محمد كامل.. ذاكرة حية لتاريخ الحركة الأدبية المصرية

أتيليه القاهرة أقام له حفل تأبين به بوصفه «قارئا» فريدا

محمد كامل
TT

أن يتم الاحتفاء بكاتب أو فنان له منجزه، أو تأبينه حين رحيله، فهذا أمر عادي وتقليد متبع في الثقافة المصرية، وربما يكون عالميا، لكن الأمر مختلف هذه المرة، فقد تم تأبين «القارئ» محمد كامل في «أتيليه القاهرة» يوم الخميس الماضي بوصفه قارئا هذه المرة، بحضور نخبة كبيرة من المثقفين والكتاب والفنانين المصريين، ممن كان له الفضل، بحسبهم، في توجيههم بآرائه في كتاباتهم وإبداعاتهم.

وتحدث عدد من الكتاب، الذين رعوا حفل التأبين، وكان منهم الفنان التشكيلي أحمد الجنايني، والشاعر سمير عبد الباقي، والروائية ابتهال سالم، والكاتبة سوزان التميمي، وأسامة ريان، عن علاقتهم الإنسانية بالراحل، وأنه كان لهم أبا وصديقا وأخا، كما أن آراءه وتوجيهاته كانت مؤثرة ومفيدة لهم في أعمالهم الإبداعية، وأشاروا إلى أن محمد كامل هو صاحب فكرة «رواق العامية» في الأتيليه، وكان داعما له ولإنشائه، مثلما كان يشجع كل الأعمال الجيدة.

كان محمد كامل مجرد قارئ، لكنه ليس قارئا عاديا، بل كان مهتما بالأدب والثقافة والفن والسياسة، قارئا نهما له آراؤه التي كان يصرح بها في كل أحاديثه مع الكتاب الذين يقرأ لهم دون مواربة أو مجاملة.

محمد كامل الذي توفي منذ أيام عن عمر يناهز (71 عاما) ولد بحي العباسية أوائل أربعينات القرن الماضي، وكان يسكن بجوار فيلا الفنانة آسيا، المنتجة المعروفة، التي كون صداقة مع عائلتها وتعلم منهم الكثير، ولظروف ما ألمت بحياة أسرته، توقف قطار كامل التعليمي عند محطة المرحلة الابتدائية، مكتفيا بحصوله على شهادتها من مدرسة الضاهر الابتدائية، حيث انتقل فيما بعد إلى حي باب الشعرية الذي أكمل فيه بقية عمره، وكانت هذه الشهادة على رغم درجتها سلاحه في الحياة، ومصدر رزقه، وأيضا التعرف على شتى صنوف المعرفة والعلم.

رحل محمد كامل تاركا ابنة واحدة وأربع حفيدات، تقول ابنته أسماء: «كان والدي مثقفا واعيا مهموما بقضايا الثقافة والأدب والفن والسياسة، وكانت ملامحه تجمع بين الهم والأمل والضحك والبكاء والعطف وحب الإنسان، كان قارئا يصعب أن نجد له مثيلا الآن، وهو من علمني القراءة وجعلني أحب الثقافة والأدب».

وأضافت: «خالط والدي كثيرا من الكتاب والأدباء، وكانت مناقشاته معي تنم عن وعي عميق وثقافة واسعة، لكنه لم يصدر كتابا واحدا، وكذلك لم ينشر مقالا في جريدة أو مجلة، وكان يحمل في ذاكرته تاريخ الحركة الأدبية المصرية منذ خمسينات القرن الماضي، مصنفا أهم محطاته، وتقاطعاته، واللحظات الفارقة في مسيرته، حيث كان يمتلك ذاكرة لاقطة وقوية».

ترك محمد كامل مكتبة ضخمة تضم آلاف الكتب التي قرأها ووضع على هوامشها ملاحظاته وآراءه، وعن هذه المكتبة تقول أسماء: «ترك والدي آلاف الكتب، فالكتب في كل مكان في البيت، وعليها إهداءات من كبار الكتاب والأدباء، وتشمل كل مناحي المعرفة الإنسانية في الأدب والعلم والفن والتاريخ، والفلك والجغرافيا والموسيقى».

وبسؤالها عن مصير هذه المكتبة وعن ما إذا كانت ستتبرع بها باسمه لمؤسسة أو مكتبة عامة أو جامعة قالت: «أوصاني والدي بأن أحتفظ بكتبه ولا أفرط فيها وأن أورثها إلى أحفاده، وأن أحافظ عليها وأحبب أولادي في الأدب والثقافة وحتى تكون ذكراه عالقة دوما في قلوبهم ».