قناة تلفزيونية بريطانية تدلي بدلوها في الحرب الثقافية بإيران

اعتبرها خبراء الإعلام نافذة يمكن أن تكون جزءا من الثقافة الشعبية العالمية

برنامج «بفرماييد شام» وتعني بالفارسية «مرحبا بك على العشاء» وهو المقابل الإيراني للبرنامج البريطاني «هيا تناول العشاء معي»
TT

أربعة إيرانيين يتجمعون حول وجبة عشاء ساخنة وهم يطلقون النكات بالفارسية خلال تناولهم أطباقا تقليدية من الأرز بالزعفران واليخنة. إنه مشهد يمكن رؤيته هناك في طهران، لكنه مجرد لقطة من عرض لتلفزيون الواقع جرى تصويرها في أوروبا وبثت عن طريق القمر الصناعي من استوديوهات في جنوب غربي لندن.

وعن طريق برنامج «بفرماييد شام» وتعني بالفارسية: «مرحبا بك على العشاء»، وهو المقابل الإيراني للبرنامج البريطاني «هيا تناول العشاء معي»، ضربت قناة «مانوتو 1» المملوكة لأسرة إيرانية على وتر حساس داخل إيران وظفرت على الأرجح بملايين المعجبين منذ إطلاقها في 2010. غير أنها أغضبت الحكومة الإسلامية في إيران.

وقال محمد، 25 عاما، من أصفهان الذي أجاب عن أسئلة وكالة «رويترز» على الإنترنت: «(مانوتو) أقرب إلينا ثقافيا من القنوات الأخرى وبرامجها أكثر متعة. الأمر كما لو أننا نشاهد أنفسنا على التلفزيون.. والمقدمون أناس يبدون كمثلنا».

وأطباق استقبال البث الفضائي محظورة في إيران وتتخذ الحكومة بين الحين والآخر إجراءات صارمة ضد أصحابها وتقدم في المقابل مزيجا من المواد الإعلامية المتنوعة من القنوات الغربية. لكن أطباق الاستقبال هذه يجري بيعها وتركيبها على نطاق واسع في السوق السوداء. وتقول تقديرات وحدة الرصد التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عام 2010 إن نحو 40 في المائة من الإيرانيين يشاهدون البرامج الفضائية التي تبث من خارج البلاد.

وبعد أقل من عامين من البث على الهواء تفوقت «مانوتو 1» على أقرب منافساتها وهي الخدمة الفارسية بهيئة الإذاعة البريطانية وقنوات «فارسي 1» و«جيم تي في» و«صوت أميركا» طبقا لعدد مرات «القبول» التي حصلت عليها كل قناة على صفحتها على «فيس بوك» وهو مقياس غير مثالي يستخدمه بعض الخبراء لتقييم القنوات بوصفه بديلا لشركات المسح الإعلامي المستقلة في إيران.

وحتى منتصف أبريل (نيسان) الحالي سجل 620 ألف شخص أنفسهم معجبين بـ«مانوتو 1» على «فيس بوك» وهو ما يزيد على ضعف العدد بالنسبة لأكبر منافس لها. لكن في بلد تحاول حكومته غرس القيم عبر الرقابة الصارمة على الثقافة الشعبية، فإن قناة ترفيهية مثل «مانوتو 1» تغضب السلطات التي تعتبرها جزءا من ثقافة «الحرب الناعمة» التي يشنها الغرب. ويقول مشاهدو القناة إن الحكومة الإيرانية تشوش على إشارة البث أحيانا.

وقال الباحث محمد رضا خسرو في مؤتمر صحافي عقد في إيران هذا العام في تصريحات نقلتها وكالة «حوزة» الإيرانية للأنباء: «(مانوتو) تبث برامج تخالف التعاليم الإسلامية مخالفة صريحة مثل ترويجها للطريقة التي يعيش بها الأثرياء».

ورغم إطلاقهما «مارجان تي في»، وهي الشركة الأم لقناة «مانوتو 1» عام 2009، فإن كيفان ومارجان عباسي وهما زوجان إيرانيان مقيمان في بريطانيا، يبقيان بعيدا عن وسائل الإعلام. ورفضا هما ومسؤولون آخرون في «مارجان تي في» التعليق على هذه القصة على الرغم من الطلبات المتكررة لإجراء مقابلات معهم.

وقالت مريم مدين المدير الإداري لـ«كلاروس ديزاين» الوكيل الإعلاني للشبكة، إن الزوجين عباسي لا يجريان مقابلات «في ظل الطبيعة الحساسة للبيئة الإعلامية الإيرانية في الوقت الحالي». لكنها أضافت: «(مانوتو 1) تظل ملتزمة بتقديم برامج ترفيهية للشعب الإيراني».

ومن أمثلة «الأمور الحساسة» المشار إليها أن لا يحتاج المرء لأن ينظر لأبعد من «بفرماييد شام» حيث يجرب الرعايا الإيرانيون مهاراتهم في الطهي ويتنافسون على جائزة نقدية.

ويبدو البرنامج بريئا فيما عدا بعض الرجال والنساء الذين يختلطون بحرية. ولا تغطي المتنافسات شعورهن ويملن إلى ارتداء ملابس تكشف من أجسادهن أكثر مما هو مسموح به في الجمهورية الإسلامية حيث يتعين أن ترتدي النساء غطاء للرأس وملابس فضفاضة في الأماكن العامة.

وقال مهدي سماتي خبير وسائل الإعلام والثقافة الإيرانية في جامعة إلينوي الشمالية: «إنها نافذة على ثقافة يمكن أن تكون لدينا إذا كنا جزءا من الثقافة الشعبية العالمية.. نحن نعرف أن هناك عالما خارجيا يتصرف فيه الإيرانيون مثلنا ويتحدثون مثلنا ويفكرون مثلنا، لكن أن يحيوا حياة خالية من القيود - الناس تعقد مقارنات؛ وهذا مقلق للحكومة». وفي المؤتمر قال خسرو مستشهدا ببيانات من «مانوتو 1» إن نحو نصف مليون شخص داخل إيران اتصلوا بالقناة في أسبوعها الأول، وأضاف: «هذه إحصائية خطيرة».

وقال المتخصصون والخبراء في الإعلام والمشاهدون الإيرانيون إنه من غير المعروف الدور الذي تلعبه السياسة في استراتيجية الأعمال الخاصة بالزوجين عباسي. وقالوا إن من الواضح أن القناة استفادت من توق الإيرانيين للبرامج الإبداعية الناطقة بالفارسية. ورغم أن القنوات الفضائية يمكن الوصول إليها في أنحاء العالم، فإن خبراء يعتقدون أن أغلب نسب المشاهدة للقنوات الناطقة بالفارسية تأتي من إيران.

ويستهدف برنامج إخباري ساخر تعرضه «مانوتو 1» ويقدمه قرد كارتوني يسمى «دكتور كوبي»، المشاهدين الذين لا يتابعون السياسة عن كثب. ويوجه «دكتور كوبي» انتقادات لاذعة لكل من الساسة الإيرانيين والغربيين ويستخدم أسلوبا ضاحكا وعادة ما يتلقى رد فعل وصورا من جمهوره من الأطفال.

كما تقدم القناة مسابقة غنائية بعنوان «أكاديمية جوجوش الموسيقية» أكملت موسمها الثاني العام الماضي. وسميت المسابقة على اسم «جوجوش» وهي مطربة وممثلة إيرانية اشتهرت في حقبة الشاه في الستينات والسبعينات في إيران والآن تغني وتعيش خارج إيران.

وتقول إحصاءات «مانوتو 1» إن أكثر من أربعة ملايين مشاهد أعطوا أصواتهم لمتسابقهم المفضل في الموسم الجديد الخريف الماضي، واجتذبت الحلقة الأخيرة نحو 140 ألف مشاهد على «يوتيوب».