المعرض الدولي للفنون «آرت كولون» يفتح أبوابه

«رجل الكراسي» يعرقل مدخل المعرض و«المرأة تخرج من قمقم الرجل»

تمثال «المرأة الصيادة» من أعمال الألماني نيو راوخ و جانب من المعرض الدولي للفنون «آرت كولون» و«الجمجمة» للفنان الفرنسي برونو باينادو
TT

يصطدم زوار المعرض الدولي للفنون «آرت كولون» (19 - 22 أبريل/ نيسان، 2012) منذ اللحظة الأولى التي تلي وصولهم إلى بوابة المعرض الواقع على ضفة الراين، بما هو كبير ومثير في عالم الفن. إذ عمدت إدارة المعرض إلى فرش المدخل بالرمل ونصب المنحوتات الضخمة عليه بهدف تذكير الزائر بأنه يدخل عالم الفن من أوسع أبوابه، وأنه يجول فيه بدءا من أولى مراحله الفنية عندما كان يعيش في الكهوف.

تماثيل ضخمة، من الصخور المنصوبة على بعضها بعضا، عند مدخل المعرض تذكر بالأعمال الصخرية الكبيرة لحضارات المايا والأزتيك في وسط وجنوب أميركا، وتبعث في النفس شعورا بأن ما سيراه في المعرض هو استعراض فعلي لتاريخ الفن في العالم. وواقع الحال أن «آرت كولون»، والنسخة الحالية منه «آرت كولون 46»، عبارة عن بورصة فنية كبيرة تباع فيها وتشترى آلاف اللوحات الفنية من مختلف العصور.

المفاجأة الثانية التي تنتظر الجمهور هي «غابة» من الكراسي الخشبية التي تعترض طريقه في الطريق إلى القاعة الأولى من المعرض. وهي 120 كرسيا من مختلف الأشكال والأحجام نحتها الفنان الصيني هي زيانغوي (في بكين) من خشب مستمد من جسر خشبي قديم. اسم العمل «رجل الكراسي»، وأراد له الفنان متعمدا أن يعرقل مسيرة الناس كي يحيي في أذهانهم دور الكرسي التاريخي في صنع الديكتاتوريات وإشعال الحروب.

وكما أسلفنا فإن معرض «آرت كولون» من أهم المعارض الفنية في العالم، وهو يقام سنويا منذ نصف قرن، ولا يزال يحتفظ بحيويته، رغم منافسة العاصمة برلين وتأسيسها معرضا مماثلا منذ نحو 10 سنوات. وعملت إدارة المعرض الجديدة على تصغير قاعات العرض، والتركيز على صالات العرض الدولية، والأعمال النوعية. ويبدو أنها نجحت هذا العام في تجاوز «كرسي» برلين بفضل المساهمة الفعالة لصالات العرض الأميركية والسويسرية والنمساوية الكبيرة. وكان اختيار اتحاد صالات العرض الأميركية (نادا) لكولون، وتفضيل معرضها على برلين، من أهم العوامل التي جعلت دانييل هوغ، رئيس «آرت كولون» يتحدث عن «مدى جديد» للمعرض الـ46 في مدينة الدوم.

شارك اتحاد صالات العرض الأميركية بـ33 «غاليري»، أصبحت إلى جانب صالات العرض السويسرية (13) والنمساوية (11) من أهم الصالات المشاركة التي زاد عددها على 200 صالة. وكما تتنوع اللوحات ومواضيعها تتنوع أسعار الأعمال هنا وتتراوح بين 300 يورو و10 ملايين يورو، علما بأن أصحاب الصالات لم يسعّروا مئات اللوحات وتركوا السعر لأعمال المزايدة. وتسهم في معرض هذا العام صالات من 26 بلدا مختلفا ينتظر أن تجتذب أكثر من 60 ألف زائر خلال 3 أيام.

وطبيعي فإن الكتابة متعذرة عن هذا المعرض، باعتباره معرضا موحدا، لأنه يجمع أعمال الغاليريهات من كل العالم، من كل المدارس، من مختلف الأحجام والألوان، ومن مختلف العصور. فهناك أعمال لفناني القرون الوسطى، إلى جانب أعمال فناني القرن العشرين، خصوصا بابلو بيكاسو وسلفادور دالي وأندي وورهول وإميل نولده وغيرهم، إضافة إلى أعمال الفنانين المعاصرين من أمثال جيرهارد ريختر ونيو راوخ وبرونو باينادو.

ومن يلج الصالات الأميركية ستستقبله صافرات الإنذار ونفير سيارات الشرطة كما في أفلام هوليوود. فالأعمال المعروض هنا، وتسود فيها أعمال «البوب آرت»، تتناول الحياة اليومية في المدن الأميركية وأعمال العنف والإرهاب. فهناك تمثال لرجل يربط شريط حذائه في غفلة عن حركة الشارع، إلى جانب تمثال رجل أخضر اللون يقف في نافذة مخزن لبيع الملابس وينتظر نهاية العصر النووي. والإرهاب ماثل في القاعة بهيئة رجل من خشب يحمل في يده اليسرى قنبلة مولوتوف وفي يده اليمنى علبة بنزين قد تحرق العالم وتحرق جسده الخشبي الجاف أيضا.

والسيدة العارية الخارجة من القمم كالجني هي امرأة شقراء خرجت من داخل الموزة بعد أن قشرتها في ثلاث قطع. وامرأة الموزة «جيكيتا» من أعمال الفنان الأميركي ميل راموس المعروف بتكويناته التي تذكر بموجة «البوب آرت» في الستينات من القرن العشرين.

يمكن القول، وهذا ما يتفق معه رئيس المعرض دانييل هوغ، إن «آرت كولون» 2012 سادت فيه الأعمال النحتية والتكوينية، وكانت الأكثر جذبا للزوار. وكان تمثال «الصيادة» أكثر الأعمال جذبا للجمهور بسبب تعامله مع أزمة اليورو الحالية. فالمرأة الصيادة من أعمال الألماني نيو راوخ تعلق في جيدها قلادة من الجماجم، وعلى كتفها بومة تذكر ببومة إلهة الحكمة أثينا (عند الإغريق)، وتصور بالتالي الشعب اليوناني كضحية لحكومته التي تنتظر هبوط إله اليورو من سماء «أولمب» الاتحاد الأوروبي.

الفنان الفرنسي المعروف برونو باينادو، وهو نحات في المقام الأول، عرض جمجمته المعروفة باسمه، والتي تذكر بصالات التشريح الحديثة في المستشفيات. وباينادو استبدل بالكرة البلورية، التي تعلق في المراقص وتبعثر النور على الراقصين، جمجمة بلورية تبعثر الضوء على وجوه الزوار. والجمجمة تذكر أيضا بأجواء صالات الرقص التي يختلط فيها مزيج الموت المكون من الكحول والدخان والضجيج والمخدرات، وربما يقصد الفنان ما هو أكثر، أو ربما أنه لا يقصد أي شيء.

وكما قلنا فإن أسعار العديد من اللوحات غير مثبتة، خصوصا أعمال الفنانين الكبار، لأن أصحاب صالات العرض يحتفظون بالسعر مفاجأة للآخرين، لكن أغلى لوحة معروضة كانت للفنان الألماني إرنست لودفيغ كيرشنر المتوفى سنة 1938. وهو من مؤسسي جماعة «الجسر»، التي تأسست في نهاية القرن التاسع عشر ببرلين، وسعر لوحته المعنونة «الجبل» يبلغ 3 ملايين يورو.