إتاحة المصادر على الإنترنت ثورة في عالم المعرفة

الجامعات ستحتاج إلى البحث عن مواد بديلة إذا بالغت في إتاحة المواد التعليمية

TT

«هل ما زلت تتذكر سائل (تيب إكس)؟ الذي كان يستخدم في التصحيح عند استخدام الآلة الكاتبة، والذي لم يكن أي مكتب يخلو منه يوما ما؟» الحنين عند أنكا مولدر التي تعمل في جامعة دلفت الهولندية إلى الماضي ما زال بالنسبة لها مثل مذاق كعكة المادلين التي كان يحن لها الروائي الفرنسي مارسيل بروست.

لقد قطعت حديثها، وفكرت في عمر طلابها الذين يعلق أكثرهم على رسائلها على موقع «تويتر» وسألتهم: «كم منكم يتذكر الآلة الكاتبة؟» فرفع نحو نصف جمهورها أيديهم تعبيرا عن الإجابة بنعم.

جاءت كلمة مولدر في دلفت خلال أسبوع التعليم المفتوح الذي أقيم الشهر الحالي في عدد من الجامعات منها جامعة كاليفورنيا بإيرفين ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا وجامعة كيب تاون وجامعة ليدز متروبوليتان بإنجلترا، والمكتبة القومية للعلوم في بكين.

ولا تزال مولدر، التي تبلغ السابعة والأربعين من عمرها، تذكر أيام الآلة الكاتبة والكتب المدرسية ذات الأغلفة السميكة. مع ذلك منحت، بصفتها رئيسة اتحاد الدورات التعليمية المفتوحة، الذي يضم مجموعة عالمية من الجامعات التي تهدف إلى زيادة مساحة الحرية، تصريحا بإتاحة مواد تعليمية على شبكة الإنترنت في إطار تركيزها على المستقبل.

وأوضحت كيف ظل، لآلاف السنوات، يتعين على أي شخص يريد تحصيل العلوم والمعارف أن يعثر على معلم أو متخصص أولا. وبعد اختراع الطباعة، أصبحت المكتبات والجامعات بمثابة مستودعات للمعرفة، لكن في ظل وجود شبكة الإنترنت حاليا، لم تعد المعلومات حكرا على الجامعات. لذا ستطرأ تغيرات على المهام الخمس التي تؤديها الجامعات حاليا وهي التعليم وإتاحة فرصة للتواصل الاجتماعي واختبار معرفة الطلبة وتقييم أداء الطلبة من خلال الدرجات وبناء سمعة جيدة بأنها مكان مناسب للتعلم وتقديم شهادة علمية.

كان هدف أسبوع التعليم المفتوح هو التخفيف من حدة القلق الناجم عن هذا الأمر، حيث تقول مولدر: «نريد أن نوضح كيف يمكن للطالب أو المؤسسة أو الحكومة الاستفادة من هذه التغيرات».

ويعد هذا أيضا هدفا، وهناك مسابقة أقامتها وزارة التعليم الأميركية الشهر الحالي بالتعاون مع مؤسسة «كريتيف كومونز» و«أوبين سوسايتي إنستيتيوت». وقيمة الجائزة المقدمة خلال هذه المسابقة 25 ألف دولار لأفضل مقطع مصور قصير يوضح النفع الذي سيعود على الطلبة والمعلمين والمدارس من إتاحة المواد التعليمية على الإنترنت. وستتولى لجنة تتضمن ديفيس غوغنهايم، ونينا بالي، والممثل جيمس فرانكو، تقييم الأعمال المقدمة. وفي خطاب الإعلان عن المسابقة، قال وزير التعليم، آرن دنكان، عن إتاحة المواد التعليمية «لن ييسر ويثري التعلم فقط، بل سيقلل أيضا تكاليف المدارس والأسر والطلبة بشكل كبير».

وما زاد زخم حركة المواد التعليمية إعلان معهد ماساشوستس للتكنولوجيا بداية عام 2001 عن عزمه إتاحة بعض المواد الخاصة به على شبكة الإنترنت. في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2003 كان هناك 511 دورة تعليمية متاحة على الإنترنت من المعهد. وبحسب مولدر، فاق إجمالي العدد حتى هذه اللحظة الـ21 ألفا وكان متاحا بأكثر من 9,903 لغات إضافة إلى الإنجليزية. ومن ضمن هذه اللغات الصينية والإسبانية والبرتغالية والفرنسية والكتالونية والعبرية والفارسية والتركية والكورية واليابانية. ومع تزايد عدد أنصار الحركة يوما بعد يوم، تغيرت المواد المتوفرة. ولا يزال يتوفر محتوى آلاف الدورات التعليمية على الإنترنت وإن لم تكن أكثر من تصوير للمحاضر أو مجموعة من المعلومات المستقاة من المحاضرات. وبعد انتهاء مولدر من الحديث خلال فعاليات أسبوع التعليم المفتوح، بدأ أعضاء من هيئة تدريس جامعة نوتنغهام في إنجلترا يقدمون حلقة دراسية حول كيفية استفادة أساتذة الجامعات من إتاحة الموارد على الإنترنت في إعداد كتب دراسية لأغراض خاصة. وكلفت جامعة آي إي في مدريد، 14 شخص بالعمل بدوام كامل على برنامج إتاحة المواد التعليمية.

وقال مارتن رودريغيز، مدير تطوير محتوى الوسائط المتعددة: «لدينا مبرمجون ومصممون وكتاب يعملون مع الأساتذة. على سبيل المثال إذا سألنا أستاذا عن كيفية حساب تكلفة رأس المال، نتجه للعمل على هذا الأمر».

قد لا يكون بعض ما ينتجونه ذا قيمة كبيرة، فربما يكون مجرد نسخة تجريبية مجانية عن «تشكيل الهوية في عقل المتلقي المستهدف» لدورة تعليمية عن التسويق على سبيل المثال. مع ذلك تكلف دراسة حالة أجرتها جامعة «آي إي» عن شركة الصناعات الدوائية «نوفارتيس»، والتي تتضمن مقاطع مصورة وتجارب محاكاة ورسوما تفاعلية وبيانات استطلاع رأي، الطلبة بوضع استراتيجية تجارية للشركة. وتتيح لعبة «ماسترس سيريوس مدريد»، التي تتضمن خلفية موسيقية ورسوما ثلاثية الأبعاد ومقابلات مع مسؤولين تنفيذيين، للطلبة إدارة بطولة تنس دولية. ويقول ماثيو قنسطنطين، أحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة «آي إي»: «إنها طريقة رائعة للنظر إلى جامعتنا». ورغم أن كل المواد التعليمية المتاحة على الموقع الإلكتروني للجامعة مجانية للأفراد، رفضت الجامعة إتاحة مواد تعليمية للراغبين في التعلم من دون معلم لاعتقادهم أن المناقشة داخل الحجرة الدراسية ضرورية. وقال مارتن إن الجامعة تأمل في تعويض تكلفة إنتاج المواد من خلال منح تصريحات لجامعات أخرى باستخدام تلك المواد. ويعد العامل الاقتصادي من العوائق التي تحول دون انتشار برنامج إتاحة المواد التعليمية. ويقول فريد مولدر، أستاذ برنامج إتاحة الموارد في جامعة هولندا المفتوحة: «يتسم نموذج العمل الخاص بنا بالمرونة». وأوضح أنه مع زيادة المواد المتاحة مجانا على شبكة الإنترنت، ستحتاج الجامعات إلى البحث عن مواد بديلة من أجل الحصول على عائدات. وأضاف: «إذا بالغت في إتاحة المواد التعليمية، لن تستطيع الصمود في المجال».

ربما يبدو تشكك مولدر في الاتجاه نحو إتاحة المحتوى على الإنترنت مفاجئا، بالنظر إلى عملها كعميدة للجامعة الهولندية المفتوحة، التي تشبه نظيرتها البريطانية في كونها رائدة في مضمار التعليم.

وقالت: «معدلات إكمال الطلبة للدورات التعليمية المتاحة على الإنترنت متدنية للغاية. إذا كان البرنامج الدراسي مرنا أكثر مما ينبغي، لن يلتزم الطلبة بإكماله».

وحذرت مولدر من النظر إلى إتاحة المواد التعليمية على الإنترنت كحل لجميع المشكلات. وأضافت: «إن هذا ليس نظاما تعليميا، بل مجرد محتوى يصبح تعلما عندما تكون طريقة التدريس جيدة». مع ذلك اتفق كل المتحدثين في مؤتمر دلفت على أن تذليل كافة العقبات التي يواجهها برنامج إتاحة المواد التعليمية على الإنترنت يساهم في إحداث تحول كبير في طريقة انتشار المعرفة.

وقال غريتجي فان دين بيرغ، رئيس اللجنة الوطنية الهولندية لليونسكو: «إتاحة المواد التعليمية أمر ضروري بالنسبة للدول الغنية، لكنه أكثر أهمية لباقي دول العالم». وأقرّت أنكا، في مقابلة بعد الكلمة التي ألقتها، بأن الاتجاه إلى إتاحة المواد التعليمية يمكن أن يهدد الجامعات غير المرموقة.

وأوضحت قائلة: «إذا فرضت مصروفات مرتفعة، ولم تقدم تعليما جيدا، سيلجأ الطلبة إلى الإنترنت ويبحثون عن مؤسسة أفضل برسوم أقل. لم تكتشف الجامعات بعد كيفية جعل الناس تدفع مقابل مادي دون أن يلتحقوا رسميا بها، لكنني لست خائفة». وعلى عكس معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، ليس لدى جامعة دلفت المال الكافي لإتاحة مجموعة كبيرة من المواد التعليمية من منهجها على الإنترنت. وتقول مولدر: «لقد ركزنا فقط على بعض مواد الماجستير، وتبنت جامعة باندونغ في ماليزيا إحداها، وهي إدارة المياه والتي تمثل قوة تاريخية في دولة يعيش 21 في المائة من سكانها تحت مستوى البحر». وفي الوقت الذي يتم فيه تمويل البرنامج من خلال منحة مقدمة من الحكومة الهولندية، لا ترى مولدر ضرورة السير في اتجاه واحد، حيث تقول: «لم لا نحصل على دورات تعليمية جيدة من مصدر آخر؟ نحن جامعة تقليدية» مشيرة إلى استمرار رغبة الجامعة في الالتزام بطرق التعليم التقليدية. مع ذلك تفرض المنافسة العالمية ضغوطها وتكافئ الإبداع والابتكار. وقالت: «يأتي ثلث طلبة الماجستير لدينا و60 في المائة من طلبة الدكتوراه من الخارج، لذا نريد أن ننضم إلى الرواد الآخرين على القمة».

* خدمة «نيويورك تايمز»