الهنود يلقون نظرة نادرة على باكستان

مع استضافة دلهي مؤخرا لأول معرض باكستاني للملابس والأطعمة

معرض « الالف ستايل باكستان» ابهر الهنود وخاصة النساء بما عرضه من ملابس وأطعمة («الشرق الأوسط»)
TT

من الملابس المسايرة للموضة والأقمشة الوطنية والمصنوعات الجلدية والإكسسوارات المحلية إلى مذاق الأطعمة الأصلية، ألقى الهنود نظرة مختلسة نادرة على باكستان، مع استضافة العاصمة الهندية دلهي مؤخرا أول معرض باكستاني للملابس وهو معرض «لايف ستايل باكستان».

وفي إطار هذا الحدث النادر الذي يقام لأول مرة، اجتمعت أفضل العلامات التجارية الباكستانية وأفضل المصممين والعلامات التجارية المحبوبة والشخصيات الثقافية الباكستانية تحت سقف واحد في الهند لتجسيد نقطة بداية جديدة في التبادل الثقافي والمعتمد على التواصل البشري بين الهند وباكستان.

وفد ما يربو على 100 تاجر ورجل أعمال باكستاني، فضلا عن كبار المصممين والعارضين، إلى دلهي لإظهار ذلك الوجه من باكستان الذي لم يكن قد تجلى من قبل في الهند بتلك الصورة التي تأسر ألباب العامة.

انبهر المشترون الهنود، وبخاصة النساء، بالمجموعة الهائلة من الملابس المصنوعة من أقمشة رائعة لمصممين بارزين، علاوة على التصميمات الباكستانية المميزة. اجتذب المعرض أعدادا ضخمة من الزائرين، بعضهم أتى بدافع الفضول، غير أن كثيرا منهم حضر لشراء الأقمشة الباكستانية والأرز البسمتي واللوحات والأعمال الفنية والمصنوعات اليدوية والمجوهرات النفيسة وشبه النفيسة والإكسسوارات والخوصة (أحد أنواع الأغذية التي تصنع في مدينة مولتان) والأثاث المنزلي. وأقيمت على هامش المعرض أيضا أحداث ثقافية تضمنت تقديم أغان لمطربين من المناطق المجاورة.

وبعد نجاح الحدث، ثمة سؤال يطرح نفسه وهو: إذا كان على الهند وباكستان تحديث حالتهما على مواقع التواصل الاجتماعي، ترى ما الذي سيكتبانه على صفحتهما؟ هل ستكون الحالة هي «مطلق» أم «منفصل» أم «علاقة معقدة» أم «أعزب» أم «في علاقة»؟ بالنظر إلى حالتهما المزاجية وعلاقتهما الودود تلك الأيام، يمكن القول إن تحديث الحالة الشخصية الأكثر ملاءمة ربما يكون «في علاقة».

بالنسبة للهنود، كان الحدث بمثابة مفاجأة مدهشة وتغيير جذري للفكرة التي ترسخت في أذهانهم منذ الصغر. فالشباب وعامة الجمهور، الذين تربوا منذ الصغر على قصة دولة تتأصل فيها جذور أزمة وتحيا حياة القرون الوسطى، دهشوا عندما رأوا المصممين الباكستانيين ذوي المظهر الأنيق. وانتابتهم الدهشة أيضا عندما رأوا هذا القدر من الحيوية والتنوع متجسدا في معروضات للجمهورية الإسلامية التي يعتقد كثيرون أنها لا تملك شيئا يمكنها أن تقدمه خلاف التعصب والنضال المسلح.

كانت قاعة المصممين ممتلئة عن آخرها إلى حد أن «الرجال» لم يكن مسموحا لهم بالدخول، إذ لم تكن هناك مساحة خاصة للتسوق. قال أسعد ساجد، أحد مستشاري الأعمال: «نقدم أسعارا تنافسية ونحن هنا لمد يد العون للمتسوقين في فهم وتقدير التصميمات الباكستانية. ومع فشل السياسة ولعبة الكريكيت في مد جسور التواصل بين البلدين، نأمل أن تحقق الموضة هذا الهدف». وأضاف قائلا: «رد الفعل جاء أفضل بكثير مما توقعنا». إن معرض «لايف ستايل باكستان» يمثل جهدا تعاونيا بين باكستان ومنظمة ترويج التجارة الهندية.

لقد أثار الباكستانيون إعجاب الهنود بقصاتهم وتصميماتهم المبتكرة، التي قوبلت بطلب كبير من الهنود. في اليوم الأول من المعرض، تم بيع بضائع طاولات بأكملها. إلا أن المعجبين يقولون إنه لو طرحت مجموعة من التصميمات الغربية، للقيت استحسانا.

قطعت بيرنيا رايزادا، المحبة للموضة، الطريق من مومباي للتسوق من أجل شراء ملابس باكستانية. وأضافت: «التصميمات رائعة جدا إلى حد أنني أرغب في شرائها كلها، لكن إذا كانت تلك هي الحال، فسينتهي بي الأمر إلى شراء كل الملابس التقليدية. أتمنى لو كانت هناك بعض التصميمات الغربية المصنوعة من أقمشة باكستانية، خاصة الموسلين».

وملأ المشترون الذين سافروا من باكستان بأموال محدودة وبهدف استكشاف سوق الموضة حقائبهم بمشتريات جيدة وبهدايا تذكارية رائعة من الهند. وتحدثوا عن حبهم لكل شيء هندي ورد الفعل العاطفي الكبير الذي لقوه في الهند والتحول الثقافي الذي يجري مجراه في باكستان. لم يكن الحدث متعلقا بالتجارة فقط، بحسب محمد إقبال من شركة «بونانزا غارمنت إنداستريز بي في تي» المحدودة. فهو يرى أيضا أن الحدث أشعل جذوة التبادل الثقافي بين البلدين، كما يعتبر بمثابة فرصة نادرة للتفاعل مع السكان المحليين.

يقول إقبال: «كان رد الفعل مذهلا، وقد تمثل أفضل جانب من المعرض في أننا حظينا بفرصة التفاعل مع الهنود. لم آت إلى هنا من قبل كممثل للشركة، وفي ما يتعلق بالتجارة، حقق الحدث نجاحا باهرا».

كانت هاني وقار، ملكة التصميمات النسائية الباكستانية، من بين الحاضرين أيضا. وكانت في حالة من السعادة الغامرة بتقديم إنتاجها للأفراد المعنيين بارتداء ملابس مصممة على الطريقة الباكستانية! «أتينا إلى هنا لتمثيل بلدنا وكان رد الفعل تجاه المعرض مدهشا. لقد راقت المعروضات للحاضرين، وهم يأتون إلينا ويسألوننا كيف يمكنهم أن يحملوها»، قال وقار.

وعن الموضة في باكستان، كان هناك تحول محدد يجري مجراه في المجتمع الباكستاني. تضيف: «ربما نبدو محافظين، ولكني أشعر بالسعادة عندما أرى رجالا باكستانيين شبابا يرتضون أن ترتدي زوجاتهم فساتين من دون أكمام. لكننا حافظنا على جوهر ثقافتنا».

وتقول المصممة شيزراي حسين إنها حظيت بتجربة مرضية في الهند.

تقول حسين، التي تملك علامة تجارية تحمل اسم «إنسامبل» في باكستان: «الهند هي ثاني أكبر سوق في العالم بالنسبة لنا بعد باكستان، لذلك، أشعر برضا شديد عن عملي هناك. شهد متجري آلاف المستهلكين وتمكننا من بيع أكثر من 600 قطعة. من الرائع أن تكون جزءا من الهند. حتى أنني تلقيت قدرا كبيرا من الطلبات من تجار الجملة والمتاجر التي تعرض علامات تجارية متعددة».

وقال سيد علي ديباج، الذي أشرف على طاولة «عاصم جوفا»، المصمم الباكستاني الشهير، إنه على الرغم من أنهم يعرضون ملابس رسمية، فإن الإقبال على الملابس البسيطة المصنوعة من الموسلين كان مدهشا. «إنه أفضل أنواع الأقمشة القطنية ومناسب للملابس غير الرسمية وفي المجموعة التي نقدمها، يكون هناك توظيف للتطريز والرقع المخملية، وغيرها من عناصر الزينة التي تجعل الملابس متعددة الاستخدامات.

وفيما راق للزائرين معظم التصميمات المعروضة، شكا بعضهم من أن كثيرا منها سيكبدهم مبالغ ضخمة. فلم تكن أسعار المعروضات مرتفعة بشكل مذهل فحسب، بل عرضت إحدى الطاولات ملابس مقلدة تحمل علامات تجارية شهيرة مثل «شانيل» و«لوي فيتون» و«بولو»، والتي كان يصعب تمييزها عن المنتجات الأصلية، أو هكذا يزعم زائرو المعرض الذي استمر لمدة ثلاثة أيام.

أسعار المعروضات مرتفعة جدا: تراوحت أسعار الملابس القطنية ما بين 2500 و8000، فيما بلغت أسعار الأساور الزجاجية 500. وشكا بعض الزائرين من الأسعار المبالغ فيها فيقول أحدهم: «تبدأ أسعار الملابس القطنية من 3000، وهذا سعر جنوني. فعادة ما تكون هذه مجرد ملابس قطنية من دون أي تطريز أو زخرفة أو أعمال يدوية. لن أشتري مطلقا مثل تلك الملابس بهذا السعر المرتفع».

لم تكن الملابس هي الشيء الوحيد الذي لاقى رواجا كبيرا في هذا الحدث التجاري الذي استمر أربعة أيام، حيث كان الطلب مرتفعا أيضا على الأطعمة الباكستانية الأصلية، مثل النهاري والبرياني والتيكاس. قام عشرون من الطهاة الباكستانيين ذائعي الصيت بتقديم بعض المأكولات القوية والمختلفة بعض الشيء، والتي امتزجت بالإحساس وصنعت من أفضل المكونات المحلية.

ساعدت تلك المأكولات على زيادة الحميمية ودعم علاقة الصداقة الجديدة الناشئة بين دولتي الجوار، اللتين يربط بينهما تاريخ وثقافة مشتركة ولكنهما عانتا من أزمة ثقة.

تقول إحدى الزائرات وتدعى شاليني سينغ: «إن الطعام الذي يقدم هنا له مذاق مختلف تماما ونكهة حارة جدا. إنه لذيذ جدا لدرجة أن الكميات الكبيرة من الزبدة الموجودة في أعلى تلك الأطعمة لم تجعلني أشعر بالذنب بالصورة الكافية لمقاومة هذا الإغراء».

كان هناك حظر تام لاستخدام لحوم الأبقار في أي من الأطباق التي قدمت في المعرض، وذلك احتراما للتقاليد الهندية والحساسيات الدينية والثقافية لغالبية السكان في الهند.

لم يكن معرض «لايف ستايل باكستان» فقط بمثابة فرصة للتجار الباكستانيين لإيجاد زبائن لهم في الهند، ولكنه شجع أيضا الكثير من الأشخاص، الذين غادر آباؤهم البلاد في بعض الأوقات السياسية العصيبة، على زيارة الهند للمرة الأولى.

كانت عائلة والد مجيب الرحمن، ميا عبد الرحمن، تمتلك العديد من الأعمال التجارية في الهند في وقت من الأوقات، حيث كان ميا عبد الرحمن يمتلك مدابغ للجلود في أغرا وبوني وكلكتا وتشيناي، حتى غادر هو وزوجته إلى مدينة فيصل آباد في باكستان.

ولد مجيب الرحمن في مدينة فيصل آباد، وتعتبر هذه الزيارة هي الأولى له إلى الهند لعرض منسوجاته في هذا المعرض.

يقول مجيب الرحمن: «كان والدي من أغرا ولكنه درس في كلية مدراس المسيحية. انتقل والدي بعد الانفصال إلى مدينة كراتشي أولا ثم إلى فيصل آباد، حيث أسس شركة للمنسوجات. اعتاد أبي أن يتحدث بشغف عن الناس في مدراس، حيث كان يقول إنه في الوقت الذي اجتاحت فيه أعمال الشغب والمشاكل شتى أنحاء الهند، ظلت مدراس هادئة».

و محمد إقبال الذي يعيش في كراتشي، فتعتبر هذه زيارته الأولى أيضا إلى الهند. وينتمي والد محمد إقبال، محمد عثمان، ووالدته، سايرا بانو، إلى مدينة مومباي. يقول إقبال: «لا يزال معظم أفراد عائلتنا يعيشون في مومباي. انتقل والدي إلى الرفيق الأعلى مؤخرا، بينما لا تزال والدتي تعيش في كراتشي، وكانت آخر زيارة لها للهند منذ 15 عاما».

يشعر إقبال بالسعادة للاستجابة الرائعة التي حظي بها في هذا المعرض، ولكن ينتابه شعور بخيبة الأمل الناجمة عن عدم قدرته على زيارة مومباي.

يقول إقبال: «منذ أن أتيت إلى هنا، تتصل بي والدتي يوميا متسائلة عن سبب عدم ذهابي إلى مومباي حتى الآن. والدتي امرأة طاعنة في السن ولا أعرف كيف أخبرها بأن تأشيرة الزيارة الخاصة بي مقتصرة فقط على دلهي، لكن الشيء الجيد هو أن ابن أختي سيأتي من مومباي إلى دلهي لزيارتي».