معرض في باريس لأول امرأة رسامة من عصر النهضة الأوروبية

هل كانت أرتيميسيا فنانة أم قاطعة رؤوس؟

من أعمال الفنانة أرتيميسيا
TT

للمرة الأولى في فرنسا، يتصدى متحف صغير لإقامة معرض كبير لرسامة تعتبر أول امرأة نافست الرسامين الرجال، في القرن السابع عشر، ورسمت لوحات زيتية متقنة عبرت فيها عن حريتها من خلال الفن. إنها أرتيميسيا جنتيلسكي (1593 - 1652) والصالة التي تعرض عددا من أعمالها هي متحف مايلول في باريس.

يذهب المرء إلى المعرض وهو يمني النفس برؤية لوحات لريشة أنثوية حساسة ورقيقة وذات ضربات مرهفة تعكس روح صاحبتها. والحقيقة أن الرهافة والحساسية الفنية متوفرة في اللوحات، غير أن أغلبها يقطر دما وتبدو فيه نساء متآمرات أو رجال برؤوس مقطوعة. هل كانت أرتيميسيا فنانة أم «عشماوية» قاطعة رؤوس وخاطفة أرواح؟

لم تأت جرأة أرتيميسيا ولا قوتها من فراغ. إنها ابنة الرسام الإيطالي أورازيو جنتيلسكي، أحد كبار فناني روما في العصر الباروكي. وهي حين قررت أن تسير على خطى أبيها فإنها كانت تؤسس لحريتها كإنسانة مستقلة. وهو استقلال قد يكون منقوصا نظرا للتشابه الكبير بين أعمال الأب والابنة، وتأثرهما معا بأعمال مواطنهما الرسام الفضائحي ميشال أنجيلو دا كارافاجيو الذي رسم النساء والرجال في لوحات تصدم المشاهد لشدة واقعيتها. مع هذا واصلت أرتيميسيا مسيرتها واختارت مهنة لم تكن متاحة ولا ممهدة للنساء وفرضت نفسها رسامة بفضل موهبتها وإصرارها، بحيث صارت واحدة من كبار فناني عصرها وأول امرأة تلتحق بأكاديمية الرسم في فلورنسا. ففي ذلك الزمان، كانت النظرة إلى النساء تقوم على أنهن قاصرات مدى الحياة. لكن ابنة أورازيو كسرت القوانين وتمردت على التقاليد ولم تنتسب إلا لفنها. وزاد في طين سمعتها بلة أن والدها اشتكى لدى الكنيسة على زميله الرسام أوغيستينو تاسي بتهمة اغتصابها.

عملت أرتيميسيا رسامة لدى الأمراء والكرادلة وكسبت خبزها بفضل قوة ريشتها. ومع هذا لم يعرف اسمها على نطاق واسع وكان لا بد من مرور 3 قرون قبل اكتشاف الأوساط الفنية العالمية لأعمالها وتقديرها لموهبتها. وفي هذا السياق يأتي هذا المعرض في متحف مايلول، المكان الأمثل لاستقبال فنانة مثلها، فقد كان مؤسسه أريستيد مايلول، الرسام والنحات الكاتالوني الأصل والمتوفى عام 1944، مولعا بالنساء اللواتي ألهمنه عشرات اللوحات والمنحوتات. وقد كتب أحد النقاد يقول إن مايلول لا بد أن يحتفي سعيدا في قبره وهو يرى لوحات أرتيميسيا معلقة على جدران متحفه في باريس.

تركت الرسامة مسقط رأسها في توسكانيا وانتقلت للعمل في فلورنسا، قبلة الرسامين، حيث لقيت رسومها نجاحا كبيرا وبالأخص أعمالها لقصر «بوناروتي». وهناك شملها دوق ميديتشي الأكبر بحمايته كما ارتبطت بصداقة مع العالم غاليليو غاليلي. ومن فلورنسا توجهت نحو روما، في عشرينات القرن السابع عشر، وعرفت هناك كآخر المتحدرين من المدرسة الطبيعية لكارفاجيو وعملت لدى عدد من التجار وجامعي اللوحات. لكن روما لم تكن محطتها الأخيرة بل انتقلت إلى نابولي حيث عرفت، على مدى 25 عاما، مجدها الحقيقي وكان ملك إنجلترا تشارلز الأول من مقتني أعمالها. وفي هذه المدينة أقامت مرسمها ودربت عددا من أصحاب المواهب الناشئة الذين صاروا فنانين كبارا، فيما بعد، أمثال كافالينو وسباردارو وغوارينو.

تأثرت أرتيميسيا، عميقا، بجرح الاغتصاب الذي تعرضت له في يفاعتها والضجة التي أثارتها محاكمة أبيها للمغتصب. ولم تترك الحادثة بصماتها على روحها فحسب بل على فنها أيضا. إنها تتفنن في رسم نساء ممتلئات وقويات الأجساد، ذات سواعد مفتولة، يبدون أحيانا مرهفات وعازفات على آلات موسيقية وترية، أو على العكس من ذلك، يتواطأن على قطع رأس رجل وإخفائه في سلة الثياب. إن رسومها تعكس قوة جسدية كبيرة، لكي لا نقول «فحولة» حقة.