مهرجان الفيلم الفلسطيني الخامس عشر في لندن يستعرض 100 عام من السينما

منذ عرض أول صور متحركة سجلت في القدس مع زيارة الأخوين لوميير إلى فلسطين

مشهد من «يالا إلى القمر» لسهيل نفار («الشرق الأوسط») و«بائع الورود» لإيهاب جاد الله و«حنين» لأسامة بواردي و«آخر أيام في القدس» لتوفيق أبو وائل
TT

كتب المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد ذات مرة عن السينما الفلسطينية باعتبارها تمثيلا «للهوية الوطنية». وقد يكون هذا صحيحا، فإن الهوية عنصر أساسي في فكرة «الأمة»، لكن فكرة وجود هوية واحدة خالصة، فكرة مضللة.

لا تتمثل قوة السينما الفلسطينية في تقديمها لخطاب شامل وموحد، بل لعدة خطابات تكشف عن تعددية وأفكار متنوعة ومئات القصص الإنسانية وجوانب متعددة من تاريخ لم يسرد بعد لهذا اليوم، والتي تتناول الجوانب المختلفة الكثيرة التي يعيشها الفلسطينيون أو يؤمنون بها أينما يكونون في مختلف صقاع الأرض. وتكمن قوة السينما الفلسطينية، كما قال سعيد، في أنها تقدم خطابا بديلا لكنه إنساني، منافيا لتوقعات الأفراد بأنه يشكل «تجرة» شخصية.

ويقام مهرجان الفيلم الفلسطيني التابع لمؤسسة الفيلم الفلسطيني في لندن سنويا منذ عام 1998، ويعرض أفلاما ويناقش الفنون والسينما، لكن لا تغيب عنه السياسة وحقوق الإنسان وظروف المعيشة والهجرة والحرمان وأكثر من ذلك من خلال الأفلام. وبعد 15 عاما من النشاط المثير للإعجاب ستقام دورته العام الحالي في الفترة بين 20 أبريل (نيسان) و3 مايو (أيار) في عدة أماكن في لندن، منها مركز باربيكان والكلية الجامعية (يونيفيرسيتي كوليدج) وكلية الدراسات الشرقية والأفريقية التابعتان لجامعة لندن. وتتضمن فعاليات دورة المهرجان العام الحالي برنامجا متنوعا يسلط الضوء على مائة عام من السينما الفلسطينية.

وسيتيح هذا الإطار الزمني الطويل عرض أفلام أرشيفية من «أرشيف الفيلم الاستعماري» الذي يتضمن لقطات مسجلة لأحداث هامة مثل مسيرة القائد البريطاني أللينبي إلى القدس عام 1917، وانتفاضات عام 1930، وفيلما تاريخ إنتاجه 1974 كان ممنوعا من العرض في إسرائيل في الماضي. وكذلك فيلم «أرض الميعاد» للكاتبة الأميركية المرموقة سوزان سونتاغ، التي تركز فيه على الثقافة البصرية.

ويوظف فيلم «مستشفى غزة» صورا لم تستخدم من قبل لمذبحة صبرا وشتيلة التي وقعت عام 1982، وتدور الأحداث حول العناية الطبية التي يقدمها مستشفى ميداني. وهناك فيلم «أبي من حيفا»، والذي يتناول قصة شخصية يروي فيها المخرج الدنماركي ذو الأصول الفلسطينية، عمر الشرقاوي، عودة أبيه إلى بلدته بعد 60 عاما من الغياب.

ويوضح نيك دينيس، المدير المشارك لمهرجان الفيلم الفلسطيني، علاقة الفيلم بتاريخ فلسطين، وكذلك الظاهرة العالمية للسينما الفلسطينية كما يطلق عليها. ويقول: «يتضمن المهرجان العام الحالي أفلاما من 17 دولة، وهذا لا يختلف كثيرا عن نهجنا. ويعود ارتباط السينما بالقضية الفلسطينية كما نراها إلى ما يزيد على قرن مضى من خلال عرض أول صور متحركة في العالم سجلت في القدس في نهاية القرن التاسع عشر. وتمت زيارة الأخوين لوميير إلى فلسطين عام 1896 تقريبا في الشهر الذي أصدر فيه ثيودور هرتزل وثيقة إعلان الدولة اليهودية. التعامل مع صور متحركة على مدى قرن من الزمن في فلسطين تعتبر قصة مثيرة للاهتمام بما تطرحه من إشكاليات عن السينما والسياسة والصورة والسلطة».

ومع ذلك تتسم فكرة السينما الفلسطينية في حد ذاتها بالتعقيد، حيث يوضح دينيس أن الافتقار إلى صناعة سينما رسمية سواء في الإنتاج والتلقي يجعل من إضفاء صفة القومية على السينما أمرا غير واضح. على الجانب الآخر، هناك قلق من ربط صناع السينما الفلسطينيين بشكل مباشر بسياسة الصراع والتضامن بسبب جنسيتهم، وهو ما يواجهه أكثر الفنانين المصنفين باعتبارهم فنانين محليين، حيث ترتبط أعمالهم بتوقعات ربما لن تتحقق أو لا يرغب فيها بالأساس. ويقول: «كل هذا معروف. يمكنني تقبل وجود عدد من التوجهات الفكرية والإشارات الجمالية إلى شيء مألوف يتجاوز حدود مجموعة الأعمال الفلسطينية، خصوصا في الفترة الحالية».

عندما ينظر دينيس إلى الـ15 عاما الماضية التي تمثل عمر المهرجان، لا يكتشف فقط أن السياسة لعبت دورا في تأسيس المهرجان، بل أيضا في اختيار اسمه. ويقول: «جاءت فكرة المهرجان كنشاط خاص لزيادة الوعي بالمسألة الفلسطينية. وتأسس كمهرجان للفيلم الفلسطيني لأول مرة وقام بذلك خالد زيادة من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن وعضو الجمعية الفلسطينية، ثم مر بمراحل تطور سريعة حتى عام 2004 عندما قررت وخالد الخروج بهذا المهرجان من دائرة النشطاء وتوسيع نطاقه المقتصر على الفيلم الفلسطيني ليضم أفلاما أخرى وقضايا متنوعة». وسيعرض القسم الخاص بالأفلام غير الفلسطينية العام الحالي فيلما سوريا متميزا بعنوان «الليلة الطويلة». ورغم دعم الحكومة السورية للفيلم فإنه يعد من الأفلام الناقدة، وأنتج عام 2009 عندما كان بشار الأسد يحاول القيام بإصلاحات. ومن الأفلام المشاركة أيضا «إل بروبليما» (El Problema)، الذي صور بشكل سري في الصحراء الغربية ويتناول أوضاع سكان تلك المنطقة.

ووقع الاختيار على الفيلم الكوميدي «رجل بدون هاتف محمول» ليكون فيلم الافتتاح بفضل تركيزه على الجودة السينمائية. ورغم عدم ظهور حس الدعابة به فإنه يعد متفردا في تقديمه لحوار فكاهي يتنقل بين السخرية السياسية والكوميديا.

وتبتعد بعض الأفلام عن السياسة المباشرة وتميل إلى الدرامية مثل «آخر أيام القدس» من إخراج توفيق أبو وائل، بينما يتجه بعض الأفلام المشاركة إلى التجريبية مثل فيلم «لاكان بلاستاين» للمخرج الكندي مايك هولبوم، ومجموعة من الأفلام القصيرة لأسماء جديدة جنبا إلى جنب أسماء لامعة في مجال السينما الفلسطينية. سوف يناقش المهرجان قضايا الدروز والمرأة واللاعبين الرياضيين بمناسبة إقامة دورة الألعاب الأوليمبية في لندن العام الحالي.

وسيعقب كل الأفلام المعروضة تقريبا عقد مناقشات مع صناع الفيلم والخبراء المتخصصين في القضايا التي تناولتها تلك الأفلام. ويرى الكثير من المتخصصين في السينما الفلسطينية ضرورة أن تتناول الأفلام روايات عن تاريخ فلسطين وشعبها، وعرض صور للمكان قبل الاحتلال البريطاني والصهيوني. ويمثل المهرجان اليوم مساحة للوثائقي والفكاهي والاستكشافي والدرامي والإنساني.

ورغم الجدل حول السينما الفلسطينية كهوية قومية، يعد الرابط بين تلك الأفلام والهوية الفلسطينية هو قوة استمرارية الخطاب الفلسطيني.