حكايات خيالية.. رحلة داخل عالم المصورة الفلسطينية رائدة سعادة

تزامن معرضها في لندن مع تدشين كتاب جديد لها

4 صور تحتل رائدة قلبها حيث ترتدي ملابس شخصيات تعلق الأطفال بها مثل سندريلا وذات الرداء الأحمر وبنلوب ورابونزيل
TT

رائدة سعادة مصورة فوتوغرافية وفنانة تتناول في أعمالها البيئة المحيطة بها من خلال وضع نفسها في قلب التناقضات التي تعيش داخلها، حيث تجد نفسها كمسلمة فلسطينية تحمل جواز سفر إسرائيليا وتلقت تعليمها باللغة العبرية في تناقض مستمر مع واقعها. لا يزال في عملها مؤشرات تحمل استسلاما بقدر ما تحمل من مقاومة. لقد كانت شخصيتها محور كثير من أعمالها، حيث عبرت عن أفكار تتعلق بوضعها كامرأة تعيش تحت الاحتلال على المستوى المادي والمعنوي في تماس واضح مع السياسي والشخصي. وتزامن معرضها في قاعة عرض «روز عيسى» في حي كينسنغتون في العاصمة البريطانية لندن الشهر الماضي مع تدشين كتابها الجديد. وتضمن المعرض عددا من صور سعادة. لكن التركيز كان على مجموعة أعمال بعنوان «حكايات حقيقية، حكايات خيالية» التي تتكون من 4 صور تحتل رائدة قلبها حيث ترتدي ملابس شخصيات تعلق الأطفال بها مثل سندريلا وذات الرداء الأحمر وبنلوب ورابونزيل. ورغم أن المشاهد التي تصورها ليست مطلقة في تناولها، حيث تعبر من خلال المزج بين التصوير المعاصر والإحالات إلى الحكايات نفسها، عن تعليق يوضح شعورها غير المريح تجاه وضعها كمسلمة فلسطينية تحمل الجنسية الإسرائيلية وتقيم وتعمل في القدس.

وكتبت فرانشيسكا ريتشي، الكاتبة والفنانة، في مقال لها حول هذه المجموعة نشر في كتابها الصادر حديثا عن التناقضات قائلة إنها «تعبر عن ذكاء وبديهة حاضرة وغرابة في الوقت نفسه. وتتيح الصور مساحة كبيرة للتأويل». وتعرض هذه الصور الخط الرفيع الفاصل بين النهاية السعيدة والتهديد المحدق الواضح في الحكايات الخيالية، لكنه ما تشعر به الفنانة على المستوى الشخصي لها باستمرار. وتصور رائدة نفسها من خلال لوحة «سندريلا» وهي توشك على السقوط بينما ترتدي فستانا وردي اللون وتاجا مثلما تظهر في الحكاية، لكن على خلفية من شوارع يافا ومتحف جانا غور. وتشير رائدة من خلال هذه الحكاية الشهيرة إلى تاريخ هذا الحي بوجه خاص الذي تم تهجير سكانه الفلسطينيين منه ليلا. وتم تحويل منازل السكان إلى أماكن سياحية مثل متاحف ومطاعم. وتشير هذه الصورة التي التقطت في الرابعة صباحا إلى الحكاية الخيالية من خلال شكل الملابس، لكن بإضافة مشاهد النهار في شوارع يافا.

وتتناول ذات الرداء الأحمر في وسط حي لا بورس في تل أبيب الذي يعد مركزا اقتصاديا وسياسيا، وتقف رائدة حاملة سلة تحتوي على بعض الأشياء وتبدو عليها الحيرة بين مجموعة من المباني الأجنبية الشاهقة حيث تتخذ القرارات التي تؤثر عليها شخصيا. وتشبه صور رائدة كبيرة الحجم اللقطات السينمائية. وتساعدها كل التفاصيل من ملابس وديكور وإضاءة في إيصال الرسالة. في تصويرها لشخصية بنلوب في الأساطير اليونانية والتي تماطل فيه من خلال الغزل ونقضه حتى تتفادى اختيار زوج، تجلس رائدة فوق مبنى متهدم، حيث تحيط بها قطع ضخمة من الغزل المنقوض بالضبط مثل بطلة الأسطورة، لكن الفارق هو أن بكرة غزلها ضخمة مما يشي بالوقت الطويل الذي ستحتاجه من أجل إنهاء غزلها، فضلا عن مجموعة «الحكايات الخيالية»، تعرض أيضا مجموعة من الصور من مجموعة «الأساتذة العظماء»، التي تشير خلالها إلى مجموعة من عظماء الفنانين الأوروبيين مثل مارسيل دوشامب وليوناردو دافنشي ويوهانس فيرمير. وتعيد في هذه المجموعة تقديم لوحات مثل الموناليزا والفتاة التي تحلب اللبن بتفاصيلها، لكن على خلفية الأماكن الخاصة بها بدلا من الخلفيات الريفية الأصلية، فخلفية لوحة الموناليزا حي عين كريم الفلسطيني الذي كان زاخرا قبل عام 1948. ومن المعروف أن يهودا من اليمن سيطروا على الحي الذي هرب منه الفلسطينيون. تأثر رائدة بأساتذة في الفن الكلاسيكي واضح، ومن بين هؤلاء جان أوغست دومينيك أنغر وإدوارد مانيت، حيث يتضح تأثرها بهم في الأوضاع ومستوى الصورة المرئي مثل أوليمبيا لمانيت، حيث تغطي في اللوحة التي تحمل عنوان «من الذي سيجعلني حقيقية؟» جسدها بصحف مما يشير ضمنا إلى الانفصال بين عناوين الصحافة عن المرأة وهي في وضع صعب، والسيدة في وضعها الحقيقي.

وتتضمن أعمالها مزيجا من عناصر حركة دادا في بداية القرن العشرين والتأثير الأساسي من الفنان الأميركي صاحب فكرة تصوير الذات، سيندي شيرمان، لكنها لا تزال محتفظة بتفردها في رسائلها السياسية الواضحة المألوفة التي لا تعير اهتماما للمواءمات. وعرضت رائدة لوحات لها في برشلونة ونيويورك وكولونيا والقاهرة والشارقة، لكن هناك مفارقة أخرى تحيا بها وهي أن جواز سفرها الإسرائيلي يحول بينها وبين دخول الدول العربية.

* كتاب «رائدة سعادة: إعادة صياغة فلسطين» Saadeh: Reframing Palestine Raeda، مراجعة روز عيسى، متوافر في مكتبات أمستردام وبيروت ولندن وعلى شبكة الإنترنت.