العود والمسك والعنبر.. نتاج «أمراض» تصيب الكائنات الحية

اكتُشفت بمحض الصدفة وتدخل في تركيب جميع العطور العالمية

TT

قد لا يخطر ببال أحد أن تعود مختلف أنواع العود والبخور والمسك والعنبر، التي تلقى رواجا كبيرا في المجتمعات الخليجية بشكل خاص، إلى حالة «مرضية» تصيب فصائل معينة من الحيوانات والنباتات لتتكون هذه المواد بروائحها الزكية، غير أنها بالنسبة للإنسان تعتبر من أجود العطور الشرقية الأصيلة.

نوع من أنواع الفطريات حينما يضرب قلب أشجار الأجالويا، التي تشتهر بها دول شرق آسيا، فإن عود البخور الخشب يتكون في ساقها، بينما تمتلئ أغشية لحائها بدهن العود، وهو ما يجعل من هذا المرض فائدة كبيرة يجنيها الإنسان إما عن طريق المتاجرة بما ينتج منه وإما استغلاله في الحصول على أنواع مختلفة من العطور.

وعلى الرغم من تقدم التقنيات في العصر الحالي، فإن طرق استخراج العود ما زالت بدائية منذ مرحلة قص الأشجار مرورا بالتكثيف وحتى مرحلة الإنتاج؛ إذ إن تطوير تلك الطرق لا يضمن في النهاية الوصول إلى العود الأصيل ذي الرائحة العتيقة، وذلك حسب ما ذكره خبير العطور السعودي، محمد عبد الصمد القرشي، الرئيس التنفيذي لشركة «عبد الصمد القرشي للعود والعطور».

وقال، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بعد قص اللحاء الخارجي لساق شجرة الأجالويا المصابة بالفطر، يتم وضعه في أوعية مصنوعة من معدن الاستيل؛ إذ يستوعب الواحد منها ما بين 18 و36 كيلوغراما من مسحوق اللحاء المسمى (الدوم) الذي يُخلط بنسبة 33% منه مقابل 66% من الماء». وأضاف: «يطبخ المزيج على نار هادئة دون أن يصل إلى درجة الغليان كي لا يحترق، وذلك في مدة زمنية تصل إلى نحو 21 يوما لكل 18 كيلوغراما؛ إذ يبدأ البخار في التصاعد تدريجيا حاملا معه الزيت الذي يمر بمرحلة التكثيف من خلال خزان ماء بارد، ومن ثم ينفصل الزيت عن الماء بعد خروج كل منهما من جهة مختلفة».

وبيَّن أن مسحوق الدوم يخزَّن في خزانات يستوعب الواحد منها نحو 120 كيلوغراما منه لمدة 6 أشهر، على الأقل، بهدف تعتيقه عن طريق البكتيريا التي تعمل داخل الخزان، وذلك قبل البدء بعملية الطبخ، لافتا إلى أن بعض الخزانات تحتفظ بالمسحوق لمدة سنوات.

وأفاد بأن عود البخور لا يتكون في فروع شجرة الأجالويا إلا إذا كانت معمرة؛ حيث إن المرض عادة ما يصيب الساق، لتبدأ عمليات النحت إلى أن يتم الوصول إلى البخور في قلب الساق، مشيرا إلى أنه بعد إنتاج عود البخور ودهن العود يتم تخزينهما بطرق خاصة.

وأوضح الرئيس التنفيذي لشركة «عبد الصمد القرشي للعود والعطور» أن 40 كيلوغراما من مسحوق اللحاء تعطي نحو 6 غرامات من دهن العود الممتاز، خصوصا أن غزارة الدهن تختلف باختلاف نوعية العود الناتج من الفطر الذي يصيب الشجرة.

واستطرد: «إن التركيبات الأساسية لجميع العطور العربية والعالمية لا تخلو مطلقا من المواد العطرية الشرقية بشكل عام كالمسك والعنبر، لا سيما أنها تعتبر مواد أولية في صناعة العطور».

اكتشاف المواد العطرية منذ أزمنة البابليين والآشوريين والفراعنة جاء بمحض الصدفة، بعد أن لاحظت إحدى الملكات الفرعونيات طبقة زيتية خفيفة تغطي سطح بركة الماء الموجودة في حديقة بيتها، التي كانت كلما رأتها تأمر حاشيتها بتنظيفها، غير أن تكرار تكوينها كل أسبوع جعلها تستدعي مجموعة من الخبراء للتعرف على تلك الطبقة.

وحينما بدأ الخبراء في البحث وجدوا أن الطبقة الزيتية تفرزها زهور الياسمين التي تسقط في البركة، الأمر الذي دفع بالملكة إلى طلب تجميع زيت هذه الزهور؛ إذ كانوا يضعون مجموعة من الياسمين في قطعة قماش ليعصروها، فيطفو الزيت على سطح ماء الورود، ليجمعوه بأيديهم ومن ثم يتم وضعه في قوارير خاصة.

ومن خلال رحلتي الشتاء والصيف وصلت العطور إلى أرض الجزيرة العربية مع التجار الذين كانوا يجلبونها من مناطق الشام في أزمنة مختلفة، وعلى الرغم من تعدد الثقافات العطرية فإن الهند وشرق آسيا يمثلان المصدر الرئيسي للعطر؛ حيث اشتهرا بأفخر الأنواع في الزمن السابق.

وتنقسم العطور إلى ثلاثة أقسام بحسب مصدر استخراجها: نباتية وحيوانية وكيميائية، إلا أن الأخيرة منها لا تخلو مطلقا من المواد العطرية الطبيعية، بينما تتضمن النباتية كل ما يُستخرج من النباتات، أما الحيوانية فهي التي تستخرج من الحيوانات كمسك الغزال والعنبر.

وهنا علق محمد عبد الصمد القرشي قائلا: «يستخرج المسك من فئة من الغزلان تعيش في منطقتي التيبت والهيمالايا التي تمثل نحو 1% من فصائل الغزلان الأخرى بالعالم؛ حيث تصاب تلك الفصيلة بنوع من الحساسية بمنطقة السرة، مما يجعلها تعمد إلى حك بطنها بالصخور إلى أن تجرح نفسها، فتتكون طبقة جلدية تغلف سرتها لتشكل عقدة تكتمل رائحة طيبها في فترة تتراوح بين 4 و6 أشهر، ومن ثم يتم اصطيادها وتخديرها واستئصال تلك العقدة بواسطة عملية جراحية باعتبارها حالة مرضية للغزلان». وزاد: «يتكون العنبر في فصيلة حوت العنبر، الذي يتغذى على الأعشاب وبعض أنواع الأسماك، وحينما يتقيأ تخرج منه مادة شمعية سوداء تطفو على سطح البحر وتصل إلى الشاطئ بفعل الأمواج، غير أن لونها يتحول إلى درجات فاتحة نتيجة تعرضه لأشعة الشمس، ومن ثم يستخرج منها العنبر بنوعيه، الصلب والسائل».

وحول تأثير العطور على نفسيات البشر، أكد الرئيس التنفيذي لشركة «عبد الصمد القرشي للعود والعطور» أن مهمة العطور لا تقتصر فقط على تجميل الرائحة، وإنما لها تأثير كبير في حياة الشخص، سواء أكان رجلا أم امرأة، خصوصا أن العطر يدخل في الأوقات كلها؛ إذ لكل وقت نوع معين من العطور، كما يؤثر اختيار العطر الخاطئ في تلك الأوقات على أساليب التعامل بين الأفراد وسلوكياتهم اليومية.