السعودية: مزاد «الدانات» يحكي تاريخ الاختراعات ويسترجع الذكريات

يجمع هواة المقتنيات كل أسبوع.. وأقدمها مصحف من العهد المملوكي

المقتنيات التي يجلبها أصحابها من مقتنياتهم ترسم لوحة تعيد مشاهدها إلى نحو نصف قرن من الزمان (تصوير: عيسى الدبيسى)
TT

في كل أسبوع، يجتذب أحد مزادات التحف القديمة في الظهران، شرقي السعودية، عشرات المهتمين من دول الخليج، فالمكان الذي يزدحم بالقطع القديمة يمثل أيقونة تعيد مرتاديها لعصر الزمن الجميل.

والمقتنيات التي يجلبها أصحابها من محفوظاتهم ترسم لوحة تعيد مشاهدها إلى نحو نصف قرن من الزمان، وتتيح لعشاق التحف والأنتيكات استكمال مجموعاتهم أو إضافة مقتنيات جديدة ترمز لعصور سابقة أكثر من كونها مجرد تحف نادرة.

ففي الظهران، وبعد صلاة المغرب من كل ثلاثاء، يتوافد الزوار من مختلف مناطق المملكة والدول المجاورة لصالة «الدانات»، حيث يقام مزاد أسبوعي لمجموعة من الأجهزة القديمة والتحف والمقتنيات الثمينة، حيث يعبق المكان برائحة الذكريات؛ بينها تحف، وأجهزة كالهاتف والمروحة الكهربائية، وأدوات المنزل، والعملات، والموسيقى، والسيوف والخناجر، والألعاب القديمة، وأدوات الصيد، والوسائل الحرفية، وبعضها كان يعتبر في السابق ابتكارا وأصبح اليوم قطعة قديمة ثمينة يتداولها هواة اقتناء التحف، حتى لو زادت قيمتها أضعاف ما كانت عليه وقتها.

ويجتذب المكان رغم صغر مساحته الراغبين في اقتناء كل ما هو نادر وقديم من تحف ومشغولات وعملات وأجهزة، حيث يتنافس الهواة للحصول على المقتنيات. ويمثل بعض المقتنيات سلسلة تاريخية لمراحل التطور التي مرت عليها تلك الصناعة والأجهزة مثل الهاتف، وآلة التصوير، والراديو، والمسجلات وغيرها.

وللمزاد شروط وأنظمة يلتزم بها الجميع دون استثناء، كما يذكر عبد الله العديني صاحب الصالة ومدير المزاد؛ منها عدم التعامل مع الآثار بجميع أشكالها المحلية منها أو الأجنبية، ويقول العديني: «في بداية اليوم يتم تسجيل الراغبين في البيع في سجل المزاد الخاص لضمان أدوارهم، وبعد الانتهاء من التسجيل يبدأ المزاد حسب الترتيب، فيتقدم كل بائع ويعرض ما لديه من قطع على الطاولة لكي يطلع عليها الجمهور، مع ذكر بعض التفاصيل عنها من مكان وتاريخ الصنع، وما يميزها، ومدى صلاحيتها، فإن لم تكن لديه المعلومات الكاملة فيكتفي بقوله (نظر) أي إن البائع لا يعرف تفاصيلها ويتحمل المشتري المسؤولية».

ويؤكد العديني أن تقييم القطع المعروضة يتم اعتمادا على الخبرة فقط، فالمزاد لا يملك القدرة على التقييم بشكل علمي لتحديد تاريخ القطع أو قيمتها المادية، فمثل هذا الإجراء يحتاج إلى إمكانات مادية وبشرية لا يستطيع المزاد توفيرها، فليجأ بعض المشترين لمن يملكون خبرة واسعة في هذا المجال وهم نادرون بندرة القطع التي تباع.

ويضيف: «لا توجد جهة رسمية يمكن التعاون معها في هذا المجال على الرغم من اهتمام معظم الدول. فيلجأ البعض لمواقع الإنترنت المتخصصة للبحث عن أي معلومة يحتاجها وغالبا ما تكون في مجال الطوابع والعملات الورقية والمعدنية والأجهزة، أما التحف والمشغولات اليدوية فمعظمها محلي ولا توجد معلومات أو تكون غير كافية».

ويرتاد المزاد زوار من مختلف الأعمار ولكل منهم ميوله، فكبار السن يهتمون بجمع التحف والقطع القديمة، فيما يحرص الشباب على جمع العملات والطوابع، وهناك من الزوار من يأتي للاستمتاع بمشاهدة المزاد والمعروضات. وتختلف أسباب الشراء لدى الزوار؛ فمنهم من يشتري للاقتناء الشخصي وتجهيز معرضه المصغر في منزله، ومنهم من يشتري بغرض البيع مره أخرى بمبلغ أعلى، ولكن الجميع يلتزم بالشفافية والصدق في ما يعرض. وتتكون صداقات بين الزوار المتكرري الحضور حيث يتبادلون الخبرات والمعلومات عن القطع المعروضة والمزادات الأخرى التي تقام في مختلف مناطق المملكة بشكل أسبوعي أو شهري، فأصبح المزاد أشبه بالديوانية التي يجتمع فيها الأصدقاء بشكل دوري.

وتحتل العملات الورقية والمعدنية المرتبة الأولى في اهتمامات الهواة، لا سيما النادر منها والمميز إما في تاريخ الإصدار، أو في التسلسل الرقمي، أو نظافة القطعة نفسها.. هذا ما كشفه فرحان العقيل من مؤسسة النقد السعودي الذي يهوى جمع العملات، ويؤكد على ضرورة إيجاد صالة مزادات فخمة وذات مساحات كبيرة تستطيع استقطاب أكبر عدد ممكن من الراغبين في البيع والشراء من مختلف المستويات، فكلما كثر عدد المشاهدين للقطع المعروضة، زاد التنافس على اقتنائها فينعكس على الأسعار إيجابيا ويعطي القطع قيمتها الحقيقية. فهي الهواية الوحيدة التي يستطيع المشتري معرفة تاريخها ومكان إصدارها، إلا أنه لا يمكنه الجزم بصحتها وعدم تزويرها. وتليها هواية جمع الطوابع حيث إنها الهواية الوحيدة التي تحمل الطابع الرسمي، فمعظم الدول لديها جمعيات لهواة الطوابع ومنها السعودية وهي تحت إشراف مؤسسة البريد السعودي. ويقام لها معرض سنوي على مستوى الخليج تحت رعاية رسمية، وهذا ساعد كثيرا على دعم هذه الهواية ورفع قيمة ما يتم عرضه.

وأكد عبد الله صادق الفضل «من البحرين» وأحد المؤسسين للمزاد أنه «ما زال الاهتمام محدودا ومتواضعا في بعض دول الخليج والدول العربية بمجال بيع التحف الأثرية والقديمة مقارنة بالدول الأوروبية والولايات المتحدة التي خصصت صالات ومعارض دولية لدعم هذه المعارض وتسويقها بكل احترافية مكنتها من عرض أندر القطع وأثمنها على مستوى العالم، وأصبحت تشكل داعما سياحيا واقتصاديا لتلك الدول. ولكن ما يتم عرضه في هذه الصالة وإن كان ذا قيمة عالية، فسيجد البائع صعوبة في إيجاد القيمة المناسبة لها، فهذه الهواية عالمية وحتى نتمكن من إعطاء المقتنيات النادرة قيمتها الحقيقية، يجب أن تكون مزادات عالمية يدعى لها الراغبون في الشراء من مختلف الدول بعد إيجاد المكان المناسب الذي يساهم في رفع قيمة المعروضات».

وعن أندر التحف وأغربها، يذكر العديني أنه «تم عرض مصحف من العهد المملوكي، وسيف مذهب ومنحوت عليه الاسم والتاريخ، كما أحضر أحد الزائرين جهازا قديما وبعد الكشف عليه تبين أنه جهاز كان يستخدم قديما لعلاج الأعصاب، وهناك من يوهمه البعض بندرة ما يملكه ويأتي للمزاد وفي تصوره أن القطعة تساوي الآلاف وهي لا تتعدى قيمتها العشرات، ويشكك في تقييمنا حتى نظهر له القطعة نفسها، ومع ذلك يتهمنا بالتلاعب وعدم المصداقية، ونحن نحرص على التشاور في ما بيننا ومع بعض الحضور ممن يملكون الخبرة في الكشف على بعض القطع لكي نحدد قيمتها التاريخية والمادية. ومعظم المعروضات لا تأخذ حقها في السعر حيث إن معظم الحضور من الهواة ومتوسطي الدخل.

وتنتشر المزادات في جميع مناطق ومدن المملكة؛ فمنها ما يقام بشكل يومي، ومنها أسبوعي، وبعضها شهري، والبعض الآخر سنوي. وتختلف تلك المزادات باختلاف معروضاتها؛ فمنها ما هو متخصص بحيث يهتم بنوع واحد من المعروضات؛ ومنها ما هو منوع، ولكل منهما زواره، إلا أن أيّا من تلك المزادات لم يستطع أن يبرز بشكل يؤهله للعالمية. ولم يقم حتى الآن في السعودية مزاد سنوي عالمي يمكنه إبراز ما يمتلكه هواة جمع التحف والمقتنيات القديمة من إمكانات قد تنافس ما يتم عرضه في المزادات العالمية، فجميع المزادات المنتشرة على مستوى المملكة قائمة على مجهودات فردية وفي أماكن متواضعة.