تونس: «فن الشارع» يغطي الجدران القاتمة بألوان زاهية

جمعية «كيف ـ كيف» تعمل على تحويلها إلى لوحات فنية

TT

من يملك الشارع يملك سلطة معنوية على كل الناس.. هكذا كان النظام السابق يتعامل مع الشارع التونسي وهكذا كان التنافس على رفع شعارات على الجدران في معظمها كانت مناوئة للسلطة الحاكمة. ولا يزال الكثير من التونسيين يتذكرون في عهد بورقيبة وفي عهد زين العابدين بن علي كيف كانت أطراف سياسية معارضة تقضي الليل في كتابة شعارات مناوئة للسلطة القائمة، وكيف كان المنتمون للحزب الحاكم يسارعون صباحا إلى محو كل أثر لعبارات المعارضة حتى لا تراها الأعين فتتفتح.

ذاك الصراع السياسي بالأساس اختفى على مضض بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني) سنة 2011، وتحولت الجدران والأعمدة وأوتاد المحولات والطرقات الكبرى والقناطر إلى فضاءات كبيرة للرسم والفنون وكل أصناف التعبير وانحسرت السياسة بالمقارنة مع بداية الثورة وفتحت المجال أمام الفنون الجميلة وأمام شبان يعولون على تجميل الشارع وإدراجه ضمن رؤية فنية متكاملة ترى الوجود جميلا وتسعى إلى رسم الجمال على الجماد الصامت وتحويله إلى رسوم ناطقة بالإمكان قراءتها بلغات عديدة.

في شوارع العاصمة التونسية انطلقت جمعية «كيف - كيف» للفن والثقافة لتحويل مجموعة كبيرة من الجدران إلى لوحات فنية بألوان زاهية تخفي الجوانب القاتمة من المدينة لتنيرها بالريشة والأقلام والألوان. وتوجهت إلى جمعية فرنسية تحمل نفس التسمية وتعاونت معها من أجل تجميل الشارع في ما يعرف بـ«ثقافة الشارع»، وأثمرت العملية مجموعة من الرسوم الجميلة جلبت انتباه الكثير من التونسيين.

عن هذه التجربة يقول الفرنسي كلود دانري رئيس جمعية «كيف - كيف» الفرنسية، إن الغاية الأساسية من وراء هذه الرسوم هي إبراز الثقافة كمعطى إنساني يجمع الكثير من الشعوب. ويضيف في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن المنخرطين في الجمعية تجاوزوا الجوانب السياسية وهم اليوم يتطلعون إلى محاصرة الأفكار المسبقة التي يختزنها الغرب عن العالم العربي والإسلامي. واعتبر أن العملية على الرغم من ضيق مجالها فهي قد كلفت الجمعية أكثر من أربعة آلاف يورو والغاية هي تسويق أشياء جميلة تبقى في ذاكرة مرتادي الأماكن العمومية وخاصة الشوارع العادية.

من ناحيته، صرح ياسر الجرادي رئيس جمعية «كيف- كيف» التونسية للفن والثقافة، لـ«الشرق الأوسط» بأن أعضاء الجمعية يرمون إلى إخراج الفنون المختلفة إلى الشارع في خطوة أساسية لما سماه «دمقرطة» الثقافة. واعتبر أن العاصمة التونسية ليست المحطة المهمة في برنامجهم بل التوجه خلال الفترة القادمة إلى المناطق الصغيرة والقرى النائية الواقعة في الوسط الغربي والجنوب الغربي التونسي، وهي المناطق التي عرفت أولى شرارات الثورة التونسية. ويؤكد ياسر أن «الجمعية تعول على الثقافة بعيدا عن السياسة من أجل إسعاد الناس وتغيير طريقة تفكيرهم ورؤيتهم للعالم عن طريق الجمال، أما بالنسبة للعاصمة فإن أعين الجمعية كما ذكر الجرادي تتجه إلى مبنى وزارة الداخلية الذي يسيطر على موقع استراتيجي في شارع الحبيب بورقيبة لتحويله إلى متحف للثورة ويجري من خلاله عرض الصور والفيديو والرسوم وربما المسرحيات وكل ما يتعلق بالثورة التونسية، وعلى الوزارة أن ترحل، على حد قوله، من وسط العاصمة لتتركه لمعان أخرى مبنية على الجمال.

وحول فاعلية هذه النوعية من الثقافة، قال ياسر إن الجدران القاتمة والكالحة لن تكون كذلك بعد تدخل الجمعية، وسكان القرى والمدن التونسية سيغنمون تجميل مدنهم وإحساسهم أن طعم الحياة قد تغير بعد الثورة، وهذا ليس مستحيلا، على حد قوله.