صمغ خارق يلتصق.. ويتحلل بالأشعة فوق البنفسجية

يستخرج من الأصداف البحرية

صمغ بحري
TT

تعتبر الأصداف البحرية، التي تعيش على الصخور في قيعان البحار، من أهم الأحياء المنتجة للصمغ القوي في العالم، بحكم وجود مادة لاصقة طبيعية تستخدمها للالتصاق بشكل لا ينفصل عن الصخور. ولاحق العلماء الألمان، من معهد ماكس بلانك المعروف، هذه الأصداف طوال ثلاثة عقود بهدف نقل هذه الميزة الطبيعية إلى الإنسان ووضعها في خدمته.

وبعد نجاحهم في إنتاج مادة أولية تشبه صمغ الأصداف، وإنتاج مادة لاصقة أخرى «ذات أرجل» تقلد الحشرات في الالتصاق على السطوح الملساء، توصلوا حاليا إلى إنتاج صمغ ذكي من الأصداف، قادر على الالتصاق، أو التحلل، عبر تلقي الإيعازات من الخارج. وذكر المعهد في تقرير له أن المادة اللاصقة الجديدة مناسبة للاستخدام تحت الماء وفي أعماق البحار التي يتعذر على الإنسان بلوغها.

وجاء في تقرير للمعهد نشر في مجلة «العلوم التطبيقية» أن اللاصق الجديد، المستمد من الأصداف، يرمم نفسه بنفسه، كما يحتوي على مواد «شافية» للجروح عند استخدامه في لصق الجروح البشرية.

وحسب وصف التقرير فإن اللاصق يفي بثلاثة تحديات كانت تقنية إنتاج الصمغ تتصدى لها وهي:

1 - إمكانية استخدامه في لصق المواد تحت الماء، وعدم تحلله في الماء رغم مرور الزمن.

2 - إمكانية استخدامه في لصق وترميم أنابيب النفط والغاز العابرة تحت البحار.

3 - إمكانية لحم الجروح النازفة أثناء إجراء العمليات.

وتعود قدرة الأصداف البحرية للالتصاق الشديد على سطوح الصخور تحت الماء، وعلى جدران السفن والقوارب (السطوح الخشبية والمعدنية الملساء)، وعلى جلود الحيتان (السطوح الحية)، إلى مادة لاصقة تعتبر الأحماض الأمينية من نوع دايهايدروكسي فينيل أمين «دوبا» (Dihydroxyphenylamine/ DOPA) المكون الأساسي لها.

وتتحول المادة اللاصقة المحتوية على الأحماض الأمينية «دوبا»، عند تماسها بالسطوح، إلى شبكة متماسكة من البوليمرات، وتمتلك الأخيرة القدرة، عند تماسها مع الصخور كمثل، على خلق مادة أوكسيدية غير عضوية مشتركة بينها وبين الصخور. وتستخدم الأصداف في هذه العملية العديد من الأيونات المعدنية، مثل أيونات الحديد، لمنح المادة اللاصقة متانة كبيرة، ولجعلها قادرة على ترميم نفسها بنفسها.

علماء معهد ماكس بلانك، بقيادة الباحث ارانزازو ديل كامبو، أنتجوا بوليمرا مشابها على شكل نجمة رباعية الزوايا، وعلقوا في هذه الزوايا أحماضا أمينية تحتوي على النيترودوبامين، وهي أحماض من عائلة «دوبا» نفسها. وأثبتت هذه النجوم أنها قادرة على الالتصاق مع بعضها وتكوين وسط لاصق قوي قادر على ترميم نفسه بنفسه كما هو الحال مع الوسط الذي تنتجه الأصداف ويحتوي على الـ«دوبا».

وكتب ديل كامبو أن الوسط النجمي اللاصق يتكون، ويلتصق، ويتجمد خلال دقائق معدودة تلي استخدامه تحت الماء. ويعود الفضل إلى جزيئة النيترودوبامين، التي أضافها العلماء إلى الزوايا النجمية، في منح اللاصق الخارق الجديد صفة إضافية، وهي إمكانية تحفيزه من الخارج على التحلل والعودة إلى مكوناته الأصلية. ونجح العلماء في إصدار أوامر التحلل عن طريق تعريض اللاصق إلى الأشعة فوق البنفسجية عن بعد.

ولا يفكر العلماء في استخدام الصمغ الصدفي الخارق في الغواصات والبواخر وأنابيب الغاز والنفط تحت البحار فحسب، وإنما في العديد من المجالات الأخرى. فاللاصق يمكن استخدامه في العمليات الجراحية للصق الجروح، وفي المختبرات لاستنبات البكتيريا عليه باعتباره وسطا يعيد ترميم نفسه بنفسه، وفي ترميم الكسور والعظام.. إلخ.

لاصق يقلد الحشرات وكان علماء المعهد نفسه توصلوا إلى طريقة التصاق جديدة على السطوح العمودية، تقلد أرجل الحشرات الزاحفة، وتزود إنسان المستقبل بالقدرة على المشي على السطوح القائمة. وهذا يعني إمكانية أن نرى «سبايدرمان» يوميا وهو يتسلق جدران ناطحات السحاب وهو يطارد مجرما هاربا.

وذكر معهد ماكس بلانك، قسم الأبحاث على المواد، في تقرير صحافي، أن العلماء الألمان قلدوا زوائد شعرية في أقدام الحشرات تعينها على المشي على السطوح الملساء، إذ تبين من فحص أرجل مختلف أنواع الخنافس أن سر قابليتها على المشي على الجدران يكمن في زوائد من شكل خاص، تشبه الفطر، وتوفر للحشرات آلية بيولوجية للالتصاق. ويفترض أن المادة الجديدة شفافة لا تترك أثرا على السطوح بعد المشي عليها، كما يمكن غسلها باستخدام الماء والصابون فقط.

وذكر ستانيسلاف غورب، رئيس المشرع في معهد ماكس بلانك، أن فريق عمله استخدم 5 سنتيمترات مربعة من المادة لتحريك روبوت حشرة صغيرة وزنها 120 غم على سطح أملس. ولأن قدرة الالتصاق الحشرات على السطوح ترتبط بطول الزوائد وحجمها فإنه من الممكن إنتاج المادة بزوائد أكبر وأشكال معينة كي يتاح لها تحمل الأجسام الثقيلة.

6000 مادة مستخلصة من الكائنات البحرية تستخدم في الطب وبعد نجاح العلماء الأميركان في إنتاج صمغ خارق للأشياء من بكتيريا كولوباكتر كريسنتس، جاء دور الباحثون الألمان ليعلنوا عن استخلاص صمغ للصق الأنسجة البشرية والعظام من الأصداف الشوكية البحرية. وكتب العلماء في النسخة الألمانية من مجلة «جيو» أن الصمغ الجديد سيحدث ثورة في عالم الطب والجراحة، وأن عصر الإبر والخيوط الجراحية قد ولى.

وكان العلماء من جامعتي روستوك وغرايفسفالد (شرق ألمانيا) قضوا 15 سنة في البحث عن لاصق مدهش يمكن استخلاصه من الكائنات البحرية الصغيرة. ووجدوا ضالتهم في مادة تستخدمها القواقع الشوكية في الالتصاق على السطوح الصخرية في الأعماق. وتتكون المادة من نوعين من البروتين يكونان معا سر اللاصق الخارق.

وكتبت الباحثة أولريكه لينكويست أيضا أنه تم تجريب المادة بنجاح على الحيوانات وأثبتت قدرتها على لصق أعمق الجروح. وينتظر، في المرحلة الثانية من التجارب، أن يجري تجربتها على الإنسان.

ويقدر الباحثون وجود نحو 6000 مادة مستخلصة من الكائنات البحرية الصغيرة تستخدم في الطب على المستوى العالمي، وتم اكتشاف 300 منها في الجامعتين الألمانيتين من ولاية ميكلنبورغ فوربومرن الشرقية. وتحدثت لينكويست عن اعتقادها بوجود نصف مليون كائن بحري صغير يعيش في الأعماق لم يستكشف بعد.

وكانت لينكويست وزملاؤها قد استخلصوا مادة لاصقة من الأشنات البحرية تتمتع بمقاومة فريدة للفطريات والسوسة التي تصيب الخشب. وفي حين أبدت شركة «هايتلاند» الألمانية اهتمامها بحيازة براءة اختراع الصمغ المستخلص من الأشنات، عبرت شركة بارخم (شمال) عن رغبتها في استخدام لاصق الأنسجة البشرية لإنتاج مواد تجميلية ضد تقدم سن البشرة ولمعالجة القروح.