت إلى اللائحة القصيرة التي أعلن عنها في 11 يناير (كانون الثاني) الماضي مع 5 روايات أخرى من مصر ولبنان والجزائر وتونس؛ وهي: «العاطل» للمصري ناصر عراق، و«عناق عند جسر بروكلين» للمصري عز الدين شكري، و«شريد المنازل» للبناني جبور الدويهي، و«دمية النار» للجزائري بشير مفتي، و«نساء البساتين» للتونسي الحبيب السالمي. وكانت توقعات كثيرة قد رجحت فوز أحد اللبنانيين المرشحين وهما: جبور الدويهي وربيع جابر، نظرا لأن مصر كانت قد فازت سابقا لمرتين، في حين ليست المرة الأولى التي يصل فيها هذان الكاتبان اللبنانيان إلى ما قبل المرحلة الأخيرة دون أن يفوز أي منهما بالجائزة الكبرى.

وربما أن كفة ربيع جابر، لم ترجح فقط لتفوق روايته على غيرها، وإنما أيضا للغزارة التي يتمتع بها، فقد كتب وهو البالغ من العمر 40 عاما نحو 17 كتابا حتى الآن، وحاز جوائز سابقة، كما أنه يعتبر من الروائيين الشباب، في زمن الثورات وصعود الصوت الشاب.

وحصل كل أديب وصل إلى اللائحة القصيرة على 10 آلاف دولار، في حين فاز ربيع جابر بـ50 ألف دولار إضافية لفوزه بالجائزة الأولى. وترأس لجنة التحكيم جورج طرابيشي، إلى جانب 4 أعضاء هم: الصحافية والناقدة اللبنانية مودي بيطار، والأكاديمية المصرية الناشطة في مجال حقوق المرأة الدكتورة هدى الصدة، والأكاديمية والكاتبة القطرية الدكتورة هدى النعيمي، إلى جانب الأكاديمي والباحث الدكتور غونزالو فرنانديز باريللا.

وتصل الجائزة العالمية للرواية العربية التي تقام برعاية «مؤسسة بوكر البريطانية» إلى دورتها الخامسة، هذه السنة بعد أن أسالت حبرا كثيرا حول مصداقيتها، وشفافية أعضاء لجان تحكيمها، ووسط كلام صريح من الجهة الممولة أي (مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي) عن رغبتها في تمويل مشاريع أكثر أولوية.

ويدور كلام وسط الحاضرين في أبوظبي لحضور الإعلان عن الجائزة، بأن مؤسسة الإمارات ترغب في إبقاء الجائزة في أبوظبي، لكن البحث جار عن ممول يقبل بهذا الشرط. ويتردد في أوساط المثقفين أن قطر قد تكون من أكثر الجهات الراغبة في تحمل هذا العبء الأدبي والمادي. ويقول أدباء تحدثنا معهم لمعرفة آرائهم، وفضلوا عدم ذكر أسمائهم، إن مؤسسة الإمارات لعبت دورا حياديا سواء لجهة الرقابة أو لناحية اختيار الفائزين أو تعيين اللجنة، وهو ما يخشى الأدباء افتقاده في حال آل التمويل إلى جهة أخرى لم تعرف بعد.

وبينما يترافق الاحتفال بفوز ربيع جابر وهذا الخبر الذي لا يبدو سعيدا لكثيرين، فإن الجائزة وربما للمرة الأولى منذ ولادتها، أعطيت دون صخب وخلافات واتهامات اعتاد أن يتراشقها الكتاب والمثقفون، حول آليات اختيار الفائز أو مصداقية لجنة التحكيم.

والرواية الفائزة «دروز بلغراد» تنهل من تاريخ المنطقة التي ولد فيها ربيع جابر. فهو من مواليد بعقلين في جبل لبنان، وحكايته هي عن مئات الدروز الذين تم نفيهم من قبل السلطان بعد أحداث 1860 وإثر المذابح التي شهدتها تلك المنطقة بين المسيحيين والدروز، حيث تشاء الأقدار أن ينفى الشاب المسيحي حنا يعقوب بدل أحد الدروز لمجرد مصادفة وجوده قرب المرفأ. مقابل العذاب الذي يعيشه القارئ مع المنفيين إلى بلاد البلقان، وتفرقهم هنا وهناك، ثمة لوحة أخرى تتشكل حول بدايات أفول نجم الدولة العثمانية، وصعود القوى الأوروبية في نهاية القرن التاسع عشر.

وربيع جابر من مواليد 1972 التحق بالجامعة الأميركية لدراسة الفيزياء لكن آثر الكتابة، وله ميل كبير لأن ينهل من الأحداث التاريخية والوقائع الحياتية اليومية. صدر له نحو 17 كتابا منها: «البيت الأخير» 1996، و«الفراشة الزرقاء» 1996، و«رلف رزق الله في المرآة» 1997، و«بيروت مدينة العالم» 2003، و«رحلة الغرناطي» 2005، و«أميركا» 2009.

وتقول الناشرة رنا إدريس: «ربيع شخص خجول، وقليلا ما يعبر عن انفعالاته، وهو روى في الفيلم الوثائقي الذي عرض خلال حفل توزيع الجوائز، أنه يجيد شيئا واحدا في الحياة وهو الكتابة، ولا يجيد شيئا غيرها». وتتذكر إدريس أن المرة الأولى التي جاء فيها جابر إلى الدار وقدم مخطوطة «شاي أسود» لوالدها الراحل الأديب سهيل إدريس، كان لا يزال شابا صغيرا. وبعدما قرأ والدها الرواية التقي بربيع جابر وقال له: «غير معقول أن تكون أنت من كتب هذه الرواية. هذا نص لا يكتبه إلا شخص له تجربة كبيرة». وتعلق إدريس: «ربيع جابر كان يكتب بعمق منذ البداية ليس فقط لأنه يقرأ كثيرا ولكن لأنه يتأمل بعمق أيضا».