عروض في الرقص التعبيري تدين الصراع على السلطة في العراق

بغداد تحتفي باليوم العالمي للرقص على قاعة المعهد الثقافي الفرنسي

مشهد من الرقص التعبيري لفرقة الرقص المسرحي العراقية في بغداد(«الشرق الأوسط»)
TT

المبدعون العراقيون لم يقفوا فوق التل ليتفرجوا على ما يجري ببلدهم من أحداث، ولم يرتضوا موقف الشاهد السلبي، بل راحوا يتحركون بفاعلية ضد ما يدفعه العراق من ثمن كبير يكلف العراقيين أرواحهم وزمنهم وتقدمهم وحياتهم اليومية بسبب صراعات السياسيين على السلطة، فمرات من خلال أعمال مسرحية وقصائد شعرية وأفلام سينمائية وكتابات إبداعية ولوحات تشكيلية، وهذه المرة دخل الرقص التعبيري إلى الواجهة.

فعلى وقع إيماءات الجسد، وترنيمات موسيقى تنوعت بين الصخب والهدوء، أحيا المعهد الثقافي الفرنسي ببغداد مناسبة يوم الرقص العالمي، عبر فعالية صممها الفنان العراقي طلعت السماوي، في عملين فنيين حملا عنوان «0+0=0» و«وجوه القمر» بشكل فاجأ جمهور العرض الغفير الذي وصفها بالخطوة الجريئة لما تحمله من تأويلات تحكي الصراع المحتدم لأجل الفوز بالمناصب والسلطة في العراق.

مدير المعهد الثقافي الفرنسي جان ميشال لودان قال في مستهل كلمته بالمناسبة: «إن الرقص هو أحد الفنون المعاصرة، وهو يضاهي المسرح والسينما والفنون التشكيلية، وهو الأكثر انتشارا في العالم»، موضحا: «من خلال العرضين هذا اليوم سيشارك العراق للمرة الثانية في مثل هذه المناسبة، ويتواصل المعهد في تقديم الدعم لمثل هذه المناسبات، وهي منتشرة في العالم أجمع لكنها شحيحة في العراق».

وعن عمله يقول الفنان المغترب والعائد من السويد طلعت السماوي لـ«الشرق الأوسط»: «أنجزت لوحة (0+0=0) بالتعاون مع منظمة «اكيتو» الدولية، وهو يعالج علاقة الضوء كرمز للحقيقة والمكان والإسقاط الضوئي على الخشبة كنقطة صراع بشري، بينما يعالج العمل الثاني (وجوه القمر) مجموعة من الأسئلة الإنسانية يطرحها الراقصون بحركات أجسادهم التعبيرية».

ويضيف: «اختيار العاصمة بغداد، لعرض العملين، يكسبها صفة الريادة على الصعيد العربي في احتفالها باليوم العالمي للرقص الذي ترعاه منظمة اليونيسكو للثقافة والتعليم»، واصفا الاحتفال بـ«التقليد الثقافي الدولي غير المتعارف في فضاءات الثقافة العربية».

ويوضح السماوي، وهو مؤسس الرقص الدرامي في العراق (دراما دانس)، أن «كل مشروع ثقافي وإنتاج فني معاصر ومتواصل مع الموروث هو حلقة لتطوير الإنسان والمجتمع، والعراق يحتاج الآن إلى الثقافة والتعليم لبناء إنسان يواكب الحياة والزمن».

وعن العملين، يشرح السماوي، قائلا: «إن ثمانية راقصين سيمثلون في (0+0=0)»، موضحا أن «محرك التفاعل للفكرة والصراع في العمل هو الجسد الذي تعبر عنه حركات الراقصين في الدخول والخروج من وإلى بقعة الضوء البيضاء بتنوع تقنياتهم»، وتابع أن «الصراع الحركي يتطور بين الراقصين، ليتحول إلى صراع بينهم من أجل مكان البقعة المضاءة وازدحامهم في داخل تلك البقعة لحين إخفاء درجة الضوء لحد الظلام القاتم»، موضحا أن «العمل يمثل صورا رمزية للرغبات الأنانية لدى البشر الذين يصارعون من أجل القيمة المادية ولكن لا يتعايشون من أجل القيم المشتركة».

ويحاول السماوي في أعماله الفنية التركيز على أن الاختلاف يولد التكامل وحاجتنا إلى الآخر هي قوة استمرارنا، لذا يعالج في عمله الثاني «وجوه القمر» مجموعة من الأسئلة يطرحها الراقصون بحركات أجسادهم التعبيرية، متناولة علاقات الإنسان والمجتمع والثقافات وتناقض ثنائيات الأوضاع الإنسانية، كالغنى والفقر والحب والكراهية والحرب والسلام... إلخ.

ولفت إلى أن عمله «0+0=0» جديد في إنتاج فن الكوريكراف في الساحة الثقافة العراقية والعربية، أما عمله «وجوه القمر» فقد تم إنتاجه في مشروع «خطوة المستقبل» في تونس صيف 2011، لكن تمت معالجته بطريقة أخرى ومناسبة من واقعية الإنسان العراقي والتناقضات والتداخلات الآنية في العراق، لافتا إلى أن العملين يجمعان ما يقارب 20 شخصا.

ويسعى السماوي من خلال مشاركاته الفنية العربية والدولية المختلفة إلى خلط ثقافات متعددة في أعماله الدرامية الراقصة، لتقديم نموذج للعمل المشترك المتنوع بدلالات الجسد، موضحا أن «الجسد وما يصاحبه من صورة وموسيقى وفضاء كاللغة في تنوعها من اللهجات والثقافات».

يذكر أن الفنان طلعت السماوي من مواليد مدينة الحلة في بابل عام 1967، برزت مواهبه الفنية في فترة مبكرة، ترك العراق مع عائلته عام 1979، بسبب مواقف والده الشاعر شاكر السماوي المناهضة لسياسيات النظام السابق في العراق، حيث نجح السماوي في إيجاد خصوصية في عالم الرقص الحديث واستطاع أن يستخدم تقنيات الرقص للتعبير عن قضايا وهموم الإنسان، وبعد مرور أكثر من 21 عاما قضاها في الغربة وخلال زيارته الأولى إلى العراق قدم أولى عروضه الفنية حيث تبنى أسلوبا جديدا من أساليب العرض الحركي أطلق عليه اسم المسرح الدرامي.

ويقول عبد الله سعدون (23 عاما)، وهو أحد الراقصين في فرقة الرقص الدرامي العراقي، خريج أكاديمية فنون جميلة، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد علمنا أكثر من ثلاث سنوات على موضوع الحداثة، وشاركت مع السماوي في ثلاثة أعمال واشتركت في ورش في بغداد وتونس، على أيدي مدربين سويديين، مصممي رقص وإدارة المشاريع».

ويضيف أن «رقصة اليوم تحمل فكرة صعبة، لكنها تحكي حالة يمر بها كل إنسان في عقله الباطن لتوضيح الأحاسيس الموجودة في داخله، وتحمل معاناة تحول الشخصية في تأويل واضح للواقع المعيشي في العراق».

ويتابع بالقول: «لدينا عمل مقبل في المسرح الدوار في مسرح أكاديمية الفنون الجميلة في منتصف مايو (أيار) المقبل».