متحف أحمد شوقي.. قلادة من الشعر في عنق النيل

يطل على ضفافه بحلة جديدة في ذكرى تتويجه أميرا للشعراء

إحدى قاعات متحف أحمد شوقي ويبدو طرازه المعماري الفخم
TT

حلة جديدة يرتديها بيت أمير الشعراء أحمد شوقي المعروف بـ«كرمة ابن هانئ» على ضفاف النيل بمحافظة الجيزة، بعد تجديده للمرة الثانية. بعدما عاني البيت منذ افتتاحه قبل عدة أعوام وتحويله إلى متحف ثقافي من عدة تصدعات دعت قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة إلى إعادة صيانته، ليتم افتتاحه بحلة جديدة وبمناسبة حلول ذكرى تتويج شوقي «أميرا للشعراء» في 29 أبريل (نيسان) عام 1927.

يشهد حفل الافتتاح الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة، وترافق هذه المناسبة احتفالية كبرى يحضرها لفيف من الشعراء والأدباء والجمهور، وتتخللها فقرات غنائية لأشهر ما ألف أمير الشعراء أحمد شوقي وتغنى به كبار المطربين.

وراعت أعمال الصيانة الجديدة للمتحف الحفاظ على الطراز المعماري للمبنى وتصميمه الداخلي وأثاثه باعتباره أحد المباني الأثرية. وتضمنت، حسب ما يقول رئيس قطاع الفنون التشكيلية الدكتور صلاح المليجي، تطويرا شاملا للمتحف، حيث تم تزويده بأحدث أنظمة الحماية الأمنية لما يحويه من مجموعة متميزة من المقتنيات، وكذلك تطوير وصيانة واجهته الخارجية، بما يتوافق ودوره في نشر الإبداع بمختلف ألوانه، حيث يتم اتخاذ المتحف مركزا للأنشطة الثقافية والفنية المختلفة، ليستعيد دوره في نشر مختلف المجالات الثقافية منذ إعداده متحفا في منتصف التسعينات في القرن الماضي.

الحلة الجديدة للمتحف ترافقت معها زيارة حفيدة «أمير الشعراء» ليلى الدمرداش لدار جدها، وهي حفيدته الثالثة، وابنة نعمة الله رياض ابنة خديجة رياض ابنة أمينة أحمد شوقي.

ووقفت الدمرداش على ملامح العرض والتنسيق لقاعات المتحف، وتراث «أمير الشعراء»، والمقتنيات التي يضمها، خاصة لوحات جدتها خديجة رياض التي تعرض بالمتحف وتبلغ 21 لوحة فنية من أعمالها، وكذلك أساليب الترميم المتبعة، خاصة أن والدتها كانت من كبار المرممين.

ومتحف أحمد شوقي أو «كرمة ابن هانئ» كما كان مفضلا لدى «أمير الشعراء»؛ إذ كان من أشد المعجبين بالشاعر العباسي الحسن بن هانئ (أبو نواس)، كان في الأصل منزله الذي تحول بقرار جمهوري عام 1972 إلى متحف.

ويعد المنزل أحد المتاحف القومية، ويضم مقتنيات عائلة «أمير الشعراء» من أثاث ومسودات أشعار شوقي والأوسمة والنياشين والهدايا وملابس التشريفة الخاصة به، بجانب مجموعة من اللوحات الزيتية والتحف والصور الفوتوغرافية الخاصة به وبأسرته وأقاربه وبعض أصدقائه وكذلك بعض الشخصيات المهمة.

وظل المتحف يضخ فكرا وثقافة إلى أن شمله الإعياء، مما دعا القائمين على قطاع الفنون التشكيلية، الجهة المسؤولة عنه، إلى الشروع مجددا في ترميمه. ومع حلة الدار الجديدة، أصبح المتحف مهيأ لاستقبال أمسيات شعرية، تعيد روادها إلى زمن أمير الشعراء، علاوة على ندوات أدبية وفكرية واحتفالات ومعارض للفنون التشكيلية.

ويضم المتحف أثاث منزل شوقي، الذي يتوزع على حجرة نوم الشاعر، وغرفة مكتبه، وحجرة نوم زوجته، إضافة على غرفة الصالون الخصوصي، بجانب مكتبة الشاعر، التي تضم 335 كتابا.. بعض هذه الكتب تحتوى صفحاته على مسودات بخط يد الشاعر، بجانب مقتنياته التي تشمل 713 ورقة عليها كتابات بخط يد الشاعر هي مسودات لبعض قصائده وكتاباته النثرية.

وفي داخل المتحف، تم عرض مجموعة من المسودات بخط يد الشاعر لأول مرة في المتحف، كما تم وضع تمثال شوقي للفنان جمال السجيني في حديقة المتحف، فيما أهدت نعمة الله رياض مجموعة من لوحات والدتها الفنانة خديجة رياض حفيدة الشاعر إلى المتحف.

وكان شوقي مولعا بطراز الأثاث والتحف، حيث كان يقتنيها من المزادات العامة ولم يكن في حاجة فعلية لمعظم هذه المقتنيات، لهذا بنى ملحقا لـ«كرمة ابن هانئ»، أيام كانت في المطرية، استغله في تخزينها، ولم يكن شوقي يستخدم حجرة مكتبه كثيرا، حيث كان يفضل أن يقرأ ويكتب أشعاره وخواطره في حجرة نومه.

وجاء انتقال الدار من المطرية بالقاهرة إلى موقعها الحالي في محافظة الجيزة، عندما عاد شوقي من منفاه سنة 1920، حيث لم تطب له الإقامة فيها، لذلك قرر أن يبنى «كرمة ابن هانئ» الجديدة على نيل الجيزة، وكانت تقع في شارع مبرح بن شهاب في ذلك الوقت (شارع أحمد شوقي الآن). كما بني شوقي بجوار «الكرمة» دارا أخرى مشابهة لها خصيصا لسكنى ابنته أمينة كما كان الحال في «كرمة ابن هانئ» بالمطرية.

وكما يعرف، فإن أحمد شوقي ولد في 1868، ونشأ في أسرة ميسورة متصلة بقصر الخديو. وحين أتم دراسته الثانوية دخل مدرسة الحقوق، وبعد أن درس فيها لمدة عامين حصل على الشهادة النهائية في الترجمة، وما إن نال شوقي شهادته حتى عينه الخديو في خاصته، ثم أوفده بعد عام لدراسة الحقوق في فرنسا، حيث أقام فيها ثلاثة أعوام، حصل بعدها على الشهادة النهائية في 18 يوليو (تموز) 1893 وأمره الخديو بأن يبقى في باريس ستة أشهر أخرى للاطلاع على ثقافتها وفنونها.

عاد شوقي إلى مصر أوائل سنة 1894 فضمه توفيق إلى حاشيته وأوفده إلى جنيف ممثلا لمصر في مؤتمر المستشرقين، ولما مات توفيق وولي عباس، كان شوقي شاعره المقرب وأنيس مجلسه ورفيق رحلاته، وفي سنة 1914 نفاه الإنجليز إلى الأندلس بعد أن اندلعت نيران الحرب العالمية الأولى، إلى أن عاد من المنفى في أوائل سنة 1920.

وكان شوقي يخشى الموت، ويفزع منه بشدة، كما كان يخاف ركوب الطائرات، ويرفض أن يضع ربطة العنق لكونها تذكره بالمشنقة، وكان ينتظر طويلا قبل أن يقرر عبور الشارع، لأنه كان يشعر بأن سيارة ستصدمه في يوم ما، وتحققت نبوءته، وصدمته سيارة في لبنان، وهو جالس في سيارته، ونجا من الموت بأعجوبة.

كما كان يخاف المرض، ولا يرى صيفا أو شتاء إلا مرتديا ملابسه الكاملة، لذلك كان يرتدي الملابس الثقيلة في الشتاء والصيف على السواء إلى أن كان رحيله في المكان المعلوم والوقت المذكور.

وفي 14 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1932 توفي شوقي مخلفا للأمة العربية تراثا شعريا هائلا، وكانت وفاته في حجرة نومه، حيث استدعى خدمه ليلا، وكانت هذه عادته، إلا أنه في هذه المرة طلب أن يراهم في هذه الساعة لأنه كان يشعر أن أجله قد دنا، إلى أن أدركه اليقين.