بن معمر: معرض «الحج» كرس التواصل مع الشعوب الأخرى على أسس المحبة والسلام

المشرف العام على مكتبة الملك عبد العزيز العامة لـ«الشرق الأوسط»: 12 أسبوعا نجحت في تعميق فهم أهمية الحج وتاريخه

معرض «الحج.. رحلة إلى قلب الإسلام» نجح في تمكين زواره من تعميق فهمهم لأهمية الحج وتاريخه (تصوير: حاتم عويضة) وفيصل بن معمر مع نيل مكروغر مدير المتحف البريطاني
TT

اختتم في العاصمة البريطانية يوم الأحد الماضي معرض «الحج.. رحلة إلى قلب الإسلام» بعد أن حقق أرقاما قياسية في عدد الزوار بلغت (105000) وحصد اهتماما جماهيريا فائقا واحتفت به وسائل الإعلام العربية والعالمية بوصفه أول معرض من نوعه يتناول رحلة الحج من جميع جوانبها.

وكان لـ«الشرق الأوسط» حوار مع المشرف العام على مكتبة الملك عبد العزيز العامة فيصل بن عبد الرحمن بن معمر تناول فيه أصداء المعرض والمجهودات التي بذلتها المكتبة في سبيل أن يخرج المعرض بالشكل المشرف الذي ظهر به.

بداية، يقول بن معمر: إن فكرة المعرض نشأت عن «مبادرة من المتحف البريطاني، وتشرفت مكتبة الملك عبد العزيز العامة بتكليف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز؛ لتكون منسقة للجهات السعودية المشاركة فيه، كما كان لتوجيهات الأمير نايف بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، للأجهزة المختصة بشؤون الحج كبير الأثر في نجاح المعرض». وأشار بن معمر إلى الجهد الذي بذلته السفارة السعودية في لندن وإشراف الأمير محمد بن نواف، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى بريطانيا لكل صغيرة وكبيرة لتنظيم المعرض مما كان له أكبر الأثر في نجاح فعالياته، مشيدا بالجهد الذي قدمه الدكتور أحمد الدبيان، مدير عام المركز الثقافي الإسلامي في لندن.

وأضاف بن معمر أن المعرض الذي استمر أكثر من 12 أسبوعا في واحد من أعرق المتاحف العالمية «نجح في تمكين زواره من جميع أنحاء العالم من تعميق فهمهم لأهمية الحج وتاريخه، وأتاح الفرصة لغير المسلمين من اكتشاف أحد جوانب الإسلام، كما سلط الضوء على مغزى الحج وأهميته للمسلمين بوصفه أحد أركان الإسلام الخمسة».

وحسب ما يضيف بن معمر فإن المعرض أيضا «شكل تجسيدا لرؤى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في تهيئة بيئة ثقافية، تكرس التواصل مع الشعوب الأخرى على أسس المحبة والسلام عبر توظيف نقاط الالتقاء الثقافي المشترك وتعزيزها بما يخدم القضايا الإنسانية»، مشيرا إلى أن «مهمة معرض الحج الذي أقيم في لندن هي بناء للجسور والتواصل الثقافي والحضاري مع العالم في عصر يتسم بالكثير من المعلومات المضللة والصورة الذهنية النمطية للمسلمين في الغرب؛ وأعتقد أن هذا المعرض نجح إلى حد كبير في توضيح هدفه بتسليط الضوء على هذه الفريضة الدينية والجغرافية والتاريخية المدهشة».

وبالنسبة للجهات التي شاركت في هذا المعرض، يشير بن معمر إلى أن دور مكتبة الملك عبد العزيز العامة كان في المقام الأول هو التنسيق بين المتحف والمؤسسات السعودية التي شاركت في المعرض وهي جهات كثيرة مثل: المتحف الوطني؛ جامعة الملك سعود؛ الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف، ويضيف أن ذلك المجهود أثمر عن «51 قطعة من المملكة العربية السعودية، وهذه المعروضات شديدة التنوع وتعكس حضارات مختلفة».

وقسمت المعروضات على 3 أجزاء هي الأقسام الرئيسية للمعرض فعرض الجزء الأول، حسبما أشار بن معمر، منافذ وسبل التنقل للحجيج في رحلتهم إلى الحج. وتناول الجزء الثاني الشعائر التي يؤديها الحاج في مكة المكرمة والأماكن المقدسة، مع الشرح التوصيفي لها من خلال بعض المخطوطات المعبرة والقطع الأثرية. أما الجزء الثالث، فيظهر فيه كيفية تأثير الحج وشعائره الدينية المميزة في حياة الحاج بعد أدائه لمناسك الحج من ثراء روحي ونفسي من خلال إقامته في مكة المكرمة، وفيه مخطوطات عن الرحالة المسلمين وتجاربهم في الحج ومذكراتهم عنه، بالإضافة إلى عرض عدد من المعروضات بلغ قرابة 200 قطعة منها بعض القطع الأثرية والنفيسة والعملات النقدية والمخطوطات الإسلامية والصور القديمة والحديثة النادرة التي تزيد عن 50 يرجع بعضها إلى القرن الثامن الميلادي وفرتها مصادر مختلفة من المملكة وعلى رأسها مكتبة الملك عبد العزيز العامة.

وبعد نهاية المعرض كان لا بد من استعراض الفوائد التي حققها والآثار التي ستنعكس بالتأكيد على أي فعاليات قادمة تعتمد على التعاون الثقافي بين المؤسسات السعودية والعالمية، ويشير بن معمر في هذا الصدد إلى أن المعرض كان «من أهم الفعاليات الثقافية والتاريخية التي شهدتها العاصمة البريطانية لندن في العقود الأخيرة، ولعله أكبر فعالية ثقافية ذات بعد ديني تحدث في العالم بشكل عام وفي أوروبا بشكل خاص»، ويضيف «أعتقد أنه قد نجح في توسيع وتعميق فهم الزائرين لتاريخ الحج ومكانته عند المسلمين؛ والاطلاع في الوقت نفسه على الجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة العربية السعودية، لتذليل كافة الوسائل أمام الحجيج، وتسليط الضوء على الكثير من المشروعات التطويرية التي قامت بها المملكة مثل: توسعة الملك عبد الله بن عبد العزيز للمسجد الحرام وما تمت توسعته خلال المراحل التاريخية منذ إنشاء المسجد الحرام إلى يومنا هذا. وفيه أيضا مشروع توسعة المسعى، ومشروع تنمية وتطوير جسر الجمرات، وأيضا ما يتعلق بقطار الحرمين وهو المشروع الكبير لنقل الحجاج بين مكة والمشاعر ذهابا وإيابا، ثم مشروع كسوة الكعبة المشرفة، ومشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لسقيا زمزم، والذي أنشئ له مصنع خاص يقوم بالتصفية والتنقية لماء زمزم وتعبئته بالطرق الحديثة».

المعرض كما يشير بن معمر «سجل إقبالا مشهودا من الزوار حيث بلغ عددهم في أول 10 أيام منذ الافتتاح أكثر من 13 ألف زائر، بالإضافة إلى نفاد التذاكر في وقت مبكر لأول عطلة أسبوعية بعد الافتتاح، وحتى نهاية شهر مارس (آذار) الفائت كان عدد الزائرين قد بلغ أكثر من (105000) زائر. وهذا الرقم يعد ممتازا جدا وفقا للمعارض التي يقيمها المتحف البريطاني».

وحول المردود الثقافي الذي جنته مكتبة الملك عبد العزيز من التعامل مع المتحف البريطاني عما إذا كانت هناك نية للاشتراك في معارض أخرى قادمة قال بن معمر: «مجرد المشاركة في أي من المعارض الدولية، هي مسؤولية كبرى نحملها، بل إنها تشكل عبئا ثقيلا، ليس بسبب المشاركة، ولكن للدور المهم المنوط بالمشاركة، وتحقيق الهدف، وتوصيل الرسالة». وأضاف قائلا: «حظيت مكتبة الملك عبد العزيز العامة بشرف التكليف لها بمهمة التنسيق للجهات السعودية المشاركة في هذا المعرض، وعرض الجوانب الإنسانية لرحلة الحج، وما تحتويه متاحف المملكة من قطع متخصصة ونادرة، وشواهد تحكي المعاني الإنسانية لدى المسلمين من جميع الحضارات والثقافات في أبهى صورها؛ جنبا إلى جنب مع إبراز دور المملكة العربية السعودية في تطوير مفهوم الخدمة للحجيج».

وتنعكس تلك المشاركة إيجابا على المكتبة التي «تسعى وفق برنامج ثقافي يعنى بالحوار بين الثقافات والحضارات إلى دعم الاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة وتقوية معرفة كل جانب بالجانب الآخر».

وحول أثر ردود الفعل الإعلامية قال بن معمر: «كان هناك اهتمام كبير وواضح، خاصة من قبل الجاليات المسلمة في بريطانيا بهذا المعرض؛ فقد أفردت صحف ومجلات أسبوعية ناطقة باللغة الإنجليزية مساحات واسعة في أعدادها لتسليط الضوء منذ بداية الاستعدادات لهذا المعرض، كما غطت تغطية كاملة لحفل الافتتاح الرسمي للمعرض من داخل المتحف البريطاني. وبذل بعضها جهدا مقدرا في نقل فعاليات المعرض».

وقد فرض المعرض موقعه على أجندة التغطيات الصحافية في المملكة المتحدة فجاءت تغطياتها للحدث حيث تناوبت على هذه التغطية ما يعرف بالصحف والمجلات الجادة وأيضا الصحف الشعبية مثل «الغارديان»، و«التايمز»، و«الفايننشيال تايمز»، و«الديلي تلغراف»، و«الإندبندنت»، و«الإيكونوميست»، و«نيوستايتسمان»، و«الديلي ميل»، و«إيفننغ ستاندرد». كما أشار بن معمر إلى التغطية التي نالها المعرض في وسائل الإعلام الجديدة ومواقع التواصل الاجتماعي حيث «امتلأت الوسيلتان بكثير من التغريدات على (تويتر) والتعليقات على (فيس بوك) وعكست كثيرا جدا من الانطباعات الإيجابية من المسلمين وغيرهم مما أخذ بعدا كبيرا في عكس آراء الناس مما يجب رصده ويكون جزءا مهما من آراء الناس وردود فعلهم».