«إدجوير رود» اللندني: بين الماضي والحاضر

معرض يرصد من خلال الأعمال الفنية مختلف المحلات والثقافات الموجودة في الشارع

من أعمال الفنان العراقي من أصل كردي هيوا كي
TT

يعتبر شارع «إدجوير رود» الرئيسي، في وسط لندن، مركز تجمع السياح العرب، وهو عبارة عن مزيج متنوع من الثقافات المركبة والعريقة. وأول ما تلاحظه في هذا الشارع هو اللوحات التجارية المكتوبة باللغة العربية، وكذلك عددا لا حصر له من مقاهي الشيشة ومحال الشاورما، وكل متاجر البقالة الموجودة به تبيع الصحف العربية والأطعمة التي لا توجد سوى في البلدان العربية.

وفي هذا الشارع يستطيع الزائرون العرب أن يتحدثوا العربية كيفما شاءوا، كما يشهد دائما توافد المحتفلين في عيدي الفطر والأضحى. كل هذا جعل شارع «إدجوير رود» يوصف عادة بأنه صورة مصغرة من القاهرة أو بيروت.

تقول جنا غر - اهام، مديرة مشروع «في شارع إدجوير رود»، وهو معرض مكون من جزأين يتوزعان ما بين «سربنتين غاليري» بلندن والمقر الخارجي للمشروع في «مركز الدراسات المحتملة»: «هذا هو الانطباع الذي يتكون لديك، لكننا قمنا بدراسة مختلف المحال والثقافات الموجودة في الشارع، ورغم أن الثقافات الظاهرة هي الثقافة اللبنانية والمصرية والكردية التي بدأ وجودها يزداد مؤخرا، فإن طبيعة الشارع معقدة للغاية، فهناك أناس من بنغلاديش والهند وكثير من البلدان الأخرى». ويعتبر هذا المعرض بمثابة تقرير لسير العمل طوال ثلاث سنوات في مشروع يسمى «مشروع إدجوير رود»، الذي يدرس الخلفيات التاريخية والمعاصرة في هذه المنطقة، وتقوم السمة الرئيسية فيه على الجمع بين البحث الميداني والتعاون المجتمعي والنشاط الفني عبر مختلف الوسائط. ويضم هذا المعرض الفريد من نوعه أعمالا انتهت بالفعل وأعمالا قيد التنفيذ وأعمالا سيتم البدء فيها لمجموعة كبيرة من الفنانين والكتاب والمطربين من مختلف مدن العالم ممن تعاونوا مع المشروع منذ بدايته، ومن بين تلك الأعمال قصيدة للشاعر اللبناني عطيل عدنان، وفرقة البوب التي يقودها هيوا كيه، وهو فنان عراقي من أصل كردي يقيم ببرلين، وخيام مزينة ومشاهد صوتية ودراسات مصورة للفنانة المصرية سوزان حيفونة، وفيلم «تيلي ماتش السادات» للفنان المصري وائل شوقي، وهو فيلم يستعين بالأطفال لإعادة تمثيل مشهد اغتيال الرئيس المصري الراحل وآخرين سنة 1981. ويعكس تضمن هذا المعرض لأعمال مكتملة وغير مكتملة الطبيعة الاستمرارية لهذا المشروع الفني والبحثي في نفس الوقت.

وتعمل «سربنتين غاليري» في «مشروع إدجوير رود» منذ عام 2008 بالتعاون مع «تاون هاوس غاليري» بالقاهرة و«أشكال ألوان» أو «الجمعية اللبنانية للفنون البلاستيكية» ببيروت. ويحرص المشروع، من خلال الروح المجتمعية التي يستلهمها من القائمين عليه، على مشاركة كل من يعيشون ويعملون في المنطقة المحيطة وكذلك الزائرين لها. وقد كان «مشروع شارع الحمرا» في بيروت سنة 2000 مرجعا مهما في تقديم عناصر مجردة ومفاجئة صنعها فنانون في الشارع الحقيقي، الذين تصادف أن كان من بينهم أشخاص يعملون ويعيشون هناك أو حتى كانوا مارين بالمكان.

ومن بين الأبعاد الكثيرة لـ«مشروع إدجوير رود» معرفة كيف يمكن تنفيذ أعمال فنية في منطقة ما في إطار بحث ميداني، في محاولة للكشف عن الخلفيات التاريخية والعمل في مجموعات تعاونية غير هرمية. وتوضح جنا: «قررنا أن نفعل ذلك لأنه لا يوجد بالفعل أي وصف مكتوب لتاريخ المهاجرين في شارع إدجوير رود. حينما ترجع إلى الأرشيف، ستجد مواد عشوائية، ولكن لا يوجد كتاب يقول هؤلاء هم من جاءوا إلى شارع إدجوير رود خلال الأربعين سنة الماضية وهذا هو ما قدموه من مساهمات».

وتتركز سجلات التاريخ كلها على ركن المتحدثين في «ماربل أرتش» الذي يقع قريبا من شارع إدجوير رود وكذلك على قصص التاريخ الإنجليزي التقليدية المختلفة، ولكن ليس على تاريخ المهاجرين، وهو ما يبدو في غاية الأهمية بالنسبة للطبيعة الحقيقية لشارع «إدجوير رود».

وإلى جانب الأفلام والقصائد والأعمال التنصيبية التي تم الانتهاء منها، سيتم أيضا تقديم أعمال ما زالت تحت التنفيذ، وهي تقدم أساسا كدراسات أو مقترحات إلى جانب أفكار موحية تشرح الهدف الفكري منها. وتقوم لميا جوريج، فنانة تقيم ببيروت وتعمل مع عدد من الأرشيفات، بدراسة العلاقات مع مدينتها من خلال الروايات الشعبية والشخصية، وهي تأمل دراسة موضوعها الجديد عن شارع «إدجوير رود» من خلال الإطار الجديد للإحساس بالغربة. وقد أوضحت لميا في أحد اللقاءات: «قررت التعامل مع إدجوير رود بنفس طريقتي، وهي التركيز على المواد والملحوظات المتراكمة من خلال أفكار ومواقع وأسئلة عن تاريخ المكان، دون تقديم أي إجابة ولكن مع ربط العلاقة بين المكان وبعض اللحظات المعينة في التاريخ». ويعرض للميا أربعة من أفلامها السابقة التي تقدم طريقة عملها في مزج أجزاء من الذكريات والأحلام والملاحظات عن بيروت.

ويعرف مروان رشماوي، من بيروت أيضا، بدراسته للمحيط الموجود حوله من أجل عمل خرائط توضح، على سبيل المثال لا الحصر، طبقات من الواقع كما يراه مختلف الناس. وتعرض في «سربنتين غاليري» حاليا خرائط تم بوضعها بناء على تلك التي صنعت في ورش العمل التي تم تنظيمها في معسكرات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت. وبدلا من ترك تلك الخرائط تضيع سريعا، أعاد صنعها باستخدام مواد متينة مثل الإسمنت والحديد المموج، وهو يقول: «الصلة بين عملي في بيروت والعمل الذي سأقوم به هنا هي تضمين المحيط المجتمعي».

ومن بين المشاريع المنتهية التي سيتم عرضها فيلم أنتج من خلال ورشة عمل طويلة الصيف الماضي نفذها فنانون يقيمون بلندن، والفيلم يحمل عنوان «اللامكان» وهو يتألف من مشاهد لستين شخصا على الأقل يتبادلون الأسئلة والملاحظات والقصص التي تتحدث بشكل خاص عن شارع «إدجوير رود».

وهناك فيلم وثائقي حاصل على عدة جوائز للمخرجة اللبنانية رانيا ستيفن يعرض يوميا في الغاليري، وقد ولد هو الآخر من رحم الفترة التي قضتها في المشروع، ويتناول هذا الفيلم، الذي يحمل عنوان «الاختفاءات الثلاثة لسعاد حسني»، صورة النجمة المصرية وكذلك تاريخ الفيلم الشعبي المصري. وقد ذهبت رانيا إلى المكان الحقيقي الذي شهد وفاة سعاد حسني، لكي تتمكن من تقييم مدى تركيز مشروعها عن طريق الوجود في هذا الموقع المشؤوم. وقد علقت رانيا قائلة: «كنت مهمومة تماما بالمبنى الذي ماتت فيه. ذهبت كثيرا إلى هناك لتصويره. كنت أريد أن أرى كيف يبدو المكان وأصل إلى حقيقة ما عن اختفائها».

وتستمر شبكة اتصالات المشروع ومرونته في الاتساع، من خلال مفارش المائدة التي تصور مشاهد من التاريخ المحلي والموضوعة على طاولات المقاهي، وكذا المناقشات والعروض والحفلات التي تجري في المطاعم، والأعمال التنصيبية الموضوعة في الأماكن العامة مثل «معسكر التعلم» الذي أقامته سوزان حيفونة في «ركن المتحدثين» (سبق أن قامت جريدة «الشرق الأوسط» بتغطيته في صفحتها الأخيرة في أكتوبر «تشرين الأول» 2011)، وتشكيلة مختلفة من الأعمال التي تمت بالتعاون مع الفئات الاجتماعية المختلفة على طول الشارع تتناول حقوق المهاجرين وقضايا المرأة وتنمية المناطق الفقيرة إلخ.

إن المعرض المقام حاليا في «سربنتين غاليري» هو بمثابة تجربة ضمن تجربة دمج الإنتاج التدريجي للأعمال الفنية بالعمل المجتمعي والبحوث، وذلك بمحاولة وضع هذه «الدراسات» في سياق غاليري. وسوف يمتد المشروع لفترة أخرى، من يعرض فيها مزيدا من الأعمال والدراسات التي تم التخطيط لها والتعاقد عليها. وتختم جنا: «هذا المعرض سيقدم بعض الأعمال التي ما زالت قيد التنفيذ لمعرفة كيف ستبدو حين عرضها داخل غاليري، لمعرفة كيف تبدو بعض هذه الأعمال في مثل هذا النوع من الأماكن، لمعرفة ما إذا كانت مفيدة أم لا».