في الذكرى الـ37 للحرب اللبنانية.. نشاطات توعوية تعم لبنان

بوسطة عين الرمانة تتحول إلى «باص» يحكي عن السلام

«باص» عين الرمانة الذي تسبب في أول شرارة حرب في لبنان وما زال موجودا في هنغار جمعية «أمم للأبحاث والتوثيق»
TT

يوافق اليوم الذكرى الـ37 لاندلاع الحرب اللبنانية، وبهذه المناسبة، خرج «باص» عين الرمانة عن صمته وتكلم هذه المرة عن السلام بدل الحرب وهو الذي ارتبط اسمه ارتباطا وثيقا بأول شرارة حرب في لبنان؛ إذ يعتبر السبب المباشر لاندلاعها. وفي هذه المناسبة، عمت بيروت نشاطات توعوية نظمتها مؤسسات ومنظمات وجمعيات أخذت على عاتقها تعزيز مفهوم السلم الأهلي في لبنان من خلال مسيرات ومحاضرات وحلقات تلفزيونية أطلقتها في هذه المناسبة.

وتعتبر الحملة الوطنية التي قام بها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمساهمة بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان بالشراكة مع «أمم للتوثيق والأبحاث»، تحت عنوان «الباص إن حكى.. رحلات في ذاكرة لبنان واللبنانيين» أحد النشاطات التوعوية اللافتة التي أرادت من خلالها تحويل «باص» عين الرمانة إلى رسالة سلام، فقامت بشراء حافلة كانت تعمل على خط صيدا - بيروت وجهزتها بعتاد توثيقي عبارة عن مكتبة «رمزية» وكومبيوترات محمولة موصولة بأرشيف «أمم» بالإضافة إلى ماسح ضوئي وأدوات تسجيل صوتية ومرئية لتتناسب مع طبيعة المحطات التي سيزورها الباص على مدار السنة في جولاته على المدن والقرى اللبنانية من الشمال إلى الجنوب، وهو عبارة عن وحدة جوالة تضم أرشيف «أمم» عن الحرب الأهلية من يوميات وأحداث ورصد للضحايا والمفقودين والمرتكبين والمشاركين والفاعلين والمحرضين، وكل ما كان على صلة بالأيام السوداء الماضية من إعلام وصور وملصقات وشعارات. وأقيم في المناسبة حفلة لإطلاقه حضرها عدد من الشخصيات اللبنانية وأهل الإعلام في منطقة حارة حريك (في هنغار أمم بالتحديد) أمس.

وتوضح ليال سعد، إحدى المسؤولات في منظمة «أمم» لـ«الشرق الأوسط» أن الهدف الأساسي من هذه الحملة هو تعليم اللبنانيين كيفية بناء السلام والتزود بالمعرفة والحكمة من خلال إطلاعهم على أرشيف تاريخ لبنان الحديث وسيئات الحرب التي عاشها اللبنانيون لأكثر من 20 عاما. وتضيف: «سنستعين في المستقبل القريب بشخصيات لبنانية كانت لها تجربتها الخاصة في هذا الموضوع إن على الأصعدة السياسية أو الاجتماعية أو الإنسانية بحيث سيرافقوننا برحلات الباص في مختلف المناطق اللبنانية وسنقوم بعرض أفلام وثائقية وتسجيلات صوتية وكتب تحكي عن تلك الفترة الصعبة التي مر بها لبنان، فتكون بمثابة عبرة لمن يعتبر».

ولن يقتصر هذا البرنامج التوعوي على الشباب اللبناني الموجود في مدارس وجامعات تلك المناطق التي سيزورها الباص؛ بل سيشمل الأطفال والأولاد فيها لأنهم يشكلون المستقبل الحقيقي للبلاد، كما تقول ليال سعد.

لماذا تم اختيار «باص» عين الرمانة؟ يجيب فادي الحجار من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لـ«الشرق الأوسط»: «لأن الباص كان بمثابة الشرارة الأولى من الحرب ولأننا أردنا أن لا يقع اللبناني في الأخطاء التي ارتكبها في الماضي، فاخترناه رمزا لم يمح من ذاكرة اللبناني حتى اليوم، ورغبنا في تحويله إلى رمز مضاد ينعكس إيجابيا على الناس».

وكان باص عين الرمانة قد شكل في سنوات السلام التي تلت سنوات الحرب اللبنانية إيحاء لمجموعة من الأفكار الطريفة التي اعتمدها البعض في مناسبات أفراح أو أعياد ميلاد أو أفلام سينمائية وغيرها، بحيث استأجر أحد اللبنانيين «باصا» شبيها له استخدمه حافلة تنقله وعروسه ومدعويه إلى الفندق الذي سيمضي فيه شهر العسل، فيما قدمه خطيبان هدية شكر لمدعويهم بعد أن أوصوا على 100 باص مصغر يشبهه (لعبة) من صنع الصين كتبا عليه تاريخ خطوبتهم الذي كان في 13 أبريل (نيسان) من عام 1998. كما اختاره المخرج فيليب عرقتنجي ليكون موضوع الفيلم الذي قدمه بعنوان «البوسطة» والمستوحى من الأحداث اللبنانية، الذي قدمه في قالب استعراضي غنائي راقص عام 2009.

أما «حركة السلام الدائم» وبالتعاون مع وزارتي المهجرين والتربية، فقد نظمت نشاطا سلميا بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين للحرب اللبنانية بمشاركة مجموعة من المدارس والثانويات من مختلف المناطق اللبنانية؛ إذ قام الطلاب بزيارة نصب «أمل السلام» الكائن قرب وزارة الدفاع في اليرزة، ووقفوا أمامه من الساعة الثالثة والنصف حتى الساعة الرابعة والنصف للتعبير عن رفضهم منطق الحرب ومعانيها السلبية، وللتأكيد على انتهاء هذه الحقبة السوداء في تاريخ لبنان الحديث. بعدها أكمل الطلاب تحركهم فتوجهوا إلى المتحف الوطني وأضاءوا الشموع تعبيرا عن رفضهم لاستخدام العنف بديلا عن لغة الحوار، وقد تم انتقاء هذين المكانين لأن الأول شكل نقطة البداية لبسط السلام؛ إذ يمثل مثوى عدة الحرب اللبنانية من أسلحة وعتاد، والثاني يذكرنا بخطوط التماس التي كانت تقسم لبنان وتبعد بين مواطنيه.

من جهتها، نظمت «جمعية فرح العطاء (تجمع وحدتنا خلاصنا)» برنامجا خاصا في هذه المناسبة تحت عنوان «لنبني الجسور ونلتقي» بدأ بدعاء ذي نص واحد تلاه 18 رجل دين من مختلف الطوائف اللبنانية على درج متحف بيروت، ابتهلوا فيه إلى الله ليسامح اللبنانيين على الأخطاء التي اقترفها بعضهم في حق بعض، ولينور عقولهم في الأيام المقبلة كي لا يقعوا أخطاء الأمس نفسها. وفي المرحلة الثانية، انتشرت سلسلة بشرية باللباس الأبيض على مدرج معرض رشيد كرامي في طرابلس يمسك بعضها بأيادي بعض لمدة ثلاثين دقيقة لتعبر عن وحدتها وتماسكها.

ويؤكد مارك طربية، أحد المتطوعين في «جمعية فرح العطاء» لـ«الشرق الأوسط» أنه تم اختيار مدينة طرابلس هذا العام لأنها تذكرنا بالحوادث الأليمة التي ألمت بلبنان، مشيرا إلى أن الهدف من هذا البرنامج هو تفادي «13 أبريل آخر»، وأنه «من غير المسموح بعد اليوم أن نعود إلى الملاجئ والمتاريس والقتال، ولنقول للبنانيين أنتم أصحاب القرار، وإن الحوار هو العنوان الذي يجب أن نتبعه في المستقبل فيما بيننا».

ولم تغب لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين في لبنان عن هذه الحفلات؛ إذ دعت إلى اعتصام أقيم وسط بيروت لمدة ساعة كاملة طالبت فيه إضافة إلى لجنتي أهالي المعتقلين في سوريا والمنفيين والمعتقلين اللبنانيين، بالإفراج عن أبنائها وإخوتها الذين يعود تاريخ اختفاء بعضهم إلى أواخر السبعينات.