المتحف الوطني بالرياض.. العرض العصري للتاريخ

أكثر من 100 ألف زاروه العام الماضي

يضم المتحف مقتنيات أثرية وقطعا حجرية تعود إلى منطقة الربع الخالي، وإلى تاريخ يمتد بين 7000 إلى 9000 سنة قبل الميلاد («الشرق الأوسط»)
TT

رحلة عودة إلى القرون الأولى، وعشرات المقتنيات الأثرية والأسوار الحجرية القديمة، مئات النقوش يعود البعض منها إلى 2500 عام، مثل ذلك وأبهر يجده الزائرون للمتحف الوطني بمدينة الرياض.

يقع المتحف الوطني في الجانب الشرقي من مركز الملك عبد العزيز التاريخي بحي المربع بمدينة الرياض، وتبلغ المساحة الإجمالية للمتحف الوطني 28000 متر مربع، ويشتمل على معروضات متنوعة وقطع أثرية ووثائق ومخطوطات ولوحات للعرض، بالإضافة إلى الأفلام الوثائقية والعلمية.

يضم المتحف مقتنيات أثرية وقطعا حجرية تعود إلى منطقة الربع الخالي، وإلى تاريخ يمتد بين 7000 إلى 9000 سنة قبل الميلاد، ونقودا قديمة تعود إلى العصر العباسي والعهد العثماني، وقدورا وأواني تعود إلى العصر الإسلامي مصنوعة من الفخار مزخرفة ومنقوشة بأشكال هندسية تبرز براعة الإنسان في ذلك العهد.

تمثل قاعات العرض الثماني المقسمة في المتحف بحسب المواضيع، تطور شبه الجزيرة العربية.

وبحسب القائمين عليه، يبلغ عدد القطع المعروضة في المتحف حاليا 3700 قطعة أثرية وتراثية، بينما يبلغ عدد القطع المحفوظة بالمستودعات 50 ألف قطعة، ويبلغ إجمالي خزائن العرض 221 خزانة.

ويتميز المتحف الوطني باتباعه منهجا خاصا في معالجة وتفسير التاريخ البشري، وبالتخصص المحدد لجميع قاعاته، كما يتميز بعدد كبير من المعروضات، وبطريقة عرض مميزة ومشوقة، وتعتبر الجزيرة العربية هي المحور الأساسي لمعروضات المتحف.

وتعتزم إدارة المتحف القيام بخطة تطويرية متكاملة له، تشمل تطوير العروض واستبدال بعض القطع، وإضافة عدد من التقنيات السمعية والبصرية، وتخصيص أجهزة ومواقع خاصة للمعاقين.

ويشهد المتحف الوطني بمركز الملك عبد العزيز التاريخي في الرياض إقبالا من الجمهور من سكان العاصمة وزوارها؛ للتجول في صالات العرض والاطلاع على معروضاتها، فقد استقبل خلال العام الماضي، بحسب الهيئة العامة للسياحة والآثار، 101.431 زائرا، بزيادة 9921 زائرا عن العام الذي قبله، والذي بلغ عدد الزوار فيه 91510 زوار.

وزار المتحف الوطني خلال شهر محرم الماضي 11544 زائرا بزيادة 4322 عن الفترة نفسها من العام الماضي، يمثل الطلاب والطالبات العدد الأكبر منهم بعدد 9146 زائرا، وجاء الأفراد والعائلات في المرتبة الثانية بـ1996 زائرا، ثم الزيارات الرسمية بواقع 402 زائر، كما تم تنفيذ 6 فصول متحفية خلال الشهر نفسه بالتعاون مع عدد من المدارس الحكومية. «الشرق الأوسط» تجولت في المعرض ومقتنياته بداية من قاعة الكون، وهي أولى قاعات المتحف الوطني، وتقدم كمًّا قيما من المعلومات حول التغيرات في كوكب الأرض، ومدى تأثيرها في حياة الإنسان، وطبيعة الكواكب ومادتها، إضافة إلى حركة القارات والزحف القاري. ويوجد في هذا الموقع من القاعة نموذج لسلسلة جبال طويق، وأيضا معروضات لبعض أنواع المعادن الفلزية واللافلزية، والأحجار ذات القيمة الاقتصادية التي تُعرّف بالثروة المعدنية في المملكة، ونماذج لعينات لبعض أنواع النفط الخام تبين مصادر النفط، وتحوي عينات لحيوانات منقرضة مختلفة الأحجام استوطنت الجزيرة العربية قديما، حيث يوجد نموذج مجسم لفيلة الماستادون ذات الشعر الكثيف التي كانت تجوب شبه الجزيرة العربية قبل نحو 12 إلى 17 مليون سنة، والتقنيات البدائية لإنسان ما قبل التاريخ.

وتأخذ القاعة أشكالا مختلفة تضع الزائر في لقاء مباشر مع إنسان ما قبل التاريخ وبيئته الطبيعية، والتقنيات البدائية التي كان يستخدمها، كصناعة الأدوات، واستخدام النار. كما تضم القاعة عرضا لمجموعة من المواد الفخارية التي تعود لواحدة من أقدم حضارات ما قبل التاريخ، هي حضارة العبيد التي تؤرخ بسبعة آلاف سنة قبل الميلاد، والتي انتشرت في شرق الجزيرة العربية وجنوب بلاد ما بين النهرين، وبقية بلدان الشرق الأدنى القديم.

وتمثل قاعة الممالك العربية، وهي القاعة الثانية في المتحف الوطني، الفترة التاريخية الممتدة من الألف الرابع قبل الميلاد إلى نهاية القرن الرابع الميلادي؛ لتشمل فترة فجر التاريخ إلى تكون الممالك العربية، وتلقي الضوء على النشاط التجاري في الجزيرة العربية عبر العصور التاريخية المختلفة السابقة على ظهور الإسلام.

أول ما يشاهده الزائر في هذه القاعة نموذج كبير لسور تيماء، بُني في هذا الموقع بحجارته الطبيعية التي نقلت من السور نفسه، وتعلوه شاشة ضخمة تعرض بعض الآثار والمواقع لكل مملكة من الممالك القديمة بالجزيرة العربية.

وشمل العرض في هذا الموقع المتقدم من القاعة نشأة الكتابة حتى بداية ظهور الكتابة العربية المبكرة بحلول عام 1000 قبل الميلاد، وقد استخدمت وسيلتان لبيان ذلك، أولاهما حاسوب يعرض برنامجا يشرح أصول نشأة الكتابة، والأخرى مجسمات لبعض الألواح القديمة التي تحمل كتابات ورموزا تصويرية متعددة، وكلاهما موجودان في الاتجاه المقابل لسور تيماء.

كما عرضت القاعة نماذج من الخطوط مثل: الثمودي، واللحياني، والصفوي، والداداني، والآرامي، والنبطي والإسلامي المبكر. يليها مباشرة مجسم للمقابر الركامية ذات الشكل نصف الدائري، مع عرض لبعض الأدوات التي تم الكشف عنها داخل هذه المقابر. وبحلول عام 1000 قبل الميلاد بدأ ظهور العرب على مسرح الأحداث العالمية، ويتبين ذلك من خلال لوحة تصويرية آشورية تعتبر من ضمن أجزاء القاعة، تجسد موقعة حربية بين العرب والآشوريين كأول ذكر ورد للعرب، وتسمى معركة قرقر التي وقعت سنة 853 قبل الميلاد.

وتعرض القاعة معروضات أخرى من مدن الممالك العربية الوسيطة التي نمت وازدهرت بين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد، والتي اعتمد أهلها على الزراعة، وعلى ما كانت تتيحه لهم تجارة القوافل من فرص للكسب، مثل مدن: تيماء، ودومة الجندل، ودادان، ونجران بوابة الجنوب، ومعروضات لبعض الأدوات والمقتنيات من مدينة القوافل الفاو (حاضرة مملكة كندة الأولى)، كما يوجد مجسم لواقع البيت في مدينة (الفاو). وهناك مجسم لإحدى الواجهات الصخرية في مدائن صالح، وقد ضم هذا الجزء من القاعة بعض المعروضات التي عثر عليها في مدائن صالح، وبعض المقتنيات التي تمثل حضارة الأنباط.

يوجد قرب ذلك بعض المقتنيات والمعروضات مثل: مجسم لرأس ومخلب أسد من البرونز يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وقد عثر عليه في منطقة نجران.

ولعل من أهم آثار الجزيرة العربية المكتشفة من تلك الفترة ما يعود إلى حضارة ثاج القديمة (القرن الرابع قبل الميلاد) ذات الثقافات المتعددة التي تتميز بأنها سكّت بعض أقدم النقود التي تم تداولها في شبه الجزيرة العربية، كما جاء من الموقع كنز ثاج الذهبي المسمى كنز الأميرة المجهولة.

قاعة العصر الجاهلي، وهي القاعة الثالثة في المتحف، تمثل الفترة من سنة 400 ميلادية إلى البعثة النبوية، أي سنة 622 م، وتشمل معروضات تبين وضع القبائل العربية في العصر الجاهلي، والعقائد التي كانت سائدة آنذاك، وأنماط الحياة اليومية، والعادات، والتقاليد، وأسواق العرب، وتطور الخط العربي.

وتحتوي القاعة على بعض المعروضات الأخرى، واللوحات المكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية التي تتوقف عند أهمية بعض المدن الرئيسة في العصر الجاهلي، التي كان لها دور فعال على الصعيدين الحضاري والاقتصادي، ومن أبرزها مكة المكرمة ودومة الجندل.

كما يوجد في هذه القاعة موقع يتضمن مجسمات لأسواق الشعر العربي في العصر الجاهلي التي لم تقتصر على النشاط التجاري فحسب، وإنما كانت بمنزلة ملتقى لأهل المدينة والتجار الزائرين، يناقشون فيها أحوالهم السياسية والاقتصادية، ويتناشدون الشعر، ومن أشهر الأسواق التي عرفت عند العرب في الجاهلية: سوق عكاظ في الطائف، وذو المجازة حول مكة، ودومة الجندل، ونجران، وحباشة، والمشقر في هجر.

أما القاعة الرابعة فتمثل الفترة من بزوغ الإسلام إلى بدء انتشاره، وتعرض حياة النبي (صلى الله عليه وسلم)، ونزول الوحي، والغزوات، والقرآن الكريم. وتتضمن معروضات دُوِّن عليها باللغتين العربية والإنجليزية شيء من نسب الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ونشأته، ورحلته إلى الشام، وزواجه، وحياته بعد النبوة، وهجرته إلى المدينة المنورة. يوجد بعد الخروج من قاعة البعثة النبوية مباشرة ممر طويل يبدأ ضيقا ثم يتسع، ووضعت على يمينه لوحة تعبيرية جدارية ضخمة مصنوعة من السيراميك، مستطيلة الشكل، تعرض رحلة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة بالرسم والصوت والعبارات المكتوبة.

وتختص قاعة صدر الإسلام بالفترة التي تبدأ مع وصول الرسول (صلى الله عليه وسلم) مهاجرا إلى المدينة، وتنتهي مع بداية العصر الأموي. وتوجد غرفة صغيرة لعرض فيلم يبين أحداث بعض غزوات الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومنها غزوات بدر وأحد والخندق.

وتتضمن معروضات عن عصر الخلافة الأموية الذي ينتهي مع بداية العصر العباسي. ومعروضات لبعض الصناعات التي برع فيها المسلمون مثل صناعة الخزف، وأدوات الطب والفلك.

وفي الغرفة الثانية يعرض فيلم يتحدث عن العلوم العربية وانتشارها وتفوقها على غيرها في ذلك العصر، وأنماطا من فن الخط الإسلامي، دونت على أحجار شاهدية ذات أحجام مختلفة، ولمواقع مهمة من العصور الإسلامي.

القسم الخامس غني بمعروضاته عن الدولة العباسية إلى فترة ظهور الدويلات المختلفة، وحتى العصر المملوكي، ومن أبرزها المسكوكات، والقطع الفخارية والزجاجية، والمشغولات الخشبية والمعدنية، وخصص القسم السادس والأخير في هذه الفترة لمعروضات الفترة العثمانية، إضافة إلى مجسم لأكبر قلعة عثمانية على طريق الحج المصري.

القاعة السادسة ركزت على الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، ومثل العرض فيها فترة الدولة السعودية الأولى منذ تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود الذي حكم بين عامي 1726 و1765 م، واللقاء التاريخي الذي تم بينه وبين الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرعية 1744م، حيث تعاهدا خلاله على الدعوة إلى العودة إلى مصادر الإسلام الأصلية، ومحاربة البدع والخرافات والشركيات التي انتشرت في تلك الفترة، مرورا بفترة حكم الأئمة الذين خلفوا الإمام محمد بن سعود في الحكم.

ويتناول القسم الثاني فترة الدولة السعودية الثانية التي قامت على يد الإمام تركي بن عبد الله الذي اختار الرياض عاصمة لحكمه، ثم وحد نجد والأحساء من جديد، وأعاد فرض السلطة المركزية وحكَّم الشريعة، وظل في الحكم إلى أن اغتيل، ثم فترة حكم الإمام فيصل بن تركي الذي خلف والده، واستتباب الأمن والاستقرار حتى وفاته، وأخيرا يعرض انتهاء فترة الدولة السعودية الثانية بخروج الإمام عبد الرحمن بن فيصل من الرياض عام 1891م.

قاعة توحيد المملكة تمثل فترة نشوء الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز عام 1319هـ، وتشتمل على مجموعة من المعروضات المتنوعة التي تنتمي إلى الدولة السعودية الثالثة، إضافة إلى وجود قاعة عرض للأفلام الوثائقية تتحدث عن الملك عبد العزيز، وإنجازاته، والجهود التي بذلها في توحيد المملكة، منذ فتح الرياض إلى الإعلان عن قيام المملكة العربية السعودية عام 1932م.

قاعة الحج والحرمين تقع في الدور الأرضي، توضح الحج والمناسك، والآثار المتعلقة بهما، ودور الدول الإسلامية المتعاقبة في الحفاظ عليها، وطرق الحج التاريخية، وتطور مدينتي مكة والمدينة، ودور الدولة السعودية في خدمة الحجيج والمناسك.

ففي الجناح الأول يعرض مجسم أفقي كبير لمكة المكرمة والمسعى والمشاعر، ويقع خلف المجسم على الجدار صورة فضائية تبين موقع مكة المكرمة في الجزيرة العربية. وتوجد عينة من ستارة الكعبة معلقة على الجدار، وهي مطرزة بخيوط الحرير والفضة، ويوجد قرب ذلك باب الكعبة المشرفة من عهد السلطان مراد الرابع، وهو من الذهب والنحاس الخالصين.

فيما عرضت في جناح آخر بعض النماذج لطرق الحج القديمة، من خلال مجسمات وشواهد حضارية لبعض علامات الطرق، ومواد أثرية خلفها الحجاج، وخرائط توضح أهم المحطات على طرق الحج القديمة، كطريق الحج المصري والشامي واليمني حتى مكة المكرمة.

يتحدث الجناح الثالث عن تاريخ الكعبة المشرفة والحرم المكي والتوسعة الثانية في عهد الملك فهد، ويعرض في الجناح الرابع من القاعة مدينة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ويتوسط الجناح مجسم للحرم بالمدينة المنورة بعد التوسعة في عهد الملك فهد، مع عرض نماذج تجسد أدوات الكتابة التي كانت تستخدم في تعليم الكتابة والقراءة.

ويتزايد عدد زوار المتحف عاما بعد آخر بعد أن قامت الهيئة العامة للسياحة والآثار بزيادة التعريف به وبمحتوياته، وتنظيم عدد من الأنشطة والفعاليات المقامة فيه. وتشهد قاعاته معارض دائمة، مما جعله المكان المفضل لزيارة سكان العاصمة وضيوفها.

كما يقبل طلاب المدارس على زيارته واستخدام المرسم المجهز بأحدث الوسائل لرسم ما شاهدوه في المتحف.

وقد استضاف المتحف خلال السنوات الماضية أكثر من تسعين معرضا، منها 31 معرضا دوليا، وكان من أهمها: معرض روائع من مجموعة الآثار الإسلامية من متحف اللوفر، والمعرض الدولي للسياحة والحرف اليدوية، وكذلك معرض صور الملك سعود بن عبد العزيز، ومعرض الملك فيصل - شاهد وشهيد.