أفلام عربية وأجنبية تتنافس.. والمهرجان يتنقل بين الإمارات

مهرجان الخليج السينمائي - 2

جانب من افتتاح مهرجان الخليج السينمائي في دبي (إ.ب.أ)
TT

هناك جديد في هذه الدورة الخامسة من مهرجان «الخليج السينمائي» تعبر عنه الرغبة في الحفاظ على المكتسبات التي أنجزها المهرجان في الأعوام السابقة ثم التقدم لما بعدها. فالسنوات الـ4 السابقة تنقسم إلى قسمين: العامان الأولان تأسيس لمناسبة واعدة، والعامان التاليان تحقيق للرغبة في إنجاز حضور يتبوأ المشهد السينمائي في هذه المنطقة الثرية، ثقافة وفنا وتراثا من العالم. إنه خلال هذين العامين ازدادت المنافسة حدة بين هذا المهرجان ومهرجانات أخرى في المحيط الخليجي رغبت، ومن حقها طبعا، أن تنجز الأهداف المناطة برعاية السينما الخليجية ومواهبها. هذه المنافسة دعت إلى بلورة اتجاه حاسم وجديد في هذه الدورة. فالمهرجان وأفلامه سينتقل إلى أبوظبي بدءا من يوم الخميس من هذا الأسبوع، ورئيسه، عبد الحميد جمعة، يعلن أن الغاية هي التوسع بحيث يتم نقله إلى كل إمارة من إمارات الاتحاد.

ليلة الثلاثاء كانت الافتتاح الرسمي لهذه الدورة. وجاء الافتتاح منظما وموجزا ومعبرا أيضا، وبحضور الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون. وتناول خطاب رئيس المهرجان، عبد الحميد جمعة، حقيقة أن المهرجان هذا العام يتألف من 155 فيلما أتت من 42 دولة يشهد منها نحو 80 فيلما عرضه الدولي الأول.

كلمة المدير العام للمهرجان، مسعود أمر الله آل علي، شددت على المكانة التي يحظى بها المهرجان، وأشارت إلى أن الحب هو الفاعل الرئيسي الذي يحرك جهود العاملين، شاكرا صانعي السينما على مجهوداتهم ونتاجاتهم.

بعد ذلك، قدم المدير السينمائيين المحتفى بهما هذا العام: المخرج البحريني بسام الذوادي، المخرج الأول للسينما في البحرين الذي قدم نفسه من خلال فيلم تسجيلي قصير (جدا) عنه، والممثل الإيراني بهروز وثوقي، حيث اعتليا المسرح وتسلما جائزتيهما التقديريتين.

فيلم الافتتاح: «تورا بورا»

* الحب كان أيضا من شأن فيلم الافتتاح «تورا بورا» للمخرج الكويتي وليد العوضي. هذا الفيلم كان تم تقديمه في مهرجان «كان» في العام الماضي لعدد محدود من الصحافيين في عرض خاص. والآن يشهد عرضه الرسمي العالمي الأول. والحب الذي فيه هو الذي يكنه أب وأم لابنهما الذي كان اختفى من حياتهما منضما إلى حركة طالبان في أفغانستان. ومع أنهما لا يعرفان مكانه في تلك البلاد الشاسعة والخطرة، فإن ذلك لم يمنعهما من السفر إلى باكستان على أمل أن يلتقيا به وإعادته إلى الكويت وإلى رشده معا.

يبدأ الفيلم بهما وقد حطا (والفيلم مأخوذ عن حادثة وشخصيات حقيقية) في بيشاور. يدخلان فندقا متواضعا (وهما الثريان غير المعتادين على حياة التقشف وهذا النوع المجحف من الرحلات) والزوجة أم طارق (أسمهان توفيق) تشكو لزوجها أبي طارق (سعد الفرج) عن أن الفندق حقير. الزوج يقول لها إنهما ليسا في رحلة سياحية. وهي بالفعل ليست كذلك، ليس فقط أنهما أتيا إلى بيشاور لكي ينتقلا إلى تورا بورا حيث تنظيم القاعدة المحمي بقوات طالبان، بل لأن المنطقة بأسرها - وباستثناء واد جميل واحد - عبارة عن جبال وسهول جرداء. لنحو ساعتين إلا بضع دقائق، سيمضي الفيلم معهما في هذه الرحلة القاسية، وسيتناوب كل منهما الحديث، ويتم الانتقال إلى تجهيز ابنهما الشاب بالمتفجرات للقيام بعملية انتحارية. بعد ذلك، يصل ابنهما الأكبر طارق ساعيا، مع باكستانيين، للبحث عن والديه. هكذا نحن في مواجهة 3 قصص مع الكثير من الشخصيات. المخرج عوضي لا يضيع بين شخصياته تلك بل ينجح في التركيز على شخصياته المهمة وتقديمها تحت أضوائها المختارة.

هذا كله جيد، كذلك فإن العناصر الإنتاجية التي سمحت للمخرج تصوير الفيلم في أنحاء مختلفة (بعضه في باكستان والكثير منه في المغرب على ما هو معتقد) وتنويع أماكن التصوير المتعددة (من فنادق إلى منازل مهدمة، مستشفى للأمم المتحدة، معسكرات، قرى.. إلخ).

إلى ذلك، يمكن ضم حس المخرج بقيمة الموضوع المهم الذي بين يديه. لكن عند هذا الحد تكاد الأمور الجيدة تتوقف أو تنتهي. المشكلة هي في أن التحقيق ذاته مصطدم بعوائق تنبت من السيناريو وتمتد إلى المونتاج.

السيناريو مسؤول مثلا عن عدم ترتيب تلك المشاهد التي ينتقل الفيلم بينها. نحن مع الأبوين اللذين يعانيان الضعف والوهن ثم المرض والاعتقال والإصابات، وفوق ذلك الطريق الذي يزداد خطورة وصعوبة خلال الرحلة، على عكس رحلة ابنهما طارق الأسهل والأكثر سلامة في معظمها ولأسباب لا تبدو واضحة.

حين يأتي الحديث عن ابنهما المجاهد فإن تساؤلاته المحقة حول ماهية هذا الجهاد إذا ما كان يعني قتل أطفال في مدرسة، تأتي مفاجئة كوننا لا نتعرف عليه إلا في نطاق لقاءاته مع أمير الجماعة. كان أجدى لو أننا شاهدنا اكتشافاته العينية حين اقترب من الهدف الذي أرسل إليه.

الحقيقة هي أن هناك أكثر من طريقة سرد لهذا الفيلم، لكن المشكلة ليست في الطريقة التي اختارها المخرج، تلك الشاملة على خيوط وأحداث متناوبة الانتقال مع شخصياتها وحسب مواقعها، بل في كيفية التنفيذ ذاته، بحيث إن نصف الساعة الأخيرة هي، غالبا، إعادات لما سبق تأسيسه. الموت يأتي بعض الشخصيات (خصوصا الأم) من دون شعور دفين ينجم عن تخصيص مشهد ما يحلق فيه الموت فوق رأسها (آخر مشهد حي لها كانت ترعى ابنها الجريح طارق الذي نجح في الوصول إليهما وتحريرهما لكنه أصيب برصاصة تضعه في حالة حرجة).

هناك دور للممثل الفلسطيني قيس الناشف يؤدي فيه شخصية مصور فيديو يعيش في تلك الأنحاء لكننا لن نعرف لماذا. هذا ليس مهما للغاية. الأهم أنه يعترض الطريق بيننا وبين ما هو مفترض به أن يكون صادما من أحداث. يكسر الحدة التي يتمناها الفيلم لنفسه. صحيح أن دنيس هوبر لعب الدور نفسه في «سفر الرؤيا.. الآن» لفرنسيس فورد كوبولا، إلا أن وجوده لم يعترض مطلقا المسافة بين المشاهد والفيلم. حين ظهر مباشرة أمام الكاميرا عبر عن نفسه وشخصيته. بعد ذلك وجوده هو جزء من المشهد وليس صلبا بصريا فيه يمنع التواصل مع ما يدور وراءه.

تم تأليف الفيلم لجزء من مسلسل تلفزيوني على حلقات. هذا ليس أفضل وسيلة لتقديم عمل سينمائي، فلا بد أنه بين ما تم حذفه ما قد يوضح أكثر جوهر المشكلات المذكورة. لكن هذا ليس عذرا من أي نوع لأن ما يتعرض إليه النقاد هنا هو الماثل على الشاشة وحده.