«شهرزاد في بعبدا» مسرحية لزينة دكاش تحكي قصص نساء خلف القضبان

وأدرك سجن بعبدا الصباح فسكتت السجينات عن الكلام المباح

المسرحية هدفت من ناحية أن تعرف من هم خارج هذه الجدران على الظروف الحياتية التي دفعت بتلك النساء إلى ارتكاب أخطاء فادحة في حياتهن
TT

«شهرزاد في بعبدا» هو عنوان المسرحية التي تطلقها المخرجة والممثلة زينة دكاش في الشهر المقبل على مسرح سجن بعبدا للنساء ضمن برنامج العلاج بالدراما المتخصصة فيه، الذي سبق وطبقته في سجن رومية للرجال من خلال مسرحية مثلها السجناء بعنوان «12 رجلا لبنانيا غاضبا».

يشارك في المسرحية 13 امرأة هن نزيلات سجن بعبدا منذ سنوات أو أشهر أو أيام ينفذن العقوبة إلى تطلبتها جريمتهن، أو هن في الإقامة الجبرية فيه كون الأحكام لم تصدر بعد في حقهن.

تتناول المسرحية القصص الواقعية لتلك النساء اللاتي بعضهن عانى منذ الصغر من العنف والفقر والحرمان، والبعض الآخر تأثر بالظروف غير الصحية المحيطة به فخضن لعبة الحياة كما فرضت عليهن فأصبحن نساء من نوع آخر، قاتلات أو سارقات أو مروجات عملة مزورة ومخدرات.

تقول زينة دكاش لـ«الشرق الأوسط» عن هذه التجربة: «أردت من ناحية أن أعرف من هم خارج هذه الجدران الظروف الحياتية التي دفعت بتلك النساء إلى ارتكاب أخطاء فادحة في حيواتهن وأن تتصالح هذه النساء مع ذواتهن من ناحية أخرى، ووجدت أن العمل الفني سيكون خير نتيجة لعلاج الدراما، حيث من شأنه أن يخفف من المشكلات النفسية اللاتي يعانين منها وللتخفيف من حدتها».

وأضافت زينة التي بدأت في تمرينات هذا المشروع منذ 7 أشهر: «لا مجال للمقارنة بين المسرحية التي قدمتها في سجن رومية والحالية في سجن بعبدا، فالنص هنا غير مقتبس، كما في الأولى، بل هو مكتوب من قصصهن الواقعية، ثم إن التعامل مع العنصر النسائي يختلف تماما عن العنصر الرجالي من حيث الشخصية والتعبير، ففي رومية الرجال ما زالوا يتمتعون بمواصفات الرجولة، أما في بعبدا فالنساء فقدن أنوثتهن، ونسين أنهن نساء، ومن هنا كانت الصعوبة في إعادة إحياء شعورهن وشخصياتهن، بوصفهن نساء، للتعبير عما في دواخلهن». كيف؟ ترد دكاش: «الانضباط كان أول ما ينقصهن، وكذلك الخروج من الفراغ والتحدث بصوت منخفض بدل الصراخ، وتعزيز الثقة واحترام بعضهن البعض بدل التجريح وتقاذف الاتهامات في ما بينهن.. كل ذلك استطعت زرعه فيهن من خلال العلاج بالدراما الذي أمارسه من خلال الجمعية التي أسستها (كتارسيس)».

وفي زيارة قامت بها الـ«شرق الأوسط» لسجن بعبدا للوقوف على أجواء التمرينات للمسرحية تعرفت فيها إلى «الشهرزادات» (كما تناديهن المخرجة) الـ13 اللاتي يشاركن في العمل المسرحي مثل سماح وأورسولا وفاطمة وخديجة ونجوى ونسرين ومريم وغيرهن من السجينات في غياب تام لشهريار الذي أوضحت إحداهن، وتدعى فيفيان، بأنه نائم نوم أهل الكهف بينما رأت أخرى، وتدعى كريستال، أن الجمهور الذي سيحضر عرض المسرحية سيمثل بالنسبة لهن شخصية شهريار. ففي قاعة مخصصة لساعات النزهة في السجن وهي قاعة مستطيلة صغيرة المساحة لا تشبه اسمها إلا بنقاط المياه التي تتساقط من سقفها (بفعل النش) لتذكرنا أن الطقس ماطر في الخارج يتوزع فيها نافذتان إحداهما تطل على الباحة الخارجية للسجن، في حين أن الثانية لا تلحظها السجينات كونها تطل على مدخل السجن. تجمعت النساء الـ13 للبدء في التمرينات كل منهن تحمل النص الخاص بدورها وجلسن ينتظرن صوت زينة دكاش معلنة بدء العمل.

تتألف المسرحية من 7 لوحات تبدأ بلوحة جماعية تتوجه فيها السجينات للجمهور فيقرأن عليه النظام الذي يفرضه السجن على نزلائه، الذي سيكون الجمهور واحدا منهم أثناء العرض: ممنوع إدخال الجهاز الخلوي.. ممنوع ارتداء الكعب العالي.. ممنوع استعمال العطور والمكياج.. وإلى ما هنالك من ممنوعات تفقد المرأة أنوثتها وكيانها. بعدها يتجمعن حول نافذة تتوسط القاعة، وهي الوحيدة المطلة على العالم الخارجي في السجن (لذلك تسمى قاعة النزهة)، وتبدأ كل منهن في التعبير عن شعورها تجاهها: «لا أحب النظر إليك»، أو «بكرهك يا هالشباك»، أو «قولكن ولادي مروا اليوم من أمامك»، أو «يا ليتني كومة نفايات خارجك».. وغيرها من العبارات التي تشير إلى توق السجينات للقاء الحرية وبعدها تكر السبحة لمشاهد مونولوغ، وأخرى جماعية وبينها واحدة تحمل رقصة «فلامينغو» تعبيرية مؤثرة تروي المراحل التي أدت إلى دخولهن السجن مع الإشارة إلى العنف والإساءة والمعاناة التي رافقتهن فيها.

وتقول زينة في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لم أكن أملك فكرة واضحة عن الموضوع الذي في إمكاني طرحه في المسرحية، ولكن عندما احتككت بالسجينات اللاتي رحن يتحدثن عن أوضاعهن وحكاياتهن مع الحياة ولدت الفكرة وسميتها (شهرزاد في بعبدا)». لماذا شهرزاد؟ تقول زينة «لأنها هي أيضا كانت سجينة وروت على مدى ألف ليلة وليلة حكاياتها لشهريار كي لا يقتلها وهنا النساء أيضا تخاف أن يقتلها المجتمع، لا سيما أن بعضهن عاش في السجن آلاف الليالي، وأن من سيشاهد المسرحية سيتزود بكمية معرفة أكبر وبثقافة حياتية مغايرة تماما عن تلك التي نكتسبها في حياتنا العادية ستكون بمثابة عناصر إرشادية وتربوية له».

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» مع السجينات عبرت فيه كل منهن عن رأيها بهذه التجربة قالت فاطمة: «إنها مساحة الحرية الوحيدة المتاحة لنا هنا»، بينما قالت نسرين: «يا ليتني أستطيع القيام بها خارج السجن»، أما مريم فوصفتها قائلة: «أنزلت حملا ثقيلا عني كنت أعيش تحت وزره»، وهنا قاطعتها أورسولا قائلة: «زودتني بالقوة وصرت لا أخاف من التحدث عن مشكلتي دون بكاء».

تعرض المسرحية لمدة 12 يوما ابتداء من 18 على مسرح قاعة النزهة في السجن وتستغرق نحو الـ40 دقيقة وسيتم تخصيص يوم عرض لأهالي السجينات وذويهن بينما تتوزع دعوات العروض الأخرى على المسؤولين في قوى الأمن والهيئات السياسية والدبلوماسية والإعلامية في لبنان.

هل ستعيد زينة دكاش التجربة في السنوات المقبلة؟ ترد قائلة: «لا أستبعد ذلك أبدا ما دام أن هذا النوع من العلاج يسهم في التخفيف من معاناة السجناء بشكل عام وهو من أهم التقنيات المستخدمة في الولايات المتحدة وأوروبا لإعادة تأهيل المساجين ويعطيهم الأمل في العيش كالآخرين الموجودين خارج السجون الذي من بينهم من يقوم بأعمال أفظع من التي ارتكبها هؤلاء وعلى الرغم من ذلك ما زالوا يتمتعون بالحرية».

يذكر أن تمويل هذه المسرحية يعود لمؤسسة خيرية في سويسرا (دروسوس) بينما العمل السابق في سجن رومية تم تمويله من قبل الاتحاد الأوروبي وهو يقام بالتعاون مع وزارة الداخلية والبلديات ووزارة العدل وجمعية الأمل.