أمعاء بشرية على شريحة إلكترونية

تسهم في رؤى جديدة تساعد على علاج الاضطرابات المعوية

الشريحة الجديدة التي تم تطويرها من قبل معهد ويس تحاكي ملامح شكل معقد ثلاثي الأبعاد من الأمعاء في صورتها المصغرة وفي الصورة تم صنع طحال شبيه بطحال الإنسان (معهد ويس)
TT

من بين الأدوات والأساليب العلمية المستخدمة حاليا للكشف عن فسيولوجيا وأمراض الجسم البشري، تصميم نماذج ونظم مختبرية (In Vitro Models)، والتي تتألف عادة من طبقة واحدة من نوع من الخلية الواحدة، مما يجعلها بسيطة وقوية ومناسبة للبحث، ويمكن إدخال مزيد من أنواع الخلايا إلى هذه النماذج، حتى تصبح أكثر واقعية، ولكن ذلك يؤدي لانخفاض قوتها وسرعتها، ولكن عموما، هذه النماذج المختبرية أقل صلاحية لدراسة الانعكاسات الحقيقية للأنسجة البيولوجية المعقدة للجسم البشري.

وقد أدى ذلك إلى البحث عن نماذج وتقنيات أخرى حديثة، للتعرف على خصائص وأمراض الأعضاء والأنسجة البشرية، بهدف التوصل إلى أساليب علاجية فعالة، ومن بين هذه النماذج تقنية «عضو على شريحة إلكترونية» (Organs - on - chips)، وهي عبارة عن نماذج مختبرية لأنسجة بشرية مهندسة، تستخدم لكسر الجمود الموجود حاليا في المختبرات، وتجمع بين بيئة مهندسة صناعيا، ومزارع خلايا واقعية من الناحية الفسيولوجية. هذه تؤدي إلى احتمال فعالية إجراء عملية الموازاة والمقارنة بين النماذج الصناعية والأعضاء والأنسجة الطبيعية البشرية، وكذلك إلى وفرة في النتائج البحثية والتمهيد لدراسات عالية المردود، فنماذج أعضاء بشرية على شريحة، من أساليب البحث القوية، التي من خلالها تكون الوظائف المهندسة فسيولوجيا والخصائص على مستوى الأعضاء البشرية الطبيعية، مثل تنظيم الأنسجة وهندستها وتحفيزها آليا، تكون واضحة المعالم ويمكن السيطرة عليها، بالإضافة إلى أنها تمهد الطريق لدراسات جديدة مثمرة، كما أن تقنية «عضو على شريحة» تبشر بمستقبل واعد في مجال الدمج ما بين التكنولوجيا والبيولوجيا، والآفاق المحتملة الواعدة للاتصال والاندماج فيما بينهما.

وفي خطوة واعدة في مجال تقنية «عضو على شريحة أو رقاقة إلكترونية»، تمكن مؤخرا، فريق بحثي من «معهد ويس» للهندسة المستوحاة من البيولوجيا، بجامعة هارفارد الأميركية، من تخليق أمعاء بشرية على شريحة إلكترونية دقيقة، باستخدام خلايا إنسان حية، ويمكن لهذه الأمعاء الصناعية محاكاة هيكل وفسيولوجيا وميكانيكية عمل الأمعاء الطبيعية للإنسان، كما يمكن دعم نمو الميكروبات الحية الدقيقة التي تعيش داخل تجاويف الأمعاء الطبيعية.

ويقول الباحثون إن هذه الشريحة الميكروية (الدقيقة) (microdevice) يمكن أن تكون بديلا أكثر دقة لزراعة الخلايا التقليدية والنماذج الحيوانية، كما يمكن أن تساعد الباحثين في اكتساب رؤى جديدة في علاج الاضطرابات المعوية، مثل التهاب القولون التقرحي، ومرض كرون، الذي يعد من الالتهابات المزمنة نادرة الحدوث التي تصيب الجهاز الهضمي وسمي بذلك نسبة إلى الطبيب الأميركي بوريل كرون (Burrill Crohn)، الذي وصفه لأول مرة عام 1932، كما ستسهم هذه الشريحة في تقييم سلامة وفعالية العلاجات والأدوية الممكنة. وقد نشرت نتائج هذه الدراسة على الموقع الإلكتروني لدورية «مختبر على رقاقة» (Lab on a Chip)، في عدد 8 مارس (آذار) الحالي، والتي تنشرها «الجمعية الملكية البريطانية للكيمياء».

وتقنية «عضو على رقاقة» تستخدم تقنيات «التصنيع الدقيق» (microfabrication)، لبناء أعضاء صناعية تحاكي الأعضاء الحية الطبيعية، والأمعاء على شريحة، هي شريحة سيليكون البوليمر، وفي حجم عصا ذاكرة الكومبيوتر (memory stick).

والشريحة الجديدة التي تم تطويرها تحاكي ملامح شكل معقد ثلاثي الأبعاد (3D) من الأمعاء في صورتها المصغرة، وفي داخل الغرفة المركزية للشريحة، توجد طبقة واحدة (مفردة) من الخلايا الظهارية للأمعاء البشرية، تنمو على غشاء مرن مسامي يسهل اختراقه، يعمل على إعادة تكوين الأغشية المعوية.

والغشاء معلق على جدران جانبية يحدث فيها تمدد وارتداد، بمساعدة من وحدة تحكم بالفراغ متصلة بها، وهذا التغيير الميكانيكي الدوري في الحركات يقلد الحركات الطبيعية الدودية للأمعاء (peristaltic motions)، التي تشبه حركة الأمواج، والتي تساعد على تحريك ومرور الغذاء في القناة الهضمية.

وأيضا، تصميم الشريحة يعيد باختصار واجهة الأنسجة المعوية التي تسمح بتدفق السوائل فوق وتحت طبقة الخلايا المعوية، وكذلك محاكاة تجاويف البيئة الميكروية في الأمعاء على جانب من الشريحة، وتدفق الدم من خلال الشعيرات الدموية، على الجانب الآخر.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد تمكن الباحثون في هذه الدراسة من العمل على نمو الميكروبات المعوية الشائعة والحفاظ عليها على سطح الخلايا المعوية المزروعة على الشريحة المصنعة، وبالتالي محاكاة بعض من الخصائص الفسيولوجية المهمة للأمعاء، وذلك لفهم ودراسة الكثير من الأمراض.

ويقول الباحثون إن هذه القدرات المجتمعة على الشريحة تشير إلى أن تقنية «الأمعاء على شريحة» لديها القدرة على أن تصبح أداة ذات قيمة مهمة في التشخيص الطبي المختبري، لفهم أفضل الأسباب لحدوث وتطور مجموعة متنوعة من الاضطرابات المعوية، والمساهمة في تطوير علاجات جديدة آمنة وفعالة، وكذلك في دراسة أهمية الـ«بروبيوتك» (probiotics)، لتحسين صحة الجهاز الهضمي، و«بروبيوتك»، هو مصطلح يشير إلى كائنات حية دقيقة كالبكتيريا والخمائر، تضاف للنظام الغذائي وتعمل كمكملات غذائية للأطعمة، ويتم تناولها بكميات مناسبة وتعود بمنافع صحية على الجسم، حيث تسهل من عملية الهضم، وتعيد التوازن في الأمعاء وتساعد الجسم على التخلص من البكتيريا الضارة، مثل بكتيريا حمض اللبن (اللاكتيك) في منتجات الألبان.

ويضيف الباحثون أن تقنية «الأمعاء على شريحة» يمكن استخدامها أيضا لاختبار عملية الأيض (التمثيل الغذائي)، وامتصاص الأدوية والأغذية التي تؤخذ عن طريق الفم.

يقول البروفسور دونالد إنجبير، قائد الفريق البحثي المدير المؤسس لمعهد «ويس» للهندسة المستوحاة من البيولوجيا بجامعة هارفارد الأميركية أستاذ كرسي «جودة فوكمان» لبيولوجيا الأوعية الدموية بكلية طب هارفارد ومستشفى الأطفال في بوسطن أستاذ الهندسة البيولوجية بكلية الهندسة والعلوم التطبيقية بجامعة هارفارد، إنه «نظرا لأن معظم النماذج المختبرية المتاحة لنا اليوم لا يمكنها إعادة صورة ملخصة للأمراض التي تصيب البشر، لذلك لا يمكننا الفهم المتكامل للآليات وراء الكثير من الاضطرابات المعوية، وهو ما يعني أن الأدوية والعلاجات التي نتحقق من صحتها في النماذج الحيوانية غالبا ما تفشل في أن تكون فعالة عند اختبارها على البشر»، وأضاف أن «تقنية الأمعاء على شريحة تعد من أفضل الوسائل المختبرية وأكثرها دقة لدراسة نماذج الأمراض، حيث يمكن أن تعجل بشكل كبير من قدرتنا على تطوير أدوية جديدة فعالة، من شأنها أن تساعد الأفراد الذين يعانون من هذه الاضطرابات المعوية». ويلخص الباحثون نتائج دراستهم بالقول بأن تقنية «أمعاء على رقاقة» هي محاكاة وإعادة تلخيص للملامح والوظائف الفيزيائية والبيولوجية والفسيولوجية البارزة والمتعددة لأمعاء الإنسان، في بيئة دقيقة، وتعتبر بالغة الأهمية في دراسات السمية والامتصاص والنقل، والتي سيكون لها قيمة كبيرة في اختبار الأدوية ودراسة نماذج للأمراض المعوية.