18 عملا فنيا ترصد تغيرات الفنان التشكيلي محمد الفارس البصرية

شهد معرضه حضورا لافتا.. واتفق النقاد على تغير تجربته

TT

يقول الناقد هيرمان بيير «أثبت تاريخ الفنون أن إنتاج الفن لا يعد شيئا ذا أهمية، لكن تغيير الرؤى عند المبدعين هو الأهم، وأن الأساليب الفنية والتقنيات لم تتغير إلا عندما تغيرت رؤية الفنان لما يجري حوله».. هذا هو الانطباع الذي يستدرجك وأنت تزور معرض محمد الفارس الذي أقامه بقاعة «داما» للفنون في جدة، وهو المدخل الذي استدرجنا إليه الفنان عندما استحضر تجربته النحتية التي يمكن أن تشكل نقلة نوعية متنامية في متغيراته البصرية التي كان يتناولها في السابق.

متغيرات الرؤية هي الأكثر والأشد إلحاحا على الفنان، حتى إنه كتب في مقدمة كراس المعرض ما يوحي بذلك، إذ يقول «إن المتغيرات التي حدثت على مستوى محيطه كانت كبيرة، وإن نظرته للفن بدت أعمق مما كانت عليه في السابق، ثم إنه ولأول مرة يستعير اسم مارسيل دوشامب عنوانا في أحد أعماله الموسوم (ما لم يقله دوشامب).

ويختصر ما سبق وذكره الفنان عن هذا المعرض وأعماله حديث النحات محمد الثقفي لـ«الشرق الأوسط»، إذ اختصر تعليقه بقوله «إن هذه التجربة فيها تنوع مختلف عما ألفناه وعهدناه عن الفنان نفسه».

ومن اللافت في هذا المعرض أن تجد تنصيبات من مواد مستهلكة وبقايا آثار مثل قطع من دراجة طفل وقطع بدائية استخدمها الإنسان وأخشاب نباتات صحراوية عارية خالية من الحياة عليها خدوش وتكلسات وآثار تعرية لا تخلو في المجمل من إيحاءات وهيئات إنسانية تبدو وكأنها في حالة حراك. ولم يكتف بذلك، بل استحضر أيضا كميات من تراب جاء به من نفود الربع الخالي أو صحراء نجد، وحذاء قديما متهالكا، مستعيرا وحشية طقوس الصحراء واحتمالات أخرى من ذاكرته البصرية والإنسانية.

ويضع الفنان في أحد أعمال المعرض عمودا خشبيا مهترئا بدت عليه آثار الزمن وعلى جسده ثقوب وضع داخلها بقايا من شعر رأس أنثى وورقا مستهلكا بطريقة تلقائية كما لو كانت في جدار، مستخلصا من ذاكرته شيئا مما كانت تفعله أمهاتنا وآباؤنا. وتبدو هذه هي التنصيبات والأعمال الفارقة التي تبناها الفنان في هذا المعرض وشكلت إشارة نحو رغبته في إحداث تغيير ما، في رؤيته الفكرية للفن، وأن هناك حاجة للخروج من أزمة الحدود التي تفرضها عليه إما طبيعة الخامات الصلبة التي لا تكشف حدودها الجمالية أبعد مما هي عليه وإما بفعل المتغيرات التي حوله كما قال.

لهذا لا تخلو هذه الأعمال من ازدواجية التأويل في ما يمكن أن تستوحيه من الناحية الفكرية والبصرية حتى ولو كان يروج الفارس عند تأويلها على أنها مجرد بقايا إنسانية وعمليات تلقائية تستحضرها ذاكرته عن الماضي، وأن الأجداد مثلا كانوا يضعون بقايا شعر الرأس المتساقط في ثقوب الجدران، وأن بقايا الكتب الممزقة كانت توضع في ثقب جدار أو يتم حرقها، وهو أمر إذا ما خضع للتأويل المجازي فقد تحيلنا هذه الممارسات إلى طقوس تتشيأ بضرب من صور المس والسحر والعين أو التعاويذ من الجن ونحوه، وهذا بعض ما تستوحيه هذه التجربة الفنية، فضلا عن المتغيرات التي تنشأ في فكر الفنان عندما يقدم تجارب مختلفة يمكن بالنهاية أن تغير من رؤيته لصور أو أشكال الفن الذي يتعامل معه.

وقدم الفنان التشكيلي وأستاذ الجغرافيا في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض الدكتور محمد الفارس ما يقرب من 18 عملا فنيا، وأثارت التنصيبات التي قدمها مؤشرا قد يلعب دورا نحو تنامي رؤيته البصرية في الفن إذا ما أكد على حضورها مستقبلا.