معرض في اليونيسكو يكشف الوجه الأنيق للفن المعاصر في المملكة

3 تشكيليين سعوديين يتألقون في باريس

نجلاء مع زائر فرنسي يستفسر عن أعمالها
TT

لا يمكن لزائر مبنى اليونيسكو، هذه الأيام، أن لا يلاحظ تلك اللوحات اللافتة للنظر في الباحة الرئيسية. ففي إطار الأيام السعودية التي استضافتها المنظمة الدولية وشملت ندوات وعروضا موسيقية وتراثية، جاء معرض الفنون التشكيلية ليشكل نقطة ثقل في المنهاج المتنوع والممتع.

رسامان ورسامة، وقفوا أمام لوحاتهم في حفل الافتتاح، مثل حراس مرمى يدافعون عن منجزهم الإبداعي ويتلقون كرات الاستفهام، بل الاستغراب، من الجمهور، ويردون عليها بكل ثقة. نعم، فما زال هناك من يحمل عن السعودية نظرة متأخرة تستكثر على بلد يشكل قبلة دينية للمسلمين أن يرعى حركة ثقافية متميزة وفنونا تشكيلية تجيد التعبير بلغة العصر.

إن من يطالع أعمال الفنان الشاب فهد خُليف يتسمر أمام عالم فردوسي من المنمنمات والأطيار والخيول والأسماك والطلاسم والنبات، تندس في ثناياه خطوط عربية وكتابات مموهة تقول ولا تقول. إن الفنان الذي كان يوصف بأنه متأثر، في أعمال سابقة، بالرسام الفرنسي ماتيس، ينقلنا اليوم إلى مستوى شديد النضوج للوحة ذات ملامح عربية مميزة، غير آبه بأولئك النقاد الحداثيين الذين يعيبون على الفنان تمسكه بهوية إقليمية واضحة.

يجيد خُليف، الذي يعمل أيضا مشرفا تربويا في جدة، لعبة الألوان وتوزيع الكتل في اللوحة. وهو بعد الكثير من المعارض الشخصية والمشاركات في معرض عبر العالم، توصل إلى أسلوب خاص لا تخطئه العين، يقوم على اشتغال دقيق وصبور لنقل عالمه الداخلي وهواجس طفولته إلى سطح اللوحة. ويخيل للرائي، أحيانا، أن الفنان يطرز قماشة اللوحة بريشته التي لا تهمل تفصيلا وبذوق قادر على خلق عوالم دافئة تخاطب المتلقي بألفة، مهما كان انتماؤه أو جنسيته. أليس هذا جزءا مما يسمى بالحوار الحضاري؟

للرسامة نجلاء السليم أسلوب مختلف. فهذه الفنانة التي سبق أن عرضت أعمالها في المركز الثقافي السعودي في باريس، في الخريف الماضي، تشتغل بريشة عريضة تضرب بقوة وجرأة لتشكيل موجات لونية جامحة تجرف في طريقها كل التفاصيل. فهذه الفنانة التي ولدت وترعرعت في بيت فني وتعلمت مبادئ الجمال من والدها محمد السليم، الذي كان رساما رائدا في السعودية، درست الكيمياء في الجامعة ثم الفنون التشكيلية في أميركا.

تقول نجلاء إنها عندما ترسم فلأنها تقيم حوارا مع اللوحة البيضاء أمامها، حيث تتحرك الصور والمشاعر في داخلها، وتدفعها لأن تفرغ تلك الشحنة النفسية على القماش. إن ما تنجزه ريشتها هو ما يلقى صدى ذاتيا لديها، دون التفكير بما قد يعجب المتفرج أو لا يعجبه. إنها تمزج ألوانها بحس عال حتى تبلغ الدرجات اللونية التي تريد، ثم تترك لفرشاتها الثائرة بقية المهمة. وفي النهاية، فإن نجلاء السليم تقول عبر لوحاتها الكثير مما يعتمل في نفس امرأة مليئة بالطموح والكبرياء، تتمسك بالرسم بالتناغم مع وظيفتها كمدرسة للتربية الفنية وبالتوازي مع كونها زوجة وأما لثلاثة أبناء.

الثالث هو فيصل الخديدي، صاحب الأعمال التي تشبه لقى ورقاعا وألواحا أثرية تم العثور عليها تحت رمال الجزيرة. إنها ألوان وتشكيلات من مواد مختلفة ومنفلتة من الشكل الهندسي المألوف للوحة الفنية المؤطرة التي اعتدنا مشاهدتها معلقة على جدران البوت والمكاتب أو المعارض والصالات الفنية. إن في ثنايا تلك الأعمال الكثير من التعاويذ والرموز الخطية والأشكال المعتقة والرؤى التي تحيل إلى ماض غني في صمته الرهيب ومنطوقه المقدس.

عن أعمال الخديدي، كتب الناقد والشاعر أحمد سيد نبوي يقول إن تجربة هذا الفنان ستترك أثرا مدهشا في تاريخ الفن التشكيلي السعودي وفي مخيلات المشتغلين به. وهو يصف أسلوب الخديدي بأنه «يؤثلج» المواد الغالية والأثيرة على قلب الفنان وكأنه يحوطها ويجمدها ويحفظها من الانجراف أمام رياح العولمة الهابة على العصر. لقد قام بتجميد صور أصدقائه وأفراد عائلته، بل وحتى أطروحته التي أعدها للماجستير. ويقارن الناقد بين دأب الفنان والهوس المصري القديم بالتحنيط وبناء المقابر الحاوية لكل مستلزمات الحياة. إنه عصر ثلجي يغطي حضارات الرمل ويضن بها على أن تتحول هباء منثورا.

وهنا تنبغي الإشارة إلى أن فيصل الخديدي ليس رساما فحسب، بل ناقد ومنظر لحركة الفن التشكيلي في المملكة، وله مقالات ودراسات كثيرة عن أعمال زملائه ومعاصريه، مما يجعل منه لاعبا ومتفرجا في آن.