حرب الحميات الغذائية تشتعل في فرنسا

شكوى من نقابة الأطباء ضد الدكتور دوكان صاحب «ريجيم البروتينات»

المرشح هولاند قبل الحمية ..وبعد الحمية ود. بيير دوكان الذي جمع الملايين من حقوق المؤلف ود. كوهين الذي برأته المحكمة من تهمة التشهير بزميله
TT

هل ينقلب سحر الرشاقة على ساحره طبيب التخسيس الفرنسي بيير دوكان؟ بينما يقوم الطبيب ذو الشهرة العالمية بجولة في الولايات المتحدة للترويج لآخر كتبه حول حميته الغذائية المثيرة للجدل، تقدمت جهتان صحيتان في فرنسا بشكويين ضده لمنعه من الإدلاء بآراء ومقترحات تخرج عن نطاق مهنته كطبيب أدى قسما خاصا.

الشكوى الأولى جاءت من فرع باريس لنقابة الأطباء، حيث رأى مجلسها المحلي أن دوكان قد خالف المادة 13 من قانون النزاهة الطبي الذي ينص على ضرورة «أن يراعي الطبيب تأثيرات كلامه على عموم الناس». ومن الواضح أن أعضاء مجلس النقابة لم يهضموا الفكرة المثيرة التي كان دوكان قد اقترحها في كتاب صدر له مطلع العام الجاري بعنوان «رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية المقبل». ودعا الطبيب الذي باعت كتبه ملايين النسخ في العام الماضي، الرئيس إلى استحداث معيار للنجاح في امتحان «البكالوريا» يقوم على منح الطلاب من ذوي الأوزان المثالية علامات مجانية تضاف إلى المعدل العام لتشجيع الشباب على تفادي البدانة.

وجاء في تفاصيل المقترح أن يتلقى الطلاب والطالبات المتقدمون لامتحان الثانوية العامة دروسا حول التغذية الصحية، ويضاف إليها دعوتهم للوقوف على الميزان، عدة مرات في السنتين السابقتين للامتحان، لقياس أوزانهم، وهو ما كان الرئيس العراقي السابق صدام حسين يفعله مع وزرائه وكبار الموظفين في مؤسسات الدولة. وسرعان ما رد المسؤولون في وزارة التربية الذين استنكروا الفكرة وقالوا إنها تقوم على التمييز بين الطلاب بسبب أوزانهم، لا بفضل معلوماتهم واجتهادهم.

وجاءت الشكوى الثانية ضد بيير دوكان، صاحب الحمية التي تقوم على تناول اللحوم والبروتينات والامتناع عن السكريات والنشويات، من المجلس القومي للنقابة، حيث اعتبر أن الطبيب خالف المادة 19 من القانون الملزم للأطباء حيث تنص على أن الطبيب لا يمكن أن يزاول مهنته مثل تاجر. ويرى المجلس أن دوكان مشغول بالـ«بيزنس» أكثر من الطب، خصوصا بعد أن بيعت 20 مليون نسخة من كتبه حول العالم، وجمع 30 ألف مشترك بموقعه الإلكتروني، وأطلق 50 مادة غذائية في الأسواق والصيدليات تحمل اسمه. وبهذا فإن الشكويين لا تتعرضان لتفاصيل الحمية التي يطبقها دوكان على مرضاه أو مراجعيه، بل على درجة التزامه بالأخلاقيات المفترضة في من يحمل لقب «طبيب». وفي هذه الحالة فإن العقوبة لن تتعدى التنبيه أو التوبيخ ولن تصل إلى حد تعليق العضوية في النقابة أو الحرمان من ممارسة الطب. وتوضح إيزابيل لوكا بالوك، محامية دوكان، أن شكوى النقابة ضده هي مجرد استدعاء ولا تعني إدانة، وأساس الشكوى احتجاج تقدمت به إحدى خبيرات التغذية ضد حملة ترويجية تعد مشتركي موقع الطبيب بإعادة ثمن الاشتراك إليهم في حال نجحوا في تخفيف أوزانهم. وتضيف أن النقابة تنتظر الاستماع إلى رأي موكلها عند حضوره أمام مجلسها.

أثارت فكرة زج أوزان الطلاب في امتحان «البكالوريا» سخرية وسائل الإعلام والوسط الطبي، لكن معظم الانتقادات جاءت من منافسين للدكتور دوكان أو حاسدين للثروة التي جمعها منذ أن أطلق حميته الخاصة التي أتبعها بسلسلة من الكتب والوصفات الغذائية المترافقة معها. ثم جاء الصعود اللافت للمرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند بين المتنافسين على الرئاسة في فرنسا ليعزز من الرواج الذي تلقاه حمية البروتينات. لقد تمكن هولاند من تحسين صورته بعد أن خفف ما يقارب 20 كيلوغراما من وزنه. وعندما سئل عن السر أجاب «إنها حمية دوكان». لكن الطبيب الذي صار ضيفا دائما على برامج الحوار في التلفزيون اعترف بأنه لم يعالج هولاند، بل إن هذا الأخير اتبع حميته من خلال الكتب. وأضاف: «لقد التقيته في إحدى المناسبات بينما كنت أوقع كتابي الجديد، وقال لي مازحا إنه يطالب بنسبة من أرباحي نظرا للدعاية التي وفرتها لي رشاقته الظاهرة».

أول وأكبر أعداء دوكان هو طبيب من زملائه متخصص في التغذية، أيضا، يدعى جان ميشيل كوهين، وكان هذا الأخير هو النجم المفضل لوسائل الإعلام فيما يتعلق بمشكلات البدانة وطرق علاجها، إلى أن ظهر دوكان وسحب البساط من تحت قدميه، وبلغ الأمر من الأخذ والرد بين الطبيبين أن الصحف راحت تتحدث عن «حرب التخسيس» الأهلية الجارية فوق الأراضي الفرنسية. ويصف كوهين عدوه في الخندق المقابل بأن دوكان «يتصور نفسه سيد العالم ولا يعرف الخطوات الجارية في مجال محاربة السمنة بين الشباب». والخطة الوطنية التي أطلقها الرئيس ساركوزي، في ربيع العام الماضي، وأوكل الإشراف على تنفيذها إلى البروفسور آرنو بادوفان، رئيس قسم علاج البدانة في مستشفى «لابيتييه سالبتريير» وفي «أوتيل ديو». وأضاف أن دوكان يتجاهل جهود وزيرة الدولة لشؤون الصحة نورا بيرا لافتتاح 37 مركزا لاستقبال البدناء وتوجيههم إلى العلاج الصحيح. كما صدرت تعليمات بتحسين الطعام المقدم في المدارس، بحيث يحافظ على التوازن الغذائي ويسمح بتجنب السمنة التدريجية لدى الأطفال.

بدأ كوهين الهجوم الأول في الحرب قبل سنتين، عندما قال في مقابلة مع مجلة طبية إن حمية دوكان تسبب زيادة كبيرة في معدلات الكولسترول، مع تعريض من يتبعها لمخاطر أمراض القلب والشرايين، ولسرطان الثدي للنساء. كما راهن كوهين على أن معظم من يخففون أوزانهم عن طريق حمية البروتينات يسترجعونها وأكثر حال ضيقهم بالحمية وتوقفهم عنها. ورد دوكان، وبراءة الأطفال في عينيه، بمقابلة مضادة أوضح فيها أن حميته لا تنفي تناول الخضراوات التي هي من المصادر الأكيدة للفيتامينات، مؤكدا أن مستوى الكولسترول لدى «أتباعه» تراجع بعد بدء الحمية. ثم استمر التلاسن بين الزميلين الطبيبين على طريقة الباعة في أسواق الأرصفة، دون أن يؤثر الخلاف على ما يجنيه كل منهما من أموال بفضل الوعود المقدمة للمبتلين بالسمنة. وفي النهاية، أقام دوكان دعوى قضائية ضد كوهين أمام محكمة الجزاء في باريس بتهمة القدح والتشهير، لكنه خسرها الأسبوع الماضي، حيث لم يعثر القاضي على عبارات تشكل ذما حقيقيا في شخص المدعي، واعتبر أن ما جاء من تصريحات على لسان كوهين إنما يدخل في باب حرية الرأي، وطبعا انتشى هذا الأخير بالحكم وأعلن «أنها الخسارة الكاملة للسيد بيير دوكان».

أصدر دوكان بيانا، بعد خسارته الدعوى، قال فيه إن خصمه لم يحترم الصداقة ولا الأخلاق الطبية التي تمنع الطبيب من أن يصرح علنا بأقوال ضد زميل له. وأشار البيان إلى «الغيرة» التي تحرك خصمه، لا سيما بعد الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «سوفريس» وجاء فيه أن 30 في المائة من الفرنسيين يعتبرون حميته أكثر فعالية من حمية كوهين التي لم يصوت لها سوى 4 في المائة. وختم دوكان بيانه بأن حكم القضاء يبقى ثانويا، وأن المهم هو المرضى الذين يتبعون حميته و«الملايين الذين يضعون ثقتهم في».