المصريون يحتفلون بشم النسيم بعيدا عن ضجيج السياسة

هرعوا مبكرا للشواطئ والحدائق ورقصوا على إيقاع أغنية «الدنيا ربيع»

خرج مئات الآلاف من الأسر المصرية للاحتفال بشم النسيم في ساعة مبكرة وفي صحبة جماعية («الشرق الأوسط»)
TT

في ظل طقس ربيعي مشمس ومعتدل، هرب المصريون، أمس، من ضجيج السياسة وغبارها، وهرعوا منذ الصباح الباكر إلى الشواطئ والحدائق والمتنزهات العامة لقضاء عيد شم النسيم، بحثا عن نسمة هواء منعشة، بعد أن أثقلت كواهلهم ضبابية المشهد السياسي.

ومارس المصريون طقوسا ورثوها عن أجدادهم الفراعنة في هذا الاحتفال بشم النسيم أو عيد الربيع، الذي تحول إلى كرنفال شعبي، ينتظرون طلته كل عام بشوق جديد، وحفلت موائد الطعام بالأسماك المملحة (الرنجة والسردين والفسيخ والملوحة) والبيض الملون إضافة إلى الحمص والبصل الأخضر والملانة والخس.

وشهدت محطة سكة حديد العاصمة (القاهرة)، في ساعة مبكرة صباح أمس، انطلاق قطار المفاجآت الذي أعدته الهيئة العامة للمواصلات للاحتفال بشم النسيم، وانطلق القطار المزين بالملصقات المبهجة والبالونات في طريقه إلى إحدى المدن الساحلية غير المعلومة في مفاجأة للركاب، حيث يحتفلون على شواطئها بشم النسيم، ثم يعودون مساء إلى القاهرة.

وفي العاصمة القاهرة والمحافظات خرج مئات الآلاف من الأسر المصرية للاحتفال بشم النسيم في ساعة مبكرة وفي صحبة جماعية، ليستقبلوا شروق شمس اليوم، وهو يمرحون في الحدائق والحقول والمتنزهات، حاملين معهم طعامهم وشرابهم، وأدوات لعبهم، ومعدات لهوهم وآلاتهم الموسيقية، كما حمل الأطفال سعف النخيل المزين بالألوان والزهور، وأقيمت حفلات الرقص على أنغام الناي والمزمار البلدي ودقات الدفوف، مصحوبة بالأغاني والأناشيد الخاصة بعيد الربيع، كما شهد الاحتفال مباريات رياضية خفيفة وحفلات تمثيلية على مسارح العيد من الحدائق العامة.

قديما ارتبط عيد شم النسيم عند الفراعنة بالظواهر الفلكية، وعلاقة الإنسان بالطبيعة وتفتح الأزهار والنباتات، وكان الاحتفال به إيذانا ببدء عيد الربيع، وحلول موسم الاعتدال الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه طول الليل والنهار وقت حلول الشمس في برج الحمل.

كما شهدت القاهرة والمحافظات تعزيزات أمنية مشددة لضبط الخارجين عن القانون، والحفاظ على الأمن والنظام العام،كما كثف رجال المرور من خدماتهم بالمناطق العامة والسياحية والترفيهية لمنع التكدس المروري وتسيير حركة سير السيارات والمشاة.

وأطلق الفراعنة على ذلك العيد اسم «عيد شموش» أي عيد بعث الحياة، وتم تحريف الاسم على مر الزمن، إلى «شم» وأضيفت إليه كلمة «نسمة» نسبة إلى الربيع، فأصبح اسمه المعروف حتى يومنا هذا «شم النسيم».

وشهدت الإسكندرية عروس المتوسط وحديقة الحيوانات بها إقبالا كبيرا من الزائرين خاصة الأطفال لمشاهدة الحيوانات واللعب بأرجاء الحديقة، وحملت الأسر الأكلات الشعبية والأسماك المملحة، ومنها الفسيخ، لتناولها وقت الغداء، كما توافد الكثير من الزوار من المحافظات الأخرى على الساحل الشمالي ومدينة مرسى مطروح لقضاء العيد في أحضان البحر وأمواجه الهادرة.

ووسط الآثار والمعابد الفرعونية العريقة احتفلت محافظتا الأقصر وأسوان بالجنوب بشم النسيم، وحرص الأهالي على الوجود بالحدائق والمتنزهات منذ ساعات الصباح الأولى وشاركهم السياح الأجانب.. فيما شهدت الأماكن الأثرية خاصة البر الغربي ازدحاما شديدا.

كما توافد الكثير من السائحين على مدينة (إسنا) جنوب الأقصر التي تعد من المدن الشهيرة في صناعة وتقديم الأسماك المجففة منذ عصر القدماء المصريين، وذلك كنذور للآلهة داخل المعابد، حيث صار السمك المجفف رمزا للمدينة في العصر البطلمي، وصار اسمها «لاثيبولس» أي مدينة سمك قشر البياض حيث يقوم أهالي المحافظة بالاحتفال في هذه المدينة علي غرار الطرق الفرعونية القديمة المتوارثة.

وفي المحافظات الساحلية الأخرى كالإسماعيلية وسيناء والبحر الأحمر ودمياط وكفر الشيح والسويس وبورسعيد، تنوعت مظاهر الاحتفال بشم النسيم حيث توافد الآلاف من المحافظات المجاورة إلى سواحل مدينة العريش بشمال سيناء، وشرم الشيخ بالجنوب لقضاء شم النسيم في أجواء عائلية مشمسة، وعلى سواحل مدينة «فايد» على البحيرات المرة بالإسماعيلية لقضاء شم النسيم بالمدينة السياحية الشهيرة، بينما شهدت الأندية الشاطئية المطلة على المجرى الملاحي لقناة السويس إقبالا ملحوظا من جانب الزوار، خاصة رحلات الأندية والجامعات.

وقامت لجان تنشيط السياحة بالإقليم بتقديم حفلات السمر لعرض تراث إقليم القناة من الفن الشعبي، عبر الفرق الاستعراضية التابعة لقصور الثقافة، كما قامت الأجهزة المحلية بأعمال تشجير وتجميل للحدائق العامة خاصة حدائق الملاحة والشوارع والطرق الرئيسية للاحتفاء بالعيد.

وحرص أهالي مدينة الإسماعيلية وبورسعيد على إحياء ذكرى «دمى اللمبي» الشهيرة، التي تعد إحدى العادات الشعبية لإقليم القناة بإعداد دمى من القش تمثل رموز النظام السابق وحرقها. وقد اعتاد أبناء الإقليم حرق دمى رمزية لشخصيات غير محببة على المستويين المحلي والدولي، ويتم هذا الطقس سنويا بمناسبة شم النسيم، حيث قام أهالي الإسماعيلية من قبل بحرق عدد من الدمى الرمزية المسماة بـ«اللمبي» لشخصيات مكروهة على مستوى العالم من رموز السياسة والرياضة.

وشارك التلفزيون المصري منذ صباح أمس المصريين احتفالاتهم بشم النسيم، ونقلت كاميراته من القاهرة والأقاليم مظاهر الاحتفال، كما أجرت أحاديث ودية مع الأسر والأطفال والشباب، وكالعادة تصدرت أغنية سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني «الدنيا ربيع» الاحتفال بشم النسيم، وحلق صوتها العذب على أجواء الاحتفالات، كما رقص على إيقاعها الكثير من الفتيات والفتيان في الحدائق والتجمعات الأسرية.

وطبقا للتقسيم المصري القديم، فإن العام الفرعوني كان يقسم إلى ثلاثة فصول وليس أربعة، فصل «الأخت»، أي الفيضان، وفصل «البرت»، أي الزراعة، وفصل «الشمو» أي التحاريق أو الحصاد أو الصيف.

وما بين «البرت» و«الشمو» يأتي الربيع الذي تمتلئ مقابر الفراعنة وآثارهم بالرسوم والنقوش المعبرة عنه وخاصة مقبرة «مرروكا» في منطقة سقارة، التي تؤكد أن المصريين عرفوا أيضا حب الزهور وقدسوها وأعطوها اهتماما كبيرا للاحتفال بقدوم فصل الربيع.

وأوضحت وكالة الأنباء الألمانية في تقرير لها عن مناسبة الاحتفال أن الرسوم والنقوش الموجودة في معابد الفراعنة تشير إلى أن الأقصر أول مدينة تعرف فن الاعتناء بالزهور.

وقالت الباحثة فاطمة الضوى، رئيسة شبكة «الآن نيوز» المصرية إن سكان مدينة الأقصر عرفوا تقديس الزهور منذ آلاف السنين، وكان للزهور مكانة كبيرة في نفوسهم ونفوس كل الفراعنة، إذ كانت زهرة اللوتس رمز البلاد، كما كان يقدمها المحبوب لمحبوبته.

وتزخر مقابر مدينة الأقصر الأثرية الفرعونية بالصور المرسومة على جدرانها لصاحب المقبرة وهو يشق طريقه في قارب وسط المياه المتلألئة بينما تمد ابنته يدها لتقطف زهرة لوتس. وكانت أعواد اللوتس تقدم ملفوفة حول باقات مشكلة من نبات البردي ونباتات أخرى، كما تشكل باقات الورود اليوم، كما ترى أعمدة المعابد الفرعونية مزخرفة في طراز «لوتسي» يحاكي باقات براعم الزهور.

وصور المصريون أنفسهم على جدران مقابرهم ومعابدهم وهم يشمون الأزهار في خشوع، ويرجع بعض ذلك إلى الفرحة ويوحي بسحر الزهور لديهم.

وحظيت زهرة اللوتس بمكانة كبيرة لدى قدماء المصريين فكانوا يطلقون عليها اسم «الجميل»، وكان المصري يقضي أكثر الأوقات بهجة في فصل الربيع، وكانوا في ذلك الفصل يحرصون على ارتداء الملابس الشفافة ويهتمون بتصفيف شعورهم، ويكثرون من استخدام العطور والدهن لإظهار مفاتنهم.