فرقة الصامتين المصرية للأداء الحركي.. الرقص على أوتار الصمت

حققت نجاحات في مهرجانات دولية وتعد الأولى من نوعها في العالم

لقطة من عرض للفرقة يتناول حياة كليوباترا ملكة مصر
TT

«قد تعني الإعاقة السمعية أو البصرية نهاية الحياة بالنسبة لكثيرين، ولكن يظل الأقوى دائما هو الذي يستطيع الاستمتاع بمفردات الحياة مهما بدا ذلك صعبا».. بهذه الروح، تأسست فرقة الصامتين المصرية للأداء الحركي التي تعد الأولى من نوعها في العالم.

شهدت الفرقة انطلاقتها في عام 2005 بمدينة المحلة الكبرى شمال القاهرة، وتضم ثلاثين شابا وفتاة من الصم والبكم الذين لم تمنعهم الإعاقة من الإبداع واستخدام مواهبهم في التعبير الحركي والرقص على أنغام لا يسمعونها.

رضا عبد العزيز، مؤسس الفرقة، يقول لـ« الشرق الأوسط»: «منذ الصبا وأنا مولع بالفلسفة وعلم النفس والبحث في النفس البشرية، وهذا ما دفعني في الكبر إلى اقتحام عالم الصم بهدف التعرف عليه ولمسه عن قرب، ولدي يقين دائم بأن الصم كأي أقلية رغم أنهم بشر ويتقاسمون الحياة معنا، فإن لهم عالمهم ولغتهم الخاصة ويعانون مرارة الشعور بالغربة في مجتمعهم الرحب، فأردت أن أذهب إلى عالمهم كمستكشف لأسرار النفس البشرية».

يضيف رضا: «عندما دخلت إلى عالمهم لم أكن أجيد الحديث بلغة الإشارة، فبهرني هذا العالم الذي يتحدث فيه أهله بأيديهم لا بألسنتهم، وشعرت بأنني في كوكب آخر مع بشر آخرين، وبدأت رحلة تعلمي للغة الإشارة الخاصة بهم للتقرب من عالمهم حتى أصبحت واحدا منهم، وعشت لحظات صمم مفتعل عندما كنت أستعين بسدادة من الفلين وأضعها في أذني لكي أشعر بشعورهم، بعدها شرعت في تأسيس الفرقة». يشير رضا إلى أنه لجأ إلى إنشاء الفرقة عندما لاحظ أن العروض المسرحية التي تقدمها فئة الصم والبكم لا تحقق التواصل بينهم وبين الجمهور العادي، فسعى لتوظيف خبراته الفنية من موسيقى واستعراض لابتكار اتجاه فني يحق التفاهم والتواصل بين الصم والبشر العاديين، يعتمد في المقام الأول على لغة الجسد التي هي لغة كل البشر منذ القدم.

ويقول رضا الملقب بـ«بيتهوفن العرب» في الفرقة..«قررت أن يعتمد اتجاهي الفني في الفرقة على لغة ثالثة غير لغة الإشارة الخاصة بالصم وغير لغة الكلام العادية، فتوصلت إلى لغة الأداء الحركي وأن يكون مسرحهم مسرحا راقصا، يتحدث فيه الصامتون للعالم بالفن والإبداع».

وحول المشكلات التي واجهتهم، يتابع رضا: «واجهتنا مشكلة في تطبيق فكرة المسرح الراقص، فهو يعتمد في الأساس على انفعال الراقصين بالموسيقى، وهو ما لا يمكن تحقيقه مع الصم الذين لا يسمعون الموسيقى، ولكن عندما عدت إلى حياة الموسيقار العالمي بيتهوفن وجدت أنه ابتكر وسيلة تمكنه من التعرف على ألحانه بعد أن فقد السمع وهي (أسلوب الاتصال العظمي)، حيث كان يقوم بوضع رأسه على جسم البيانو ليشعر عظم الجمجمة بالذبذبات الموسيقية الصادرة من البيانو نتيجة عزفه».

ويضيف رضا «قمت بعد ذلك بتطوير أسلوب بيتهوفن ليتناسب مع طبيعة إعاقتهم، حيث ولدوا صما ولا يمتلكون ذاكرة صوتية وموسيقية كالتي كان يمتلكها بيتهوفن، فاعتمدت على أسلوب الاتصال العظمي، ولكن عن طريق النقر على الكفوف والأكتاف بحيث يشعر الصامتون بالزمن الموسيقى للمعزوفات الموسيقية المصاحبة لعروضهم، ومن ثم ترجمت إحساسهم إلى عروض فنية ذات رسائل تهم الإنسانية».

أما عن أبرز العروض التي قدمتها الفرقة، فيقول رضا: «قدمنا عرض (أجنحة صغيرة) في المهرجان الدولي للرقص المسرحي عام 2006 على المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية، ووصفت إدارة المهرجان تجربة فرقة الصامتين بأنها تطور مذهل لفن الرقص المسرحي وإنني استطعت أن أنطق الصامتين بعد أن جعلت من الرقص المسرحي لغة».

يضيف «توالت بعد ذلك مشاركات الفرقة في مختلف المهرجانات الدولية والاحتفاليات القومية، قدمنا خلالها الكثير من العروض الفنية ذات رسائل إنسانية مهمة منها (نيران صديقة) لمناقشة قضية الإدمان، و(كليوباترا ملكة الملكات) و(شهر زاد) و(دموع الفرح) و(أرابيسك)، ومؤخرا شاركت الفرقة بنجاح مبهر في الأسبوع الثقافي المصري بالهند».

ويتوقع رضا أن يكون لفرقة الصامتين حضور دولي قوي في مختلف مهرجانات الرقص، والأسابيع الثقافية المصرية التي ينظمها قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة، خاصة بعد النجاح المبهر الذي حققته الفرقة خلال مشاركتها في الهند.

ويشير رضا إلى أنه يستعد حاليا لتطوير تجربة فرقة الصامتين عن طريق دمج المعاقين المكفوفين في أحد العروض الفنية ولكن بشكل مختلف، «حيث يتم الآن تكوين مجموعة من الموسيقيين المكفوفين، وسيقوم الصامتون بتقديم أحد عروضهم الراقصة على أنغام فريق المكفوفين الموسيقي، مما يعد تحديا فنيا وإنسانيا، حيث إن الموسيقيين المكفوفين لن يروا رقص الصامتين على أنغامهم، وفى المقابل لن يسمع الصامتون الأنغام الموسيقية التي يعزفها لهم المكفوفون، وكأن كل إنسان منهم يعين الآخر على تحدي إعاقته بالفن والإبداع».

وعن آخر مستجدات الفرقة، يقول رضا: «نقوم الآن بالتحضير للمشاركة في مهرجان الإبداع العربي الذي تقيمه رابطة إبداع العالم العربي والمهجر بفرنسا في 25 أبريل (نيسان) الحالي تحت شعار (نلتقي لنرتقي)، ومن المقرر أن تقدم فرقة الصامتين عرض (كليوباترا ملكة الملكات) وهو من تأليفي وتصميمي وإخراجي، وهو عرض فرعوني يروي حياة الملكة كليوباترا».

وينهي رضا حديثه قائلا: «حقق مشروع الصامتين الكثير من النجاحات الإنسانية والثقافية، فقد نجحنا باقتدار في تحطيم حاجز اللغة الذي يحول دون تواصل الصم والعاديين ودمجهم في المجتمع بشكل إنساني راق، ودائما أرحب بالتعاون مع مختلف المؤسسات الثقافية لتطبيق التجربة في مختلف دول العالم لأن مسرح الصامتين المغاير هو مشروع حضاري لكل الإنسانية».