«روميو وجولييت في بغداد».. مسرحية تحكي العنف والتوتر الذي شهده البلد ما بعد 2003

تفسير عراقي لأشهر عمل شكسبيري يتناول الصراع الطائفي

الفنان حيدر منعثر والممثلة سروة رسول في مشهد من «روميو وجولييت في بغداد» (رويترز)
TT

باجتهاد بالغ، وصل حد التعصب، وباقتراب واضح ومقصود من الواقع العراقي الميال للعنف والتوتر ما بعد 2003، حاول ممثلو مسرحية «روميو وجولييت في بغداد» في نسختها العراقية الجديدة، الاقتراب من الأحداث الصعبة التي مرت بها البلاد، عبر تسليط الضوء على معاناة عاشقين عراقيين في بلد تعمه الصراعات والفوضى.

المسرحية التي عرضت أمس على خشبة المسرح الوطني المعد للتأهيل الآن، تحكي قصة عائلتين عراقيتين تنتميان إلى طائفتين مختلفتين في العقيدة. وتقود الخلافات والتعصب الديني إلى معارضتهما لزواج شاب من هذه العائلة بشابة من عائلة أخرى. لكنهما يقرران مع ذلك الزواج سرا، على الرغم من معارضة أهليهما. وفي ختام المسرحية يلقيان حتفهما في انفجار إرهابي في إحدى كنائس بغداد، في أحداث تشابه تماما ما يعقب الهجمات الانتحارية التي غزت بلاد ما بين النهرين بعد الاحتلال الأميركي 2003.

وعلى الرغم من أن تعابير أصبحت دارجة في المجتمع العراقي اليوم كالسنة والشيعة، فإنها لم تطرح بطريقة واضحة في أحداث المسرحية، مع بقاء أسماء شخصياته فيرونية، فإن العائلتين (كابيوليت ومونتاغو هنا أخوان) تتجادلان حول ملكية مركب ورثتاه عن الأب. بهذا الشكل فإن مسألة من الذي يدير الدفة تصبح استعارة للصراع في العراق، حكايات القتل التنافسي التي تستخدمها العصابات من كلتا الطائفتين والتي يعرفها الجمهور المحلي.

صلاح مونيكا أحد أبطال العمل، وهو يجسد الرجل الأساسي في النسخة المعادة المحدثة للمسرحية، عبر عن سروره لتجسيده الدور الذي يمثل له نقلة كبيرة في مسيرته الفنية، ويصف مشاعره بالقول: إن المسرحية ربما تجعلك عصبي المزاج، فهناك شيء غير واضح وحتى غير محترم في إعادة إظهار الشجار العائلي بين عائلة مونتاغو وعائلة كابيوليت في القتل الجماعي، على شكل صراع من أجل السلطة ما بين طائفتين.

ويبدو المخرج البارع مناضل داود متحديا في طرحه العمل، خصوصا مشاهد أنين للشقيقين كبيري السن اللذين يعيدان المعارك منذ سنوات الحضانة. في حين يجسد المشهد الأخير في كنيسة سيدة النجاة في بغداد، التي تدمرت خلال إحدى الهجمات الإرهابية، حيث تقع الكنيسة على مقربة من بناية المسرح الوطني مكان العرض الأول للمسرحية.

مخرج العمل مناضل داود يقول إن مسرحيته هي «دعوة لوضع ثوابت التقاليد وراءها، الناس يريدون أمثال روميو وليس ثيبولت، تريد البطل الشعبي ثانية، الناس يريدون أن يصبحوا أبطالا، أعتقد أن روميو وجولييت في بغداد ستكون مرآة، حيث يرى الجمهور نفسه على المسرح».

وهي في الوقت نفسه جزء من تحد وضعته شركة «شكسبير الملكية للمجاميع المسرحية» في العالم من أجل خلق نسخ معاصرة للنسخة الكلاسيكية بمناسبة أولمبياد لندن. وسيكون أداء المسرحية باللغة العربية لكن مع عناوينها الإضافية بالإنجليزية، وسيحضرها الكثير من الجمهور البريطاني، بالإضافة إلى الذين سيشاهدونها في العراق، هناك آلاف من الفنانين الذين سيجتمعون من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في تقديم أكثر من 70 إنتاجا مسرحيا من روائع شكسبير.

ويتابع داود قائلا: «كل ما يتمناه المرء هو أن تكون المسرحية تصحيحية وتفرض الحقيقة فوق كل القيم المتعبة. لا أستطيع القول إن مشاهدتها ستجعل الجمهور يرغب في مشاهدة المزيد عن العراق، أو أن يفهموه أكثر. لكن العراق فيه حالمون كما في أي مكان آخر. إن دعوة مونيكا للجمال وسط العذاب تستحق الاستماع إليها».

والفنان والمخرج المسرحي مناضل داود عاد إلى العراق في أوائل عام 2008 بعد أن درس المسرح في بغداد في أعوام السبعينات من القرن الماضي، إلا أن اختياره غير الموفق كمخرج لأول مسرحية وهو في العشرينات من عمره، قد انتهى به إلى المنفى، وشارك في عدد من الأعمال التلفزيونية، ومن أهم أعماله إخراج مسرحية «هنا بغداد» في عام 2009 على خشبة المسرح الوطني. ذلك العمل الذي أثار جدلا في الأوساط الثقافية؛ إذ تناول الدسائس السياسية في عهد النظام الديكتاتوري في العراق. في محاولة لتقديم عرض عراقي يدافع عن الشخصية العراقية التي تكاد تمحى بسبب الصراعات السياسية، وبعد ذلك قدم داود مسرحية «مخفر الشرطة القديم» من تأليفه وإخراجه، ثم جاء عمله الجديد «روميو وجولييت في بغداد» الذي قدمه أول مرة في أواخر مارس (آذار) 2012 على خشبة المسرح الوطني في يوم المسرح العالمي، وجسدت دور جولييت الفنانة سروة رسول، كردية الأصل وتنحدر من عائلة إيرانية، وهي تشعر بأن المسرح حرب بقدر ما هو هجوم على الحرب. فيه لحظة عندما تنفجر جولييت بالبكاء والفزع والنحيب، وعندما تؤدي سروة ذلك فإنك تستحضر فورا صورة الأمهات العراقيات وهن يجثون على ركبهن ويبكين لحظة دوي الانفجارات.

ويشارك في المسرحية عدد كبير من الفنانين العراقيين الكبار، أبرزهم المخرج والممثل المسرحي سامي عبد الحميد وحيدر منعثر، بالإضافة إلى عدد من الفنانين الشباب.

ويُعد مهرجان شكسبير العالمي الذي يستمر حتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 أكبر احتفالية بالموروث الأدبي الوافر للشاعر والكاتب الذي ألف مئات الأعمال الأدبية التي تتراوح ما بين مسرحيات وقصائد منوعة.