دعوة إسبانية لدراسة النصوص التاريخية حول التغير المناخي في بغداد

من أجل صياغة فرضيات جديدة

الجغرافي اليعقوبي كتب واصفا اختيار بغداد بأنها «وفيرة المياه حارة في الصيف وباردة شتاء معتدلة في الربيع والخريف»
TT

نشر الدكتور، فرناندو دومينغيث كاسترو، أستاذ الفيزياء في جامعة استريمادورا، غرب إسبانيا، نتائج بحث أشرف عليه حول أهمية دراسة النصوص التاريخية العربية حول المناخ للتوصل إلى صياغة فرضيات تخص التغير المناخي في الوقت الحاضر، من خلال دراسة ما يتوفر من نصوص تاريخية حول تغير درجة الحرارة في بغداد والمناطق المجاورة عبر التاريخ. وقد نشرت الدراسة مؤخرا في مجلة «Weather».

وجاء في البحث، الذي ركز على مكان محدد وفي فترة معينة من التاريخ العربي، وهي التي تؤرخ للتغيرات المناخية، المنطقة المحصورة بين العراق والشام، لدراستها كعينة للتغيرات المناخية التي حدثت عبر التاريخ، من خلال نصوص المؤرخين العرب الذين اهتموا بدراسة التغيرات المناخية وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية والدينية.

ويقول الأستاذ دومينغيث: «لقد ركزنا في دراستنا على نصوص تاريخية مهمة للعلماء العرب حول تغيرات مناخية حدثت قديما، كالجفاف والفيضانات والأمطار وتساقط الثلوج، أو موجات برد أو أخرى حارة، ورياح عاصفة خلال الفترة بين 816 حتى 1009 ميلاديا، في العراق وسوريا».

واتخذ البحث مدينة بغداد كنقطة انطلاق باعتبارها عاصمة الدولة العباسية، التي اختارها الخليفة المنصور كي تكون عاصمة للدولة. وقد دارت محاورات ومناقشات طويلة بين العلماء العرب حول سبب اختيار المنصور لهذه المنطقة كي تكون عاصمة للدولة، وتستشهد الدراسة برأي الجغرافي العربي اليعقوبي الذي كتب عام 891م، واصفا هذه المنطقة بأنها «وفيرة المياه، حارة في الصيف، وباردة شتاء، معتدلة في الربيع والخريف».

وتوصل البحث إلى حدوث موجات برد شديدة حدثت بشكل متكرر في هذه المنطقة في الفترة المحصورة بين عام 902م وعام 944م، مقارنة مع درجات الحرارة المسجلة في العصر الحديث، حيث سقط الثلج في بغداد ست مرات في تلك الفترة، ولم يحدث هذا في هذه المنطقة في العصر الحديث إلا يوم 11 يناير (كانون الثاني) عام 2008.

كما أنه لم يكن متوقعا أن تنخفض درجة الحرارة في شهر يوليو (تموز) في بغداد، وهو شهر معروف بارتفاع درجات الحرارة فيه، ولكن أهالي بغداد شعروا بانخفاض درجة الحرارة في هذا الشهر عام 920م، «وكان عليهم أن ينزلوا من سطوح منازلهم، وهو المكان الذي تعوّدوا أن يناموا فيه ليلا أثناء الصيف، فتركوا السطوح ونزلوا كي يناموا داخل البيوت، وليس فقط هذا بل واستعملوا الأغطية أيضا»، وتقدر الدراسة أن الانخفاض في درجة الحرارة قد وصل إلى 9 درجات.

وعن سبب هذه التغيرات في درجات الحرارة يعلق الدكتور دومينغيث: «من الصعب معرفة سبب انخفاض درجة الحرارة، ولكن من الممكن أن يكون السبب هو حدود ثورات بركانية في العام السابق له، حيث تكررت مثل هذه الحالات كثيرا، عندها تنخفض درجة الحرارة في الصيف في أماكن معينة، حتى إنه في إحدى ليالي شهر يوليو (تموز) عام 920م، لم ترتفع درجة الحرارة إلى أعلى من 18 مئوية»، وتضيف الدراسة أنه حسب المعلومات المتوفرة قد حدثت بالفعل ثورات بركانية في العالم في تلك الفترة، إحداها وقعت في المكسيك، وأخرى في الإكوادور. إلا أن البحث ينبّه إلى أن «لا بد من إجراء المزيد من البحوث لإثبات هذه الفرضية».

وجاء في البحث أيضا أن عدد موجات البرد في بغداد في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي أكثر بكثير منها في العصر الحديث. وينتهي إلى أن «بحوث العلماء العرب مهمة للغاية لبناء مخطط للمناخ في عصور وأماكن لا نعرف عنها إلا القليل، وبفضل ما كتبوه، فإننا نستطيع أن نستخرج معلومات مهمة حول المناخ اليوم».