إشارات اليد.. رسائل «مغلفة» يجيدها السياسيون

لغة الإشارة باليد هي من أعظم اللغات وهي التي ترجح عقلية المتحدث ومدى تركيزه وإسهابه في طرح فكرته

ياسر عرفات و باراك اوباما («نيويورك تايمز») و توكل كرمان
TT

تحايا مغلفة، أو رسائل غاضبة، تختزل في ثناياها ألف كتاب، وتعرج بألف خطاب، مكتنزة إيماءات مدروسة ذات وقع دلالي وسياسي محبوك، وهي تختزل «العنتريات» المهيجة، والرامية للتكوينات السيكولوجية التي وسمت نواصيها بتعابير الحرية والنصر تارة، وتيارات المقاومة والممانعة في تارات أخرى.

وتنهج تلك التحايا توجهات حكومات وسياسات قادة، وتغمرها ضمنا قرارات سياسية استراتيجية لأولي الألباب، تمررها قنوات الإشارة، وتنقلها إيماءة إصبع، وتدلفها نحو موقعة تفسيرها، أتون الصراع، وويلات الحروب، وشآبيب النصر والهزيمة.

أبرز تلك التحايا التي خطفت قلوب السعوديين، كانت تحية الملك فهد بن عبد العزيز، إبان تتويجه للفرق الرياضية المنتصرة عند نهاية كل موسم رياضي، فكانت تباشير الفرح عنوان يد الملك الراحل، الذي ما انفك يحيي شعبه بيمينه ملوحا بها يمنة ويسرة.

وتبين صور لسياسيين تعودوا رفع السبابة إلى أعلى لتشير إلى كلمة التهليل، خاصة بالمنتمين إلى الاتجاهات اليمينية في أحزاب سياسية في الدول الإسلامية.

لغة الأصابع التي تتخذ حرف «v» وهي من أصل «victory»، عرف بها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، حيث كانت دائما لغة يجيد صناعتها في المناسبات واللقاءات، وهي تعبير عميق يؤكد عودة الحق العربي والإسلامي للأراضي الفلسطينية المغتصبة، حيث شكل إصبعاه، دليل الصمود ودعائم الحق في المقاومة.

ونحت بدورها تحية الإبهام، معترك الإشارات السياسية وهي تعني حق الامتياز والكمال، وهي تعتبر تجسيدا مؤكدا نحو جودة العمل واكتمال المهمة وأشهر من عرف عنها المناضلة اليمنية توكل كرمان التي كانت رمزا من رموز الثورة اليمنية بعد أن رفعت إبهامها كناية على نجاح التصويت في الانتخابات اليمنية.

وقال الدكتور فهد الغامدي، أستاذ السلوك الإدراكي، إن لغة الإشارة باليد هي من أعظم اللغات وهي التي تستحوذ على نصيب الأسد وترجح عقلية المتحدث ومدى تركيزه وإسهابه في طرح فكرته، حيث تجنح نحو قرائن حسية مكبوتة من حيث الفرح والتحية والألم والأمل.

وضرب مثلا على حركات اليد أن يكون الإبهامان متلاصقين، فهذا يعني أن المتحدث عقلاني وكريم ومثقف ويستطيع التأقلم مع الظروف العامة، وقبضة اليد هي دليل القوة وتبعث رسائل ضمنية بأن الشخص القابض بيديه هو صاحب شخصية محكمة وقوية ودافعة نحو السيطرة والأمن، أما اليد حين ترفع «السبابة» فهي ترسل برسائل تحذيرية فيها ويل وثبور وتهديد ووعيد، خاصة إذا كان الإصبع متحركا غير ثابت، لأنه إن كان ثابتا مرتفعا للأعلى فهذا يدل دلالة ضمنية على الشهادة أو طلبها، أو على الحق كما يزعم صاحبه.

وأفاد الغامدي بأن اليد إن كانت ترفع فقط الأصبع الأوسط، فهي دلالة على تذمر وسخط وانعكاس لعدم الرضا، وهو تصرف يعتبر لا أخلاقيا فيه انتهاك لخصوصية ومشاعر الموجه إليه، وهي أصبحت لغة دارجة لدى فئة الشباب المتذمر، خاصة في المجتمعات الغربية، أما العربية فلها نفس الرسالة، لكن على غير المنحى في حركة الأصابع.

وقال أيضا «أظهرت الدراسة أن هناك ثلاث وسائل يستخدمها الإنسان لتوصيل المعنى أثناء التخاطب الشخصي. الكلام، نبرة الصوت، ولغة الجسد. والمفاجأة أن ما كان يعتقده الناس من أن الكلمات هي الموصل الأول، فلم تحصل إلا على 10 في المائة في هذه الدراسة. وحصلت نبرة الصوت على 35 في المائة، والباقي 55 في المائة كان من نصيب لغة الجسد».

وقال من جانب آخر، الدكتور علي الشريف، أستاذ في لغة الإشارة، إن إشارات الزعماء قادرة أو عامدة نحو إرسال رسائل ضمنية مختلفة، وقد تغني عن خطابٍ مفوه يستغرق بضع ساعات، حيث إن الحركات الجسدية تستطيع أن تبعث برسائل قوية جدا البعض منا يوصل رسالة للشخص المقابل من دون أن يتفوه ببنت شفة.

وأضاف الشريف «الذكي فقط، يفهم مدلول هذه الإشارة، لذلك قيل: اللبيب بالإشارة يفهم، وهناك الكثير من السمات الجسمية التي تظهر على الشاب، فتعرف صفاته من حركاته التي يقوم بها، إذا كان جادا ومكترثا، أو كان لعوبا وغير جاد، ولا يمكن الاعتماد عليه، ولغة الجسد قد تحتاج إلى خبراء في معرفتها وفهمها وتحليلها، وليس كل من شاهد حركة في جسم ما، فهم هدفها والمعنى منها، فأنت قد تلاحظ أن مدير مكتب ما، جمع أوراقه بسرعة، وخرج مهرولا، فأنت تستنتج أن أمرا مهما قد وقع».

وتشير أسطورة إنجليزية تاريخية إلى أن أصل علامة النصر بفتح الإصبعين جاءت من رماة السهام في الجيش الإنجليزي في حرب «المائة عام»، تحديدا في معركة أجينكورت مع فرنسا، حيث تدعي القصة أن الجنود الفرنسيين كانوا يريدون أن قطع أصابع الرماة الإنجليز عندما يتم أسرهم بعد المعركة. لكن خروج الإنجليز منتصرين في المعركة قادهم للتباهي بإبراز أصابعهم للعيان مرفوعة، وأنها لا تزال سليمة.