«الذئاب تصلي» كتاب يتوجه فيه إلياس الرحباني إلى أميركا وسوريا والفنان شوشو

دوّن فيه فلسفته الخاصة حول الإيمان والشباب والموسيقى والسياسة

إلياس الرحباني
TT

وضع الموسيقي إلياس الرحباني أصبعه على الجراح في كتابه الجديد «الذئاب تصلي» الذي دوّن فيه فلسفته الخاصة حول مواضيع حياتية عدة ومفاهيم إنسانية أهملها الإنسان اليوم بعد أن تأثر بالحرية التي يصفها بكذبة العصر والتي بسببها تدهور العالم ومالت القيم إلى الاندثار.

الغفران والإيمان والثورات العربية والموسيقى، إضافة إلى رسائل توجه بها إلى الولايات المتحدة وسوريا والفنان شوشو وغيرهم، جمعها إلياس الرحباني (الأخ الأصغر للأخوين عاصي ومنصور) في كتابه الذي بدأ تدوين الخواطر والقطع النثرية التي يتضمنها منذ أكثر من خمس سنوات، وعندما شعر بأن المشوار اكتمل قرر أن يضمها في كتاب ينقل قارئه إلى عالم روحاني فلسفي يتطلب الكثير من التفكير والتمحيص، فيخيل إليك أن إلياس الرحباني مارس النسك لنسج مقاطعه وتكوين حبكته التي تحاكي الفكر بطريقة عميقة رغم مدلولاتها البسيطة، وإذا ما أردت أن تضع لها عنوانا فالصدق يكون أفضلها، كونها تنبع من صراحته المعهودة التي ينقلها إليك بأسلوبه المباشر.

ففي المقطع الأول من كتابه، يقول إلياس الرحباني: «الذئاب تصلي، سقط العدل في الأرض، الذئاب تقرر تنفسنا.. سادوم وعامورة أصبحتا الهدف.. الأطفال بلا طفولة والكهولة انقرضت. الذئاب تصلي، والكل يعيش ربيعا داميا..الأولاد تلهو بعظام الآباء، الليل أصبح نور الأرض، الذئاب تضحك ضحكة عرجاء، إنها فترة استرخاء الظلم في الأرض.. الذئاب تصلي والكون يغرق رويدا رويدا في الفراغ المجهول».

من يقصد بالذئاب؟ يوضح إلياس الرحباني في حديثه لـ«الشرق الأوسط» «إنهم الرؤساء وكل السياسيين الذين يحكمون الأرض، جميعهم متشابهون ويتنوعون بين ذئاب الكون وذئاب البترول وذئاب الجامعات والمؤسسات، هدفهم واحد الحكم والمال، ونحن الضحايا ومن يدفع الثمن».

يدعو الكاتب وبنكهته الرحبانية المعروفة بقول الحقيقة مهما كانت صعبة وينصح القارئ بالتحلي بالإيمان، فحسب رأيه إنه الوحيد الذي بإمكانه إنقاذنا من اليأس والإحباط ويخول الإنسان شفاء نفسه بنفسه، وأراد كما يقول ومن خلال تطرقه لهذا الموضوع دق جرس الإنذار للملحدين.

وبرسالته إلى الولايات المتحدة الأميركية، واصفا إياها بأم الدنيا والعالم وأستاذة الرقي والتطور، مشيرا إلى أنها على الرغم من كل ذلك فهي من دون قلب قائلا: «تحية إليك يا أميركا يا صديقتي العزيزة، تحية إليك من لبنان الذي يحبك، وأنت تتلذذين بمشاهدته يحتضر مدافعا عن وجوده».

أما رسالته إلى الفنان الراحل شوشو (محمد علاء الدين) الذي برأيه يمثل لبنان القديم، يقول له فيها: «من الجيد أنك رحلت؛ فالشحاذون الذين غنيت لهم لم نعد نعرفهم حتى الأصليين منهم أضعناهم»، غامزا بذلك إلى أغنية شوشو المعروفة «شحاذين يا بلدنا نحنا صرنا شحاذين». ولم ينس إلياس الرحباني إسداء نصائح لأهل الفن يحثهم فيها على التمتع بالتواضع والمحبة وبعدم انتقاء أغانيهم بأنفسهم، قائلا لهم: «إذا أتاكم المال من دون جهد أو استحقاق وأنتم تعلمون من أنتم فلا تعطوا المواعظ إلى الجيدين».

أما الموسيقى، فعلق عليها بقوله «العاطفة الموسيقية إذا ما امتزجت مع السياسة نجحت في استقطاب الناس بشكل أفضل».

أما الشباب، فخاطبه إلياس الرحباني من خلال السنوات التي عاشها، رافضا التقدم بالسن في مقطع بعنوان: «إلى أين يا عمري؟»، ومما جاء فيه: «أتذكر عندما كنا نحلم بأن الحياة ستغير فكرها وبأن عمر الشباب سيبقى إلى الأبد؟ أنا بقيت هناك يا صديقي!».

ورفض إلياس الرحباني أن يكون صفاء الذهن بحاجة إلى التنسك، فقال في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لست بحاجة للتنسك لأكتب الفلسفة وأغوص بأعماق القيم، فطيلة عمري كنت أؤلف الموسيقى وأنا محاط بالضجيج، وكذلك الأمر بالنسبة للكتابة، وعندما أكون في حالة تأمل لا أحسب حساب لا الزمان ولا المكان، وآخذ بتدوين أفكاري كما هي، لأنني أكون حينها منفصلا تماما عن العالم الذي أحيا فيه، ولو كان نحو عشرات الأشخاص».

يذكر أن كتاب «الذئاب تصلي» (عن دار درغام للنشر) سيتبعه كتاب آخر للمؤلف في السنة المقبلة، يتناول فيه سيرة حياته وطفولته ومشواره مع الموسيقى، وهو الذي استطاع في عمر فتى أن يدخل القارات الخمس من موسيقى إعلاناته (3300 إعلان) ومن ألحان لأغان ما زالت على البال وبلغ عددها (6600 أغنية) وبينها أغان لفيروز وصباح ووديع الصافي وغيرهم.