تونسية تحقق إنجازا علميا بارزا على المستوى الصحي

د. هماني: لا يكتب في مجلة «يومن جيناتاكس» العلمية إلا من كان منافسا لهم

د. منيرة هماني مع فريقها ود. منيرة هماني عيفة
TT

يعد الإنجاز الذي حققته الدكتورة منيرة هماني عيفة، (41 عاما)، الأستاذة المحاضرة بكلية العلوم بصفاقس (جنوب تونس)، والمتمثل في اكتشافها جينات وراثية لها علاقة بأمراض تصيب العين - فتحا علميا كبيرا. والباحثة منيرة تكتب في أعرق المجلات العلمية بالولايات المتحدة وأوروبا وعضو فرق بحث عالمية. ومنذ مدة وهي تجوب محل اهتمام المراكز العلمية والثقافية بتونس. وقد التقتها «الشرق الأوسط» لتنقل للقراء تجربتها الفريدة التي أثبتت فيها أن المرأة بإمكانها أن تتبوأ المراكز العليا في البحث العلمي وتثبت جدارتها في كل الميادين. وكان السؤال الأول حول الإنجاز «كان نتيجة بحث استمر سنوات وأعطى ثماره مؤخرا، وهو اكتشاف جين مسؤول عن مرض وراثي يصيب العين».

تخصصت الدكتورة منيرة في الأمراض الوراثية للعين وأجرت الكثير من الاختبارات الميدانية. وكانت بعض الأسر التونسية المصابة بهذا المرض الوراثي هدفا لأبحاثها التي شملت أمراضا أخرى وراثية أو ما يعرف بالـ«ميكروستابلين» وقالت هماني المتخصصة بالجزئية الوراثية البشرية، لـ«الشرق الأوسط»: «عملنا على التعرف على الجينة المسؤولة عن المرض الوراثي الذي تشكو منه الكثير من العائلات، فأي مرض وراثي يجب البحث عن الأسباب الجينية المورثة له، وكيفية التعاطي معه بطريقة علمية حتى يتم إنهاء تأثيراته السلبية وإعادة العضو إلى وضعه الطبيعي ومنع توارثه مستقبلا».

وأوضحت أن «الأبحاث العلمية في هذا المجال لها طريقان، وهي الوراثة العادية والوراثة الجينية (جينيتيك إنفارس)، الأول هو الدراسة من أجل معرفة الخلل وكشف الجين المسؤول عن المرض، وهذه الطريقة هي التي يعتمدها العلماء منذ الثورة العلمية، وأمكننا بفضلها معرفة أسباب الكثير من الأمراض وتشخيص العلاج لها، لكن هناك أمراض لا توجد معلومات كافية حولها، هي الأمراض البعيدة نسبيا عن الجلد وخلاياها صغيرة، وهذه يعتمد البحث حولها على العائلات التي يوجد فيها المرض بكثرة، وخاصة الأسر التي يكثر فيها زواج الأقارب، وعندها تستخدم طريقة، (جينيتيك إنفارس) في كشفها».

قامت الدكتورة بأبحاث حول غشاء العين والحدقتين أثناء دراستها للدكتوراه، وهو ما ساهم في فتح آفاق كبرى في مجال البحث واكتشاف الجين الجديد المسؤول عن انتقال المرض الوراثي، «تعرفنا على الأسر التي يوجد لديها هذا المرض في زيارات ميدانية، حيث التقينا المرضى منهم وكذلك الأصحاء في نفس الوقت، لمعرفة كيف انتقل إلى المصابين وكيف نجا منه المتعافون».

وحول المرض الوراثي وكيفية التقليل من الإصابات في صفوف الأسر التي لديها مرض متوارث، أفادت: «أولا، ننصحها بالتخلي نهائيا عن زواج الأقارب لتفادي ظهور المرض في المستقبل، لأن العلاج الجيني سيكون جاهزا في مرحلة لاحقة».

ومن الأشياء التي اكتشفتها الدكتورة، أن «هناك من يحمل الطفرة الجينية، أو الخلل الوراثي لكنه ليس مريضا».

مرض آخر اكتشفه الفريق الذي تقوده الدكتورة منيرة ولم يكن معروفا من قبل لا على المستوى الإكلينيكي ولا على المستوى الجيني، هو «صغر حجم العين»، وتشرح ذلك بالقول «هذا المرض له خاصيات، من بينها صغر حجم العين من الناحية الخلفية مقارنة بالحجم الطبيعي، مما يسبب تأثيرا على الرؤية لدى المرضى، وفي بعض الأحيان يؤدي إلى ارتفاع ضغط العين، وتصل أحيانا إلى فقد البصر».

يؤخذ من المرضى وأهاليهم الأصحاء عينات من الدم وغير ذلك، «واكتشفنا أن هذا المرض له خاصيات جديدة لم تكن معروفة في العالم من قبل، وكان ينظر إليها في السابق على أنها حالات معزولة، ولم يكن في الحسبان أنها كبيرة إلى هذا الحد»، كما لم يكن معروفا «أن الجينات المسؤولة عن هذا المرض، ليست نفس الجينات المشابهة في أمراض أخرى».

وكانت خلاصة بحوث الدكتورة هماني عيفة، هي أن «الجينات التي تم اكتشافها والمسؤولة عن عدد من الأمراض، لا علاقة لها بالجينات التي اكتشفناها من خلال الدراسة الميدانية والمخبرية التي قمنا بها». أمر آخر حققته الدكتورة هو أن جينات جديدة غير معروفة من قبل هي المسؤولة عن الأمراض التي اكتشفتها في عدد من الأسر التونسية التي خضعت للبحث العلمي. والبحث عن الجينات المسؤولة مسؤولية صعبة كما تقول، حيث يتطلب الأمر «البحث من كروموزوم إلى كروموزوم للتوصل إلى مكان الجينة المطلوبة، وقد تم العثور عليه في كروموزوم رقم 2».

قامت الدكتورة بنشر أبحاثها، كما سلف، في أشهر المجلات العلمية، ومنها مجلة «يومن جيناتاكس»، ولقيت اهتماما كبيرا من قبل العلماء في العالم، وعن ذلك تعلق قائلة: «لن يعترفوا بك إلا إذا كنت منافسا لهم في المجال الذي تعمل فيه»، لا سيما أن الأبحاث في الخارج تركز على الأبحاث التجريبية على الحيوانات، في حين أن بحوث هماني تركز مباشرة على الإنسان وليس على الفئران المحورة جينيا.

الإنجاز الذي حققته الدكتورة في الصم الوراثي، أهّلها إلى الولوج إلى باب العالمية والدخول في المشاريع الأوروبية، ولا سيما السويدية والأميركية وغيرها. وأوضحت «التحقنا بمشروع (إيروفي)، وهو مشروع كبير يشتمل على 26 فريق عمل من مختلف بلدان العالم، منها 11 دولة أوروبية ودولتان غير أوروبيتين منهما تونس».

وتشدد على أنه «لا بد من فريق طبي متكامل يعمل فيه تخصص الأنف والحنجرة، واختصاصيين في أمراض العين».

وشرحت الدكتورة منيرة أهمية أن يكون الإنسان «قدوة في جميع المجالات»، مؤكدة في نفس الوقت أن ما حققته «كان بفضل الله وتوفيقه أولا، ثم بفريق العمل الذي عمل معها ولا يزال يعمل ويدعو إلى عودة الريادة العربية الإسلامية في كافة الميادين».