باليه مودرن لـ«الرجال فقط» في بيروت

فرقة «باليه بويز» جالت في مدن عربية واستعرضت عضلاتها

من عرض «الموهبة» لفرقة «باليه بويز» وفي صالة التدريب
TT

آتية من رام الله وعمان حطت فرقة «باليه بويز» رحالها في بيروت. فالفرقة الإنجليزية التي اشتهرت برجالها الذين يرقصون من دون أي عنصر نسائي، يبدو أن المزاج العام يهواهم والجمهور يحب رؤية عروضهم. وضمن إطار «مهرجان بيروت للفن المعاصر» وبرعاية «المجلس الثقافي البريطاني»، استكملت الفرقة الإنجليزية الرائدة رحلتها العربية، مقدمة عرضا واحدا على خشبة «مسرح المدينة» الذي غص بمتفرجين فضوليين جاءوا لاكتشاف هذا الباليه الذي كسر الكلاسيكية بروح عصرية خارجة من نبض الشارع، وإيقاعات العصر وهواجسه.

ثلاثة أقسام للعرض الذي يحمل اسم «موهبة»، تتشابه وتختلف في آن. فهي متشابهة من حيث ذكوريتها المفعمة وموسيقاها التي تخلط فيها أصوات الآلات الأفريقية بهدير الأنغام التكنولوجية الحديثة.

الجزء الأول المسمى «التواء» من تصميم راسيل ماليفانت، هو بالفعل فرجة لرؤية أجساد هؤلاء الراقصين في قدرتها على تشكيل الانحناءات البدنية والالتواءات بمرونة لافتة. فرادى أو بتشكيلات ثنائية على وقع موسيقى جذابة، تتخللها أصوات رعد وعصف، شاهدنا ما يشبه معارك قتالية راقصة. الأفلام التي تغطي خلفية الخشبة على شاشة عملاقة تلعب دورا حيويا في العرض، فهي سواء كانت ملونة أو بالأبيض والأسود تحيلنا إلى الشارع إلى حركة السيارات أو الباصات، إلى الذات التي تبحث عن نفسها في المدينة. الشاشة هي أيضا وسيلة لتنقلنا إلى الكواليس لنرى هذه الفرقة المثيرة للغرابة، بسبب ذكوريتها المتطرفة، وهي تتدرب. المشهد الراقص خال من النساء في كواليس رجالية خالصة، جعلت المتفرجين في حالة فضول لمعرفة أكبر لهذا الميل نحو استثناء الجنس اللطيف وإقصائه كليا. فالفرقة التي تأسست بفضل مايكل نان وويليام تريفيت، وهما رائدان سابقان في فرقة الباليه الملكية، تستنفر كل طاقاتها، لترينا عرضا مليئا بالقوة والجسارة، وهو أمر تصعب رؤيته حين تلطف الراقصات المسرح بوجودهن، حيث نكتشف أنه يفرض مناخا مختلفا تماما عما نراه مع الرجال حين يكونون وحدهم.

سواء في الجزء الثاني الذي يحمل اسم «ألفا» من تصميم بول روبرت، أو في الجزء الثالث المسمى «فراغ» من تصميم التشيكي جارك سميريك، تتصاعد روح العنفوان الذكوري، لتجعل من هذا الباليه سواء في تشكيلاته الجماعية أو الثنائية نوعا من استعراض القوة والعنفوان، وتمجيد القيم الرجالية القتالية. مشاهد راقصة تذكرنا بحركات الكاراتيه والتيكوندو وما تحمله من قيم، وأخرى هي تجسيد لمعارك كباش بالأيدي، وغيرها هي تعبير عن قيمة توحد القوى العضلية التي تمنح المجموعة القدرة الدفاعية.

المثير في الفرقة أنها أوروبية، لكنها في الوقت نفسها، تبدو ذكورية بامتياز.

ربما لا يحلو للبعض رؤية هذا النوع الخاص من الرقص، الذي يعبر عن حس يخلو من أي أنثوية، لكن ثمة من رأى فيه رد فعل على حضارة تريد أن تعلي من شأن الأنثى حتى أنها نسيت ما كان قد قام به الرجل من جهود بفضل عضلاته وقوته البدنية.

الأمر يستحق النقاش، وفرقة «باليه بويز» ربما أنها لا تطمح لأكثر من ذلك، وهي تجوب دولا عربية، في عز انتفاضاتها وتحولاتها، وفي وقت يعود فيه العالم ليطرح الأسئلة حول ما كان قد اعتبر من المسلمات، لعقود طويلة انقضت.

ربما أن المشكلة الوحيدة لهذا العرض، أنه لا يستطيع أن يخرج عن فكرة واحدة تسيطر عليه، ألا وهي جنس الراقصين وقوتهم البدنية. وهو ما جعل مشاهد العرض تتشابه أحيانا رغم اختلاف المصممين لكل جزء منه. الحركات تتكرر وكأنما هي دعوة ملحاحة للمتفرج بأن يتأمل بعض ثوابته، وهو يرى جذوع الراقصين بكامل فتوتها والعضلات المفتولة والفتاكة تستعرض قوتها.

اليوم يختتم مهرجان «الرقص المعاصر» في بيروت بعد أسبوعين من متعة الفرجة الراقصة بحضور فرق عالمية أوروبية وعربية. وإذا كان عرض الافتتاح «قبلة وصرخة» قد خلب الألباب بفضل مخرجه جاكو فان دورميل وميشال آن دومي، فإن عرض الختام هذا المساء يتوقع أن يكون من أجمل الحفلات أيضا، وخاصة أن مقاعد مسرح المدينة حيث سيتم العرض حجزت جميعها منذ عدة أيام، وما عاد من متسع لأي حجز إضافي، رغم كثرة الطالبين.

عرض الليلة الذي مدته 60 دقيقة، سيكون للياباني هيرواكي أوميدا الذي سيقدم عمله المنتظر من خلال التركيز على كيفية استخدام القوى الطبيعية للجسد، مستخدما المعادلات والحسابات العلمية. كل هذا لن يوجع رأس المتفرج الذي سيرى نتائج هذه الحسابات فقط. حيث سيستمتع المتفرجون بمهارة راقص قادر على نحت المساحات والتعامل معها بشكل غير مألوف، مستخدما بشكل أساسي الأضواء والتكنولوجيا. ويعد منظمو المهرجان بفرجة مبتكرة حتى ليظن الحاضرون أن المسرح يتحرك ويميل بمن عليه، كل هذا من دون اللجوء لأي ديكورات ظاهرة. سيكون الفنان الياباني الليلة بصحبة الأضواء، بعرض مهاراته الجسدية فقط، ليقدم عرضا خلابا.