ملتقى الشارقة للخط العربي في دورته الخامسة.. الوجه المشرق للحضارة الإسلامية

شارك فيه 334 فنانا و1525 عملا فنيا من 28 دولة

TT

استمرت الدورة الخامسة لملتقى الشارقة للخط العربي في جذب الزوار في أكبر تظاهرة دولية فريدة في مجال فنون الخط العربي والإسلامي، والزخرفة بأنواعها، التي انطلقت في الأول من أبريل (نيسان) وتستمر حتى الأول من مايو (أيار) المقبل، تحت شعار «كون»، أي أنها تضع في أولوياتها التركيز على «كونية الحرف العربي» بكل أبعاده ومعانيه ودلالاته التي تشير بوضوح إلى انفتاح الخط العربي، بكل ما يحمل من طاقات التواصل على ثقافات العالم. هكذا أرادت الجهة المنظمة (إدارة الفنون بدائرة الثقافة والإعلام في إمارة الشارقة) أن تكون هذه الدورة في ساحة الخط بمنطقة التراث في الشارقة القديمة بحضور 43 ضيفا من المكرمين والمفكرين والباحثين وكبار الفنانين والخطاطين في العالم، وخصوصا الذين تم تكريمهم هذا العام، وهم ثلاثة من كبار الخطاطين: حسين كوتلو (تركيا)، ومحمد حمام (مصر)، ومهدي الجبوري (العراق).

تشمل هذه الدورة عددا كبيرا من المعارض والفعاليات، ويبلغ إجمالي المعارض الفردية والجماعية 26 معرضا، يشارك فيها 334 فنانا يعرضون 1525 عملا فنيا في مجال فنون الخط والزخرفة والحروفية، والأنماط المعاصرة التي تستلهم الحرف وفلسفته، وأعمال الفيديو والأعمال التركيبية الأخرى. جاء الخطاطون والفنانون من 28 دولة عربية وأجنبية من بينها الإمارات، السعودية، الكويت، مصر، تونس، العراق، الجزائر، لبنان، المغرب، الأردن، إسبانيا، تركيا، أميركا، بريطانيا، اليابان، الصين، وفرنسا.

وتضم فعاليات الدورة الخامسة معرضا للخطاطين المحليين بعنوان «في حب سلطان»، يأتي عرفانا وتقديرا لما يبذله حاكم الشارقة من جهود ومساع لتكريم الفن والفنانين. إضافة إلى 7 معارض دولية هي: المعرض الجماعي للفنانين اليابانيين (فنون يابانية)، ومعارض فردية لكل من إيبون هيث (أميركا)، للا السعيدي والحسين ميموني ونور الدين ضيف الله (المغرب)، حسن موسى (السودان)، مروة عادل (مصر)، إضافة إلى 6 معارض تستضيفها المراكز الثقافية في مدن خورفكان ودبا الحصن وكلباء، إضافة إلى البرنامج على مدى شهرين، تتواصل الفعاليات، فيقام معرض «الخط الثنائي» بالمركز الثقافي بدبا الحصن، بمشاركة 6 من الفنانين والخطاطين العرب، هم عصام عبد الفتاح، نبيل حسان، أمل حافظ، منال العزازي من مصر، إضافة إلى وعد العبيدي من العراق، زهرة زورقي من تونس. وأقيمت مجموعة من الورش التخصصية التي تحتضنها مراكز الفنون في الشرقية، وهي ورشة فن الإبرو لوعد العبيدي وزهرة زورقي، وورشة خط الثلث لنبيل حسان ومنال العزازي، إضافة إلى ورشة الخط الكوفي لعصام عبد الفتاح وأمل حافظ، وورشة «الفرشاة الكبيرة» للفنانين اليابانيين.

وإضافة إلى المعرض العام، بكل أجنحته، تقام الأعمال الحروفية مع الأعمال التطبيقية، في 7 معارض، تضم المعرض الجماعي للفنانين اليابانيين (فنون يابانية) بعرض أعمال ستة فنانين يابانيين ينتمون لأجيال متنوعة، ومدارس تتمايز في أساليب طرحها بين الالتزام بالأنماط والقواعد والأنماط الأخرى المعاصرة التي تقترب من اللوحة التجريدية المعاصرة، والرؤى الموحية أبعد من الكلمة المكتوبة العادية. ويجسد ذلك الفنانون اليابانيون المشاركون وهم: سو جييايوي، تيكزاوا جيوكوري، هاياشيدا سويريو، ميكا ميكينسوي، إيكيجي ميوسين وإيمادا توكودو.

وبجانب المعارض الجماعية تعقد المعارض الفردية لكل من إيبون هيث (الولايات المتحدة) حيث تستفيض في طرح أعماله التركيبية المؤلفة، في الغالب، من أطر زجاجية وخشبية وشرائح طباعية تضم كتابات وأحرفا إنجليزية، تتخذ مساراتها ضمن المكون التركيبي العام الذي يقترحه الفنان بالاعتماد على تصوير المسطحات المتموجة، والمسارات المنحنية المعلقة من أعلى، وهو يؤلف مقطوعاته البصرية في هيئة الأحرف الرقمية. وتتنوع أعمال ثلاثة خطاطين من المغرب، وهم: للا السعيدي التي تتشكل ملامح أعمالها بمفردات كالإنسان والخط والزخرف والنسيج، حيث تغرق الفنانة في مجاهل الأحرف والكلمات المتجذرة في أنسجة القماش والستائر والأغطية، كما في الجلد البشري والملامح والأسطح والأرضيات، بحيث تطرح أعمالا تحمل قيمتها الحقيقية من تغليب المسطحات اللونية الحالمة، والزخارف المتنوعة، ونسج الكلام المتحرك، في رؤيتها البصرية. ويندرج مشروع الفنان الحسين ميموني الإبداعي ضمن مغامرة بصرية جديدة تطرح أسئلتها حول الكون في أبعاده الرمزية وقيمه الإيحائية. أما الخطاط نور الدين ضيف الله، فهو يسعى لاكتشاف الإمكانيات التشكيلية التي يتيحها الحرف العربي، لكنه ينتهي إلى أن يصبح رساما تشكيليا.

بينما يمارس حسن موسى (السودان) فن الخط كاحتمال في الرسم، ويرى في تقليد الخط فرصا في خلق تشكيلي مغاير يثري تجربة الرسام. في حين ترتقي مروة عادل (مصر) بالمكون الفوتوغرافي للوجوه والأجساد البشرية، عبر معالجات تقنية ورقمية تستقطب النصوص الخطية العربية ووحدات الزخرفة النباتية، لتتشكل أعمالها على معان وأفكار ومشاعر إنسانية من نوع الكبرياء، الحب، الكراهية، الحركة، الهمس، الانتظار، من خلال التعبير عنها بصريا وجماليا في مخاطبة الروح. بالإضافة إلى ذلك يضم هذا الملتقى، المعرض الرئيسي للخط، والمعارض الدولية الموازية له، ومعرض الحروفية، ومعرض جمعية الإمارات للتصوير الضوئي، بالإضافة إلى الندوة الدولية التي حملت عنوان «كونية الحرف»، الذي أحدث نقاشا وجدلا واسعا في المدارس الخطية والزخرفية والمعمارية، وأثار موضوع العلاقة بين التجريب والحروفية، والتشكيل والنحت. وتتجلى هذه الكونية في الانفتاح على الآخر من دون التخلي عن الشخصية الفردية والخصوصية.

وقد أوصى المشاركون في الندوة، وهم الدكتور أشرف عباس (مصر)، الدكتور السيد القماش (مصر)، ثائر الأطرقجي (العراق)، الدكتور جمال نجا (لبنان)، الدكتور حسن موسى (السودان/ فرنسا)، الدكتور خوسيه ميغل (إسبانيا)، الدكتور عبد الكريم السيد (فلسطين)، الدكتور عمر عبد العزيز (اليمن)، الدكتور عبد الله عطار (السعودية)، غازي النعيم (الأردن)، محمد مهدي حميدة (مصر)، بضرورة نشر الأبحاث المشاركة في كتاب، تعميق الدراسات الخاصة بتطوير الحرف العربي ضمن البرامج الرقمية، إقامة الندوات بالشراكة مع الكليات والجامعات المعنية، تعميق الصلة بالباحثين الأجانب، ومد جسور التواصل مع المؤسسات الخارجية، تبني وإنتاج معجم يضم الأعمال الخطية وأبرز المبدعين في هذا المجال، استضافة المكرمين من الدورات السابقة للإفادة من خبراتهم الطويلة، العمل على إعادة الاعتبار إلى الخط العربي في المدارس والمعاهد والكليات، وزيادة عدد الجوائز بما يتلاءم مع الفنون المتطورة. واحتضن رواق الشارقة للفنون جلسة فكرية للباحث محمد حسن من مكتبة الإسكندرية حول «ديوان الخط العربي في مصر»، تناول فيها الباحث أهم الرسوم والرقاع الخطية المنسوبة إلى عهد محمد علي وأسرته الحاكمة. يضاف إلى ذلك إقامة مجموعة من الورش، منها ورشة «الفرشاة الكبيرة» للفنانين اليابانيين المشاركين في الملتقى، في قناة «القصباء»، حيث شهدت إقبالا جماهيريا وتفاعلا كبيرا من قبل الجمهور والفنانين الذين أنتجوا عددا من اللوحات المتميزة.

يقدم ملتقى الشارقة للخط العربي في دورته الخامسة أيضا نماذج أخرى للكتابة، من خلال التجريب على الإمكانيات الجمالية الجديدة التي لا تستخدم القلم والريشة والأحبار فحسب، بل تذهب إلى استخدام الفرو والنسيج والشعر والزجاج والنحت أيضا. وهناك لوحات تحول الكتابة إلى جزء من تكوين اللوحة التشكيلية، وما تثيره من أحاسيس ومشاعر. ولعل شعار «كون» الذي اختاره الملتقى لهذا العام، من شأنه أن يركز على طاقات الحرف العربي بكل أبجدياته وعناصره وأصالته وإمكاناته الهائلة في تطوير الشكل والمضمون. ومن ناحية أخرى، ركز الملتقى على الهوية العربية والإسلامية وضرورة المحافظة عليها، لا من منطلق الانغلاق بل من منطلق الانفتاح على العالم الخارجي وتبادل الثقافات، وتجسيد الوجه المشرق للحضارة العربية الإسلامية. وقد أوضحت هذه الفكرة مئات اللوحات التي قدمت تنوعا إبداعيا مذهلا في فن الخط وقواعده الكلاسيكية وأصوله المحكمة في استلهام أسماء الله الحسنى، والآيات القرآنية، والحكم والأمثال، والحروف التي استمر الدأب على تجسيدها منذ قرون ولا يزال تستلهم طاقة الحرف التي لا تنتهي أبدا جيلا بعد جيل، ومعرضا بعد معرض.