السينما الهندية تحتفل بمرور 100 عام على بداياتها

قدمت ألوانا رائجة من الرومانسية إلى الدراما والاستعراض

مشهد من أول فيلم هندي ناطق «عالم آراء»
TT

تتباهى الهند بإنتاج ما يقرب من ربع إنتاج العالم من الأفلام بلغات متعددة بما يزيد على 13.000 دار عرض ويصل عدد مشاهديها إلى 15 مليون مشاهد يوميا. كانت رحلة رائعة بلغت عامها الـ100 هذا العام، رغم الحقيقة المرة، وهي أنها مدفوعة بالاختلافات الحادة في الدين والطبقة الاجتماعية والعرق واللغة، لكن الجميع يضحكون ويبكون معا أثناء مشاهدة الأفلام.

لقد قدمت السينما الهندية أنواعا مختلفة من الترفيه، من الرومانسية التي تعطي مذاقا للفيلم إلى الاستعراضات الغنائية المتعددة في مواقع التصوير المحلية المدهشة، والحركات المثيرة في عالم الجريمة، إلى الميلودراما الاجتماعية القوية والقصص الوردية المبهجة. ومن الأفلام الأخاذة التي تلقى رواجا حتى الأفلام المتعددة المنتجة خصيصا للهنود الذين يتحدثون الإنجليزية، والأفلام الخاصة بالهنود غير المقيمين في الهند التي تتميز بالمحتوى المؤثر لتأسر قلوب الذين يحنون للوطن من الهنود المغتربين، تقدم السينما الهندية وجبة دسمة ومتنوعة.

وصلت السينما إلى الهند عام 1896 مع عرض أفلام السينماتوغرافيا للأخوين لوميير الفرنسيين في بومباي (مومباي حاليا) حيث كشف الأخوان عن 6 أفلام قصيرة صامته في مومباي، بعدها بعام واحد قاما بإنشاء شركتهما الخاصة في باريس.

ولكن ما حدث في 21 أبريل (نيسان) عام 1913 كان تاريخيا، حيث وقف أثرياء ومشاهير مومباي في صفوف على مسرح أوليمبيا في ذلك الوقت، وما شاهدوه كان فيلما هنديا كاملا وصامتا بعنوان «راجا هاريشاندرا» الذي يصور الأسطورة القديمة لملك شريف ضحى بمملكته وزوجته وأطفاله ليفي بوعده قديس مبجل، وما زال الملك الأسطوري إلى يومنا هذا مثالا للشرف والصدق المطلق.

بدأ دادا صاحب بهالكي، مخرج الفيلم، ثورة في الهند، باستخدامه الشريط السينمائي، ويطلق عليه أيضا الأب الروحي للسينما الهندية. لم يكن مسموحا في ذلك الوقت للنساء بالقيام بأدوار في الأفلام، لذلك كانت أدوار النساء يلعبها رجال، يرتدون ملابس النساء. وكانت الأفلام صامتة حيث لم يكن هناك صوت أو حوار.

قد يكون الفرنسيون هم أصحاب الفضل في تقديم فكرة الصور المتحركة، ولكن لم يعرف العالم وقتها أن الهند ستصبح يوما أكبر صانعة أفلام في العالم.

كان عام 1931 عاما تاريخيا بالنسبة للسينما الهندية، بفضل إدخال الصوت في الأفلام، ظهر أول فيلم سينمائي ناطق، وهو «عالم آراء»، وحقق شهرة مدوية في جميع أنحاء الهند. بعدها، جاء فيلم «بهاكتابراهلادا» (تيلوغو) الذي عرض في 15 سبتمبر (أيلول) عام 1931 وفيلم «كاليداس» (تاميل) الذي عرض في 31 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1931.

أحدث الفيلم الناطق تغييرا جذريا في السينما الهندية، حيث لعبت النساء أدوارا في الأفلام. كانت هناك محاولات لإنتاج أفلام ناطقة في الثلاثينات بلغات محلية مختلفة. أحدثت فكرة أن يسمع ويشاهد المرء فيلما بلغته الأم انتشارا لصناعة الأفلام في جميع أنحاء الهند. ومع تقدم تقنيات الصوت في الثلاثينات، شهدت السينما الهندية إدخال الموسيقى، من خلال إنتاج أفلام غنائية مثل «إندراسابها» و«ديفي ديفياني» معلنة بذلك بداية الأفلام الهندية التي تتميز بالاستعراضات الغنائية. انتشرت استوديوهات التصوير في المدن الكبرى مثل مدراس وكلكاتا ومومباي، حيث أصبحت صناعة السينما حرفة معروفة بحلول عام 1935.

بعد وقت قصير، أصبحت مومباي عاصمة الأفلام الهندية الناطقة بالأردية، مستخدمة بذلك شكلا من أشكال اللهجات المحلية. طورت تلك الأفلام الهندية الأردية أسلوبا خاصا، ينظر إليه بوصفه أسلوبا قوميا، بينما ينظر إلى الأفلام الأخرى بوصفها محلية. وعلى الرغم من أن بوليوود تصنع أفلاما باللغة الأردية الهندية، فإن التاميلية والبنغالية والملايامية هي اللغات التي تنتج بها أغلب الأفلام غير الهندية. نجح نظام استوديوهات جديد في مومباي حتى الأربعينات مع نشأة منتجين مستقلين يرون أن النجم هو عامل مؤثر على شباك التذاكر، حيث بدأوا في مطاردة النجوم الكبار ليقوموا ببطولة أفلامهم. وبالتبعية، قام النجوم برفع أجورهم لمستويات خيالية، لتبتلع الجزء الأكبر من ميزانية المنتجين، وهي نزعة استمرت حتى الآن في صناعة الأفلام الهندية الحالية.

أصبحت الشاشة الفضية شاشة بديلة تعبر عن مشاعر الوطنيين في فترة ما قبل الاستقلال. لم يكن سبب إثارة الرقابة جدلا للمرة الأولى في الهند حينذاك بسبب وجود مشاهد عري أو عنف، ولكن لأن فيلم «بهاخت فيدور» الذي تم إنتاجه عام 1921 كان ينظر إليه بوصفه قصة رمزية سياسية محرضة.

أعطت الأغاني مذاقا مختلفا للاتجاه السائد في السينما، لكن حتى الأغنية قد تكون محرضة بشكل غير مباشر. في الفيلم الذي حقق نجاحا كبيرا «قسمة» عام (1943)، كانت أغنية «دور هات دنيافالو هندوستان هامارا هيه» أي (اذهبوا بعيدا.. الهند ملك لنا) بمثابة تحد واضح للحكم البريطاني في الهند.

في بداية القرن العشرين، بدأ يزداد الاتجاه لصياغة محتوى الأفلام التجارية الهندية خصيصا لجذب تلك الجموع عن طريق دمج العناصر المختلفة للحياة الاجتماعية والثقافية في الهند في السينما.

بعد الاستقلال عام 1947، اعتبرت فترة الخمسينات والستينات «العصر الذهبي» للسينما الهندية من حيث الأفلام والنجوم والموسيقى وكلمات الأغاني. لم يتم تصنيف نوع الأفلام بدقة، ولكن كانت الأفلام الأكثر شعبية هي الأفلام الاجتماعية، التي تناقش مشكلات المواطنين الاجتماعية في الدولة النامية حديثا، كما أن بعض الأفلام التي لاقت ثناء في تاريخ السينما الهندية تم إنتاجها في هذه الفترة.

من دون شك، بدأت المرحلة الأفضل في بوليوود في وقت ما في بداية الخمسينات، التي شهدت صعود نجوم السينما الهندية الـ3؛ ديليب كومار وراج كابور وديف أناند.

ظهر الـ3 في الكثير من الأفلام الخالدة، حيث كان كل منهم يحاول تحسين أدائه التمثيلي وطريقته المميزة. وفي أوج شهرتهم، كان يقال إن السيدات في فترة منتصف العمر يتهافتن على ديليب كومار، بينما تتهافت الشابات على ديف أناند وكان راج كابور محبوب بقيتهن. من بين الـ3، بقي ديليب كومار، البالغ من العمر 89 عاما، حيا، وإن كان يعاني من ضعف في الصحة. ومن الجدير بالذكر أن جيلا من أبطال السينما نقلوا عنه طريقة أدائه.

في الصناعة المرتكزة على الرجال، لعبت البطلات أدوارا ثانوية. وعلى الرغم من ذلك كانت نرجس مادهوبالا وميناكوماري ونوتان وفيجايانتيمالا وأشا باريخ نجمات لهن شعبية، إلا أن النجاح ذهب لنظرائهن من الرجال.

أصبح الاتصال المبكر للسينما الهندية بالمناطق الأخرى المحيطة جليا من خلال غزو أفلامها الاتحاد السوفياتي والشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا والصين. اكتسب نجوم السينما الهندية، مثل راج كابور، شهرة عالمية عبر آسيا وأوروبا الشرقية، كما شاركت الأفلام الهندية في المحافل والمهرجانات الدولية. وساعد هذا صناع السينما البنغالية في ذلك الوقت، مثل ساتاياجيت راي، على تحقيق شهرة عالمية، من خلال أفلامه التي لاقت قبولا بين المشاهدين الأوروبيين والأميركيين والآسيويين.

كان لأعمال راي تأثير عالمي، حيث إن صناع الأفلام مثل مارتن سكورسيزي وعباس كياروستامي وجيمس إيفوري وإليا كازان وفرانسوا تروفو وستيفن سبيلبيرغ وكارلوس سورا وجون لوك غودار، وإيساو تاكاهاتا وغريغوري نافا، وإيرا ساكس وويس أندرسون، قد تأثروا بأعماله وأسلوبه السينمائي، كما أن آخرين مثل أكيرا كوروساوا يثنون على أعماله. وقد أثبت ساتاياجيت راي، الذي أنتج فيلمه الأول، «باثربانشالي» (أغنية الممر) باللغة البنغالية عام 1955 نفسه كواحد من أعظم صناع الأفلام في العالم، وقد حصل على تقدير عالمي عندما فاز بالأوسكار عن مجمل أعماله عام 1992. تغيرت طريقة صناعة الأفلام في السبعينات، وبخاصة صناعة الأفلام الهندية. كان هذا عصر الشاب الغاضب، حيث اكتسب أميتاب باتشان شهرة، ولم تكن الممثلات أقل حظا. فمن فترة ممثلات مثل سافيتري وفيجايانتي مالا ونرجس، ووحيدة رحمن، إلى فترة حازت فيها نجمات مثل سريديفي وريكها وسميتا باتيل وهيما ماليني وأخريات كثيرات، على لقب محبوبات الجماهير.

على الرغم من ظهور التلفزيون الملون في الثمانينات، كان ينظر إلى شرائط الفيديو المقرصنة بوصفها أكبر تهديد لفن السينما. كانت دور العرض تعرض أفلاما لمشاهدين أغلبهم رجال، وينتمون للطبقة العاملة، ولذلك ليس غريبا أن تعتبر تلك الفترة هي عصر أفلام الحركة والتجارب مع أفلام رقص الديسكو وأفلام الاغتصاب والانتقام. كما أدت زيادة انتشار الشرائط السمعية خلال ذلك العقد إلى إحياء موسيقى الأفلام وعودة الشعبية لرومانسية المراهقين، مع أدوار يلعبها نجوم أصغر سنا.

في التسعينات، تأثرت صناعة السينما الهندية بشكل ضخم نتيجة تحرر الاقتصاد الهندي. فقد أصبحت الثقافة الشعبية جزءا من السينما الهندية، على الرغم من محاولات سينما جنوب الهند المستميتة للاحتفاظ بقوتها، حيث استمرت في صناعة أفلام للجموع.

أصبح شاروخان وسلمان خان وأمير خان هم النجوم الأكثر شعبية في السينما الهندية حيث عبرت شهرتهم الحدود. وتراجعت أفلام الدراما العائلية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية، حيث بدأ صناع الأفلام في تقديم أفلام تقوم على الحركة والكثير من الرومانسية. حتى الآن تقوم السينما على الخيال، وعلى الرغم من ظهور القنوات الفضائية والمحطات الكابلية، عاد جمهور العائلات إلى دور العرض. كان ذلك بقيادة سوراج بهارجاتيا، الذي قدم «هام أبكي هين كون» (من أكون بالنسبة لك) عام 1994، الذي حقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما الهندية تحت شعار «المؤسسة الأعظم هي العائلة البشرية».

تصنع بوليوود الشهيرة عالميا أفلاما باللغة الأردية الهندية. وبجانب بوليوود، تزدهر الآن صناعة أفلام بلهجات محلية مختلفة. تقوم صناعة السينما في جنوب الهند بالتعريف بالـ4 ثقافات في الجنوب كوحدة واحدة وهي: صناعة أفلام الكنادا، والملايلام، والتاميل، والتيلوغو. ويتميز إنتاج سينما الجنوب بالضخامة، حتى أنها تنافس بوليوود من حيث حجم الإنتاج.