ملابس ذكية لإنقاذ حياة الصيادين في البحار

ضمن مشروع أوروبي بعنوان «السلامة في البحار»

أنظمة وأجهزة الاتصالات اللاسلكية البحرية المستخدمة حاليا لرصد ودعم ومساعدة وإنقاذ السفن الكبيرة وقوارب الصيد الصغيرة في عرض البحر سوف يتم تطويرها ودمجها في الملابس الجديدة الذكية للصيادين
TT

رغم كثرة القوانين والقواعد البحرية والأجهزة الحديثة لسلامة الأرواح في البحار، التي وضعت من قبل المنظمات الدولية المهتمة بالسلامة البحرية، فإن الخسائر البشرية لم تتوقف. لهذا، يحاول حاليا العلماء والباحثون في الكثير من دول العالم المتقدمة، وضمن مشاريع بحثية ضخمة، البحث عن تقنيات وأساليب أخرى مبتكرة بسيطة وذكية، يمكن استخدامها لتعزيز إجراءات ومعدات النجاة وسلامة وحماية الأرواح في البحار، وبخاصة للصيادين وأصحاب القوارب وهواة الرياضات المائية.

ونتيجة للتقدم المتزايد في بحوث تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وإمكانية دمجها في الصناعات والمنتجات المسوقة تجاريا، التي من بينها صناعة المنسوجات والملابس، بدأت الكثير من الشركات الصناعية ومراكز البحوث العلمية، بالعمل معا لإدارة مشاريع جديدة للبحث والتطوير، للبحث عن منتجات صناعية جديدة، يمكن أن تسهم في إيجاد حلول لمشكلات محددة.

ومن بين المشاريع الحالية الواعدة، لتصميم ملابس واقية متطورة لزيادة السلامة للصيادين، مشروع أوروبي بحثي مشترك، بعنوان «السلامة في البحار» (Project Safe @ Sea)، وموقعه الإلكتروني: (www.safeatsea - project.eu)، وتبلغ قيمته 4 ملايين يورو، ومن المتوقع أن ينتهي بنهاية العام الحالي 2012، حيث يقوم من خلاله مجموعة من العلماء والباحثين الأوروبيين، ضمن 8 مجموعات بحثية، وبالتعاون مع شركات صناعية أوروبية كبرى ذات مستوى عال من المعرفة والخبرة في الابتكار والتطوير في الملابس والأنسجة والإلكترونيات، بالعمل معا على تطوير جيل جديد ذكي من ملابس الصيادين، مزودة بأجهزة إلكترونية ولاسلكية متقدمة، للعمل على سلامة وإنقاذ أرواح العاملين في البحار. الهدف الاستراتيجي لهذا المشروع، هو الحد من خطر الإصابة في أنظمة العمل المعقدة في أعالي البحار، التي من بينها مهنة الصيد، وذلك من خلال تطوير أجيال جديدة متقدمة من ملابس الحماية الشخصية، التي من شأنها أن تؤدي لزيادة كبيرة في مجال السلامة والآمان في العمل في البحار، ومن دون تقليل للأداء.

المفهوم الكامن وراء مشروع السلامة في البحار، هو زيادة السلامة، وإيجاد حلول للمتطلبات المتناقضة من الراحة والسلامة والأداء الوظيفي، وذلك من خلال الدمج المتكامل بين المواد المستخدمة في تصنيع ملابس الصيادين، ونظم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لتطوير ملابس جديدة خاصة عالية الأداء، يمكنها تنفيذ حلول محسنة، مثل مقاومة وإصلاح الثقوب والتمزقات التي يمكن أن تحدث في أنسجة هذه الملابس، وكذلك حماية الأيدي والرأس، والحماية الحرارية، والإنذار السريع في حالات الطوارئ، وحماية صديري الغطس (Buoyancy) الذي يحمل أنبوبة الهواء المضغوط ويعمل عند انتفاخه بالهواء كطوق نجاة من الغرق، الأمر الذي يؤدي في النهاية لتعزيز إجراءات العمل وفرص النجاة والحماية من الغرق للصيادين والعاملين في البحار.

ويضم مشروع «السلامة في البحار»، 14 شركة صناعية ومعهدا بحثيا، من كل من النرويج والدنمارك وفنلندا والسويد وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، وتعمل مجموعة البحث النرويجية (SINTEF)، التي تضم 8 مجموعات بحثية، كمنسق لهذا المشروع، وتقوم شركة «هيلي هانسن» النرويجية لصناعة الملابس بإدارة هذا المشروع.

ومجموعة «SINTEF» البحثية، وموقعها الإلكتروني «www.sintef.no»، هي اختصار من العبارة النرويجية «Stiftelsen for industriell og teknisk forskning»، وتعني مؤسسة البحوث العلمية والصناعية، وتعد أكبر مؤسسة أبحاث مستقلة غير تجارية في الدول الإسكندنافية (النرويج والدنمارك والسويد)، وقد تم تأسيسها عام 1950، في مدينة تروندهايم بالنرويج. وتقوم المؤسسة بخلق قيمة للأبحاث والأفكار من خلال توظيفها في تطوير حلول تكنولوجية تستخدم في التطبيقات العملية، ويتم استثمار أرباح المشاريع البحثية لهذه المؤسسة، في أبحاث جديدة وأجهزة ومعدات علمية، وكذلك في تدريب وتنمية الكفاءات.

تقول الباحثة هيلدي فايرفيك، المتخصصة في علم الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء)، من قسم بحوث الصحة في مجموعة (SINTEF) البحثية، والمنسقة لهذا المشروع، التي تقود فريقا متعدد التخصصات يضم اثنين من المصممين الصناعيين، ومهندسا متخصصا في الفيزياء الحيوية وعالما في علوم المواد: «نعتزم من خلال هذا المشروع، أن نجعل حياة الصيادين اليومية أكثر راحة وأمانا، وذلك من خلال دمج التكنولوجيا الحديثة في الملابس التي يرتدونها في العمل، وتحويلها إلى ملابس ذكية»، وأضافت: «نقوم برسم خريطة لاحتياجات ورغبات الصيادين الأوروبيين بشأن الملابس والعمل، ونقوم بإجراء اختبارات فسيولوجية مريحة، في المختبرات ومجال العمل، لتساعدنا على التأكد من أن الملابس الجديدة التي سيتم تطويرها، سيكون لها الوظيفة والراحة التي من شأنها تلبية مطالبهم».

وبالإضافة إلى دمج الإلكترونيات المنقذة للحياة والعاملة بكفاءة في الملابس الجديدة المزمع تصميمها، يأمل العلماء في تطوير طريقة بسيطة للمعالجة السطحية لهذه الملابس، من شأنها أن تقوم بغسلها من الدم والأحشاء الداخلية للأسماك، التي تقع عليها أثناء عمليات الصيد.

وتقول فايرفيك، إنه «في الوقت نفسه، تحتاج منسوجات الملابس الجديدة لأن تكون لينة وتسمح بالتهوية الجيدة، ولكن إذا كانت جوانب التكنولوجيا العالية المزمع دمجها، ستؤثر على هذه الخصائص، فسوف نقلل من طموحاتنا التكنولوجية، لأنه إذا كانت هذه الملابس الجديدة غير مريحة للارتداء، فلن يتم استخدامها».

كما أن أنظمة وأجهزة الاتصالات اللاسلكية البحرية، المعروفة باسم (Wireless Man Overboard Systems/MOB systems)، المستخدمة حاليا لرصد ودعم ومساعدة وإنقاذ السفن الكبيرة وقوارب الصيد الصغيرة في عرض البحر، التي تطلق إنذارات عند الكشف عن غرقها أو جنوحها، لإرسال خدمات الإنقاذ في الوقت المناسب، سوف يتم تطويرها ودمجها في الملابس الجديدة الذكية للصيادين، بحيث تكون معهم باستمرار في أثناء العمل والصيد في أعالي البحار، كما سيتم دمج كل من النظم التقليدية لتحديد المواقع، مثل نظام تحديد المواقع العالمي عبر الأقمار الصناعية «جي بي إس» (Global Positioning System/GPS).

وأيضا، تقول فايرفيك، إن «الملابس الجديدة الذكية للصيادين، سيتم دمجها بنظم للتعويم، بحيث يمكنها أن تنتفخ تلقائيا، إذا ما تعرض مستخدموها للغرق، وهناك آمال أيضا في إمكانية تطوير أنسجة هذه الملابس، بحيث يمكنها أن تصلح وترمم نفسها ذاتيا، عندما تتمزق أو يحدث بها ثقوب، وذلك لضمان بقاء طبقتها السطحية سليمة مضادة للمياه، لتوفير أعلى درجات السلامة لمرتديها من الصيادين أثناء أداء أعمالهم في البحار».