بطارية المعادن السائلة.. وآفاق واعدة في استخدام وتخزين الطاقة النظيفة المتجددة

يمكنها التغلب على مشكلة التقطع فيها.. وسيكون محفزا لانتشارها وتطوير أنظمة طاقة أكثر كفاءة

تقنية بطارية المعادن السائلة ستحدث ثورة في نطاق الشبكات العامة لتخزين الطاقة
TT

من بين الأهداف الرئيسية الحالية لبحوث الطاقة الكهربائية، إيجاد وسائل وأساليب جديدة يمكنها المساعدة في التقليل من عدم الانتظام في إمداداتها، وبخاصة مع الطلب المتزايد عليها، لهذا، يحاول العلماء حاليا البحث عن أفضل وأنسب التقنيات التي تحقق التوازن المثالي في التزود المنتظم بالكهرباء، وتعد تقنيات الحصول على طاقة متجددة ودائمة ونظيفة وغير مكلفة، من بين التوجهات العالمية الحالية، وكيفية تخزينها في نطاق الشبكة الكهربائية، لاستخدامها عند الحاجة سواء في الليل أو خلال أوقات الذروة في النهار. ولكن مشكلة الطاقة المتجددة، مثل الشمس والرياح، أنها متقطعة، فالرياح لا تهب دائما، وكذلك الشمس لا تشرق دائما.

ومن بين التقنيات الحديثة التي أعلن عنها مؤخرا، معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركي الشهير (MIT)، والتي من شأنها أن تحدث ثورة في نطاق الشبكات العامة لتخزين الطاقة الكهربائية، تقنية بطارية المعادن السائلة (Liquid Metal Battery)، فقد أعلن فريق بحثي من المعهد عن تمكنه من ابتكار تقنية جديدة قيد التطوير تعرف ببطارية المعدن السائل، يمكن أن تستخدم يوما ما كإمدادات منتظمة أكثر اتساقا للطاقة المتجددة على نطاق الشبكة الكهربائية، حيث سيمكنها التغلب على الإمدادات المتقطعة لطاقة الرياح أو طاقة الشمس، كما يمكنها أن تعمل على خفض تكاليف تخزين الطاقة الكهربائية، مما يسمح لنطاق شبكة الكهرباء العامة أن يقوم بتخزين الطاقة من مصادر متفرقة مثل توربينات الرياح أو الخلايا الشمسية، فسوف تقوم هذه البطاريات بتشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة في شبكات الطاقة التقليدية، الأمر الذي سيسهم في حلول لمشكلات تخزين الطاقة على نطاق الشبكة، التي تتعلق إلى حد كبير بتكاليفها.

ولجلب هذه التقنية الجديدة إلى سوق تخزين الطاقة على مستوى الشبكات، فقد تأسست شركة «بطارية المعدن السائل» (Liquid Metal Battery Corportion)، وموقعها الإلكتروني (http://lmbcorporation.com) في عام 2010، في كمبريدج بولاية ماساتشوستس الأميركية، التي تعمل في مرحلة مبكرة لتطوير وتسويق بطارية المعدن السائل، والشركة هي واحدة من عدة شركات جديدة، تحاول أن تتغلب على التحديات التي تواجه الطاقة النظيفة الناشئة، وهدف الشركة هو تطوير بطاريات معادن سائلة غير مكلفة، بحيث يمكنها تخزين طاقة نظيفة ورخيصة يمكن استخدامها في تذليل إمدادات منتظمة من الطاقة في أوقات الحاجة إليها، وبخاصة في أوقات الذروة خلال النهار، الأمر الذي سيساعد في استقرار تقلبات العرض والطلب على شبكة الكهرباء، وقد استقطبت الشركة في وقت مبكر من العام الحالي 2012، استثمارات بملايين الدولارات، من مؤسس شركة «مايكروسوفت» الأميركية، بيل غيتس، ومن شركة النفط الفرنسية «توتال» (Total)، ووكالة الطاقة لمشاريع البحوث المتقدمة التابعة لوزارة الطاقة الأميركية.

وترجع فكرة هذه البطارية إلى البروفسور دونالد سادواي، أستاذ كيمياء المواد بقسم علوم وهندسة المواد بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومؤلف لأكثر من 135 بحثا علميا، وصاحب 16 براءة اختراع، وقد قام مع ديفيد برادويل عام 2010، بتأسيس شركة «بطارية المعدن السائل»، وقد توصل سادواي في أبحاثه في الكيمياء الكهربائية للأملاح المنصهرة إلى اختراع بطارية يمكن إعادة شحنها لتطبيقات التخزين على مستوى نطاق الشبكة، وتطوير تكنولوجيا كهروكيميائية سليمة بيئيا لإعادة تدوير المعادن، وقد اختارته مجلة «تايم» الأميركية مؤخرا، ضمن أكثر من 100 شخصية مؤثرة في العالم، فعندما كان يتحدث في شهر مارس (آذار) الماضي في مؤتمر «تيد» (TED)، على الإنترنت «www.ted.com»، الذي يعنى بنشر الأفكار الثورية التي تستحق الاهتمام والانتشار والتقدير، اشترك أكثر من 380.000 ألف شخص في مشاهدة البث المباشر لمحاضرته التي كانت بعنوان «الحلقة المفقودة في مجال الطاقة المتجددة»، الذي أشار فيها إلى أن مشكلة مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح، أنها متقطعة، والمطلوب هو بطاريات على مستوى الشبكة، لتخزين الطاقة عند إنتاجها، بحيث يمكن استخدامها في ساعات التوقف، وهذه البطاريات يجب أن تكون ضخمة ورخيصة، كما أشار سادواي إلى أنه يقوم الآن هو وفريقه البحثي، بالعمل على التوسع في استخدام هذه البطاريات الجديدة على مستوى الشبكات، التي ستكون قادرة على تخزين كميات كبيرة من الطاقة وبتكلفة منخفضة.

وبطارية المعدن السائل، يدخل فيها، مكونات سائلة هي الملح المنصهر (molten salt) والمعدن السائل (liquid metal)، ويستخدم فيها درجات حرارة عالية، ولديها القدرة على تخزين بكفاءة كميات هائلة من الطاقة الكهربائية، ويمكن تفريغ البطارية وشحنها بسرعة، ويستغرق ذلك 1 ميللي ثانية. ونتائجها واعدة في تطبيقات تخزين طاقة بإمدادات منتظمة ومستقرة، والمكونات السائلة للبطارية، تتكون من 3 طبقات متميزة بسبب كثافتها المختلفة، وهي من مواد منخفضة التكلفة، وهي: قطبان إيجابي وسلبي للبطارية، بينهما طبقة من «إلكتروليت» (electrolyte) (مواد من جسيمات مشحونة تتحلل بالكهرباء عند مرور التيار، ويتم من خلالها شحن البطارية أو تفريغها).

يقول سادواي: «قمنا بدراسة الكثير من المواد الكيميائية للتوصل إلى الخصائص الكهربائية المناسبة والمواد المتاحة بوفرة، والاختلافات في الكثافة التي من شأنها أن تسمح للطبقات أن تظل منفصلة، وقد وجد الفريق البحثي عددا من المواد المرشحة الواعدة، هي: المغنيسيوم السائل الأقل كثافة للقطب السالب الشحنة (الطبقة العليا)، ومزيج من الملح المنصهر يحتوي على كلوريد المغنيسيوم لطبقة الإلكتروليت (الطبقة الوسطى)، والإنتيمون السائل (antimony) عالي الكثافة للقطب الموجب الشحنة (الطبقة السفلى)، ويتم نظام العمل في درجة حرارة (700) درجة مئوية أو (1.292) درجة فهرنهايت».

ويشير سادواي إلى أن مصدر إلهام هذا العمل «جاء من الأعمال السابقة على الكيمياء الكهربائية لصهر الألمنيوم، التي تجري في الخلايا الكهروكيميائية التي تعمل في درجات حرارة مرتفعة على نحو مماثل، وقد اكتشفنا أن هناك طريقة لعملية الصهر في الاتجاه المعاكس».

ويضيف أن نظام البطارية يعمل من خلال التحليل الكهربائي للأملاح المنصهرة، وأن «الأفراد العاملين في مجال صناعة البطاريات، قد لا يعرفون عن الصهر الكهربائي للأملاح المنصهرة، ويعتقد الغالبية أن عملية ارتفاع درجة الحرارة سيكون غير فعال».

ويقول الفريق البحثي إن خلايا بطارية المعدن السائل، يمكن تحجيمها لتصل إلى أحجام أكبر، من شأنها أن توفر قدرات تخزين كافية لإدارة مشكلة التقطع من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتولدة، فعندما يكون لدينا كميات طاقة منتجة وأكثر من المطلوب من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، يمكن في هذه الحالة تخزين كميات الطاقة الفائضة في هذه البطارية، وذلك لإطلاقها عندما تعاني أشعة الشمس من نقص أو تكون الرياح أقل هبوبا ونشاطا. والأقطاب الكهربائية من بطارية المعدن السائل لا تعاني من ضغوط أو تصدعات، وذلك بسبب مكوناتها النشطة من السوائل. وحاليا تقوم شركة بطارية المعادن السائلة، بإجراء محادثات مع مستثمرين حاليين وجدد، بمن في ذلك أصحاب رؤوس الأموال، لتشجيع التمويل والتسويق فيها، وتعتقد الشركة أنه يمكن لتصميم بطارية المعدن السائل، أن يبنى في المصانع القائمة مع عقود التصنيع، ومن دون الحاجة لبناء مصانع خاصة بها من البداية، وهذا سوف يخفض تكاليف رأس المال إلى حد كبير.

يقول سادواي: «شركات المرافق الكهربائية ستكون في نهاية المطاف، هي المستفيدة من هذه التكنولوجيا، وما يهمني الآن هو تكلفة تخزين الطاقة، فهي عامل أساسي للبحث عن مواد أفضل تعمل على تحسين جميع جوانب هذه التقنية، بما في ذلك العبوات المستخدمة لإجراء المواد المنصهرة وطرق العزل والتدفئة الخاصة بها، فضلا عن سبل خفض درجة حرارة التشغيل للمساعدة في خفض تكاليف الطاقة، وإذا نجحت هذه التقنية الجديد فإنها ستغير من طريقة تعاملنا مع الطاقة المتجددة».

وتأمل شركة بطارية المعدن السائل، أن تساعد هذه التقنية الجديدة في خفض التكلفة الكلية لتخزين الطاقة الكهربائية، لتصل إلى نحو 100 دولار لكل كيلوواط في الساعة، وهي تكلفة أقل بكثير من سعر اليوم.