فيلم «حبيبي راسك خربان» الفلسطيني.. قصة حب تعكس واقع الحصار

من إخراج اللبنانية الأصل والأميركية الجنسية سوزان يوسف

مشهد من «حبيبي راسك خربان»
TT

ظهر الفيلم الفلسطيني «حبيبي راسك خربان» للنور عام 2011، بعد نحو 10 سنوات كاملة، وكانت مخرجة الفيلم اللبنانية الأصل والأميركية الجنسية، سوزان يوسف، ترغب في تصوير الفيلم بالكامل في قطاع غزة، ولكنها لم تتمكن من ذلك بسبب اعتراض الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الرغم من ذلك، فإنها نجحت في تحقيق هدفها المتمثل في أن يكون الفيلم فلسطينيا خالصا، على الرغم من كل العوائق والعراقيل التي واجهتها.

وعندما التقيتها في مهرجان حقوق الانسان السينمائي، الذي عرض خلاله الفيلم لأول مرة في العاصمة البريطانية لندن، كانت سوزان قد خرجت للتو من تصوير فيلم «الأخ رقم واحد»، الذي يلقي الضوء على حالات القتل والتعذيب في كمبوديا في السبعينات من القرن الماضي في ظل نظام الخمير الحمر. وكانت العاطفة تطغى على سوزان وهي تتحدث عن السياسات المحيطة بإنتاج الفيلم.

ويمثل الفيلم معالجة حديثة لقصة الحب التراجيدية «مجنون ليلى»، حيث عمد الفيلم إلى تقديم مزيج بين الشعر الموجود في تلك الرواية الكلاسيكية والقضايا المعاصرة للفساد في فلسطين، والسياسات المتطرفة، والمثل العليا للمرأة المسلمة المعاصرة في قطاع غزة، وهو ما أثار الكثير من الأسئلة حول تلك القضايا.

وتدور أحداث الفيلم حول قيس وليلى اللذين يدرسان في جامعة بيروت. ويدرس قيس التاريخ، في حين تدرس ليلى الهندسة، ويقع كل منهما في حب الآخر. ويرى كل منهما أنه، على الرغم من الموت والدمار الذي يحيط بكل شيء هناك، لديهما الحق في الحب والكتابة عن الحب. وقالت ليلى: «فلندع الشعر يكسر الاحتلال». ونتيجة للظروف السياسية، يتم فصل قيس وليلى من الجامعة ويضطرا للعودة إلى خان يونس، حيث تعيش ليلى مع عائلتها التي تطلب منها الزواج من شخص يدعى ورد، في حين يعيش قيس في معسكر للاجئين ويحاول الحصول على وظيفة كعامل بناء. ونتيجة لهذا التفاوت في المستوى الاجتماعي، يعارض والد ليلى زواجها من قيس.

وقد خطرت الفكرة لأول مرة بذهن سوزان خلال أول رحلة لها إلى قطاع غزة عام 2002، بدافع من تجربتها الخاصة في الحب وانخراطها في السياسة هناك. وخلال تلك الرحلة، التقت سوزان بمخرج مسرحي وأحبته، واصطحبها ذلك المخرج لمشاهدة عرض مسرحي بعنوان «مجنون ليلى» قام بتنفيذه الأطفال بالكامل. ولم تقع سوزان في حب المخرج المسرحي فحسب، ولكنها وقعت في حب قطاع غزة ككل بسبب القضايا الإنسانية التي شاهدتها هناك. ورأت سوزان أنه يتعين عليها أن تعيد إنتاج رواية «مجنون ليلى»، لكي تقوم بالتعبير عن مشاعرها العاطفية وعن السياسات المحيطة أيضا. وعلى هذا الأساس، قررت سوزان تصوير الفيلم بالكامل في قطاع غزة، وقالت: «لقد تم تدمير كل الآلات والأدوات الخاصة بي، وتعرضت للاستجوابات، وتم التعامل معي بصورة وحشية، ولكن لم يكن هذا هو أسوأ ما في الأمر». وقد تلقت سوزان المشورة من عدد قليل من الفنانين المشاهير في السينما الفلسطينية، بما في ذلك المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، وهو مخرج فيلم «عيد ميلاد ليلى».

وقالت سوزان: «حذرني رشيد من أنه سيكون من الصعب للغاية التصوير في قطاع غزة، ولا سيما في خان يونس». وبعد ذلك بثلاثة أعوام، وبالتحديد في عام 2005، نجحت في تصوير نحو 25 في المائة من أحداث الفيلم هناك. وفي عام 2009، كانت سوزان ما زالت تحاول التصوير هناك، ولكنها فقدت حماسها وتخلت عن الفكرة، وقررت التصوير في رام الله ويافا وبيرزيت.

إلى جانب مواقع التصوير، كانت النواحي المالية هي أهم جانب في عملية اتخاذ القرار بالنسبة لسوزان، ففي ظل عدم امتلاك فلسطين صناعة سينما منظمة، يتطلع الكثير من صناع السينما إلى هيئات التمويل الإسرائيلية للحصول على الدعم. تقول سوزان: «تلقيت نصيحة من مخرجين إسرائيليين بالعمل بشكل مستقل، فهذه قصة فلسطينية، وليست قصة إسرائيلية - فلسطينية مشتركة». لقد غطت نصيحتهم المتعلقة بضرورة عدم أخذ أموال إسرائيلية عدة نقاط. تقول سوزان: «أخبروني أيضا بأن أهالي غزة لن يسمحوا بذلك مطلقا، كما أشاروا إلى أنه سيكون من الأفضل بالنسبة للفيلم أن لا يتم تمويله بأي مصدر تمويل إسرائيلي». لقد أثارت حوارات سوزان مع الناس هناك مخاوف أخرى. تروي سوزان قائلة: «عندما تحدثت إلى الناس في قطاع غزة، وجدتهم يائسين، سيخبرونك أنهم لن يأخذوا أموالا من الإسرائيليين، لكنهم في حالة من السعي المستميت من أجل البقاء، وإذا ما أتيت إليهم بأموال وفرص إبداعية، فربما يغضون الطرف عن المصدر الإسرائيلي للأموال، لكن آخرين قد يتمسكون بعدم أخذ أي تمويل إسرائيلي من أي شخص كان».

في ما يتعلق بالتوزيع، حذرها المنتجون الإسرائيليون أيضا من أن إنتاج فيلم بتمويل إسرائيلي سيجعله يبدو، على الأرجح، كما لو كان فيلما إسرائيليا، وهو الأمر الذي كانت تعارضه بشدة: «من ناحية سوف يسقطون كلمة (فلسطين)، ومن ثم ستفقد قومية فيلمك. ومن ناحية أخرى، لكي أحصل على أموال منهم، سيتعين علي أن أبرز جوانب إسرائيلية معينة في الفيلم. كنت مهتمة برواية القصة من خلال شخصية هذين المحبين، وبحلول عام 2001 لم يكن هناك أي تفاعل بين غزة وإسرائيل على المستوى الإنساني. ومن ثم لم يكن ذلك ممكنا من دون إدخال تغيير على القصة».

وبخلاف كونه مشروعا سعت من خلاله سوزان إلى إبراز موقف من خلال طاقم فلسطيني كامل من دون أي مساعدة إسرائيلية، يستمر الفيلم في توجيه جهود لخدمة قضايا خيرية. سوف تسمح رحلة تعليمية تالية لسوزان بأخذ الفيلم إلى جامعات مختلفة في الولايات المتحدة. كذلك يجمع فريق عمل الفيلم أموالا لمؤسسة تحالف أطفال الشرق الأوسط الدولية الكائنة في كاليفورنيا، وهي مؤسسة تدعم الأسر والأطفال في لبنان والعراق وفلسطين، من خلال مساعدات غذائية مباشرة، وإمدادات طبية، ومنح دراسية، ومشاركة مجتمعية، وإمداد المدارس بمياه نظيفة. ويستمر عرض الفيلم في مهرجانات الأفلام الدولية والجامعات في العام المقبل، مع خطط لعرضه في فلسطين.