الأخطاء اللغوية في الصحف المصرية.. غرائب وطرائف!

من المصادرة إلى الملاحقة القضائية واستهجان القراء

TT

لا يخلو العمل الصحافي من مفارقات وأخطاء ربما يثير بعضها السخرية وروح الدعابة، لكن الطامة الكبرى تقع حين يتسبب خطأ ما في مصادرة إحدى الصحف، بل قد تتسبب بعض الأخطاء في ملاحقة الصحيفة قضائيا، وقد يثير الخطأ في دقة المعلومات الواردة في متن الخبر، أو المقال أو التحقيق، استهجان البعض، لأن ذلك قد يعتبر دليلا على إهمال الصحيفة وعدم تحريها الدقة فيما تنشره، وقد ترجع الأخطاء، سواء أكانت أخطاء صياغة أو أخطاء إملائية أو أخطاء طباعة إلى عدة أمور منها قلة ثقافة المحرر أو عدم وجود ديسك مركزي قوي أو عدم تمكن المراجع اللغوي (المصحح)، وأحيانا (وهو الغالب) ترجع إلى تعجل المسؤولين في إصدار الصحيفة لأسباب مرتبطة بميعاد الطباعة مما يجعلهم يقومون بتمرير بعض العناوين، والتي في كثير من الأحيان تكون في غاية الأهمية، دون الرجوع بها إلى المصحح فتحدث الكارثة.

والغريب أن ذلك يحدث كثيرا في المانشيتات وتعليقات الصور.. وعندها تضطر الصحيفة إلى تقديم الاعتذار أو تصويب الخطأ في اليوم التالي.. وحفل تاريخ صاحبة الجلالة في وطننا العربي بنوادر وطرائف كثيرة، فمنها مثلا أن أحد الأصدقاء بعث إلى الصحافي الراحل أنطوان الجميل، أحد رؤساء تحرير جريدة «الأهرام» بنعي لأحد أقربائه، راجيا نشره بـ«الأهرام» ولكن النعي وصل إلى رئيس التحرير متأخرا، فكتب أنطوان الجميل أسفل النعي هذه الجملة «ينشر في صفحة الوفيات إن كان له مكان»، والمضحك أنه حدث خطأ في مراجعة النعي من جانب، وفي تنفيذه على الصفحة من جانب آخر فجاء نشره في صفحة الوفيات هكذا «توفي إلى رحمة الله تعالى فلان الفلاني تغمده الله بواسع رحمته وأدخله فسيح جناته، إن كان له مكان».

ومن الأخطاء المضحكة أن صحيفة «الأهرام» المصرية نشرت زاوية تشيد فيها بالشيخ الخضري (أحد مشايخ الأزهر) وكان عنوان الزاوية: «الصحيفة تثني على عمة الشيخ الخضري الكبيرة».. وكان تصويب العنوان أن «الصحيفة تثني على همة الشيخ الخضري الكبيرة»، ومما يدعو للفكاهة أكثر أن عمة الشيخ الخضري كان معروفا عنها كبر حجمها فعلا مما تسبب في أزمة بين الشيخ والصحيفة.

ومن الأخطاء والنوادر الفكاهية أيضا أن محررا في صفحة الحوادث بجريدة مصرية حرر خبرا عن حادث وكان المتهم سعودي الجنسية وخشي المحرر أن يسيء نشر الخبر إلى العلاقات بين البلدين، فكتب: «وأكدت المصادر أن المتهم ينتمي إلى دولة يحج إليها المسلمون».

وثالثة الأثافي أن صحافيا كتب مقالا بعنوان «يريد الشياطون»، لكن الجندي المجهول في بلاط صاحبة الجلالة (المصحح اللغوي) أنقذه من تلك الفضيحة الكبرى وصوب له خطأه، ولما رجع إليه المقال ثار وهاج وقال لمن حوله من زملائه إن هذا المصحح جاهل بقواعد النحو ألا يعلم هذا المصحح أن الفاعل مرفوع بالضمة، وزاد في عناده وترك عنوان مقاله كما هو. أما عن الأخطاء الصحافية الفادحة التي أدت إلى مصادرة الصحيفة في ذلك اليوم، بل ومحاصرة الجريدة من قوات الأمن فتعود إلى عام 1960 إثر انشغال الرأي العام في مصر وقتها بقضية السفاح محمود أمين سليمان الذي قام بارتكاب جرائم قتل متعددة، وكان الرئيس جمال عبد الناصر منشغلا ومهتما جدا بهذه القضية، وقام أثناءها بزيارة إلى باكستان وتمنى إلقاء القبض على السفاح قبل عودته من الزيارة، وأثناء توجه عبد الناصر إلى باكستان قتل السفاح، فنشرت الجريدة بالصفحة الأولى عنوان: مصرع السفاح وتحت هذا العنوان مباشرة كتب عنوان آخر يقول: عبد الناصر في باكستان، إشارة إلى خبر زيارة الرئيس، فبدا العنوان هكذا «مصرع السفاح عبد الناصر في باكستان» وكأنه جملة واحدة.. وعلى الفور تمت مصادرة أعداد الجريدة.

وكثيرا ما يأتي الخطأ نتيجة رداءة خط الكاتب ولا يدرك هذه المشكلة إلا من يعمل في المؤسسات الصحافية التي ما زالت تعتمد على كتابة المادة الصحافية على الورق، فيمر الأصل على الديسك، ثم تأتي مرحلة الجمع (الصف)، ثم إلى التصحيح ويكون المصحح في هذه الحالة وكأنه يتعامل مع لوغاريتمات فتمر بعض الأخطاء، ولذلك شواهد كثيرة منها أن أحد الكتاب أراد أن يعدد إنجازات الرئيس المصري السابق حسني مبارك فكتب تحت عنوان «إنجازات مبارك في كل بيت»، ونظرا لسوء خط الكاتب وصغره، حيث إنه كان يستعمل القلم الحبر وكان مستوى الخط الكلمة فيه أصغر من النملة، تمت قراءة كلمتي «كل بيت» على أنهما «تل أبيب»، فجاء العنوان هكذا «إنجازات مبارك في تل أبيب». ومن حسن الحظ أن التفت إليها المسؤول عن الصفحة فتم تدارك الخطأ قبل الطبع.

لكن، بعد هذا السرد لتداعيات بعض أخطاء صاحبة الجلالة يبقى سؤال: هل بعد هذه الثورة التكنولوجية في عالم الصحافة تم تلاشي الأخطاء؟ وللإجابة عن هذا السؤال، يقول خبراء في مهنة مراجعة التحرير (التصحيح)، إنه في ظل التقدم التكنولوجي المذهل الذي شهده عالم الصحافة الورقية قلت نسبة الأخطاء.. غير أنها لا تزال موجودة.