كارلا بروني لم تسكن «الإليزيه» وتمنت خروج ساركوزي منه

صحافية أخذت من المغنية والعارضة الإيطالية موقع «الفرنسية الأولى»

TT

إنها آخر أيام كارلا في القصر الرئاسي. فهل كانت العروس الإيطالية فألا سيئا على الرئيس الطموح الذي خسر معركة الفوز بولاية ثانية ويستعد للخروج من «الإليزيه» في 15 مايو (أيار) الحالي؟ لقد كانت كارلا بروني أول من عبر عن أمنية سرية تتمثل في انتهاء المهمات التي تلتهم وقت زوجها بحيث يعود إليها وإلى طفلتهما جوليا ويعيشون أسرة طبيعية. وهي أمنية انتقلت من السر إلى العلن في مقابلة، أوائل العام الماضي، مع مجلة سويسرية. لكن زوجة ساركوزي اضطرت، في ما بعد، إلى «الانضباط» وتكرار التصريحات التي تؤكد فيها وقوفها وراء زوجها في كل خياراته.

لم تسكن كارلا «الإليزيه»؛ بل فضلت البقاء في المنزل الذي تملكه في الدائرة 16 من العاصمة، الحي الباريسي الراقي. وكان زوجها يشتغل 18 ساعة كل يوم في المكتب الرئاسي ثم يوافيها في منزلها، كما يمضي معها عطلات نهاية الأسبوع. والغريب أن زوجة ساركوزي السابقة، سيسيليا، رفضت السكنى في «الإليزيه» أيضا واختارت الإقامة في مبنى صغير تاريخي ملحق بقصر «فيرساي». لكن الطليقة كانت تدبر لأمر آخر وتعرف أن حياتها الزوجية قد انتهت، عمليا، وأنها موجودة بشكل مؤقت، مثل ممثلة بديلة تؤدي دورا محددا لإنقاذ المظاهر، قبل إسدال الستار.

ساركوزي نفسه، السياسي الشاب الذي عرف كيف يتجاوز الخسارات المرحلية ويتصالح مع خصوم الأمس قبل أن يتقدم بخطى قوية نحو الرئاسة، كان قد أكد، عند انتخابه، أنه سيكتفي بولاية واحدة. لكن إغراء السلطة طغى عليه فنكث وعده وترشح ثانية. لذلك، فإنه عندما يعلن، اليوم، تخليه عن العمل السياسي ليكون «مواطنا عاديا بين المواطنين»، فإن كلامه لا يؤخذ على محمل القرار القاطع. ولعل أيامه الأخيرة في «الإليزيه» ستكون الأقسى، ولا بد من مخرج مشرف في لحظة تسليم السلطة، لكي لا يحصل له ما حصل لسلفه الرئيس اليميني جيسكار الذي سلم المقاليد لخصمه الاشتراكي ميتران، في ربيع 1981، وغادر القصر مودعا بالصفير وصيحات الاستهجان.

هل أخطأ ساركوزي في فهم نفسية عموم مواطنيه واستفزهم بالاقتران بعارضة أزياء شديدة التحرر، تعرف عليها في عشاء مدبر لدى خبير تسويق سياسي؟ هل ألب الرأي العام ضده حين سافر معها في رحلات خارجية قبل أن تصبح زوجته رسميا؟ هل جاء بها لتجميل صورته والانتقام من الزوجة الهاجرة؟ ومن جانبها، هل كانت كارلا، بشهرتها وجمالها وثروتها وعلاقاتها، ترضى بالزواج من ساركوزي لو لم يكن يشغل منصبه البراق؟ لقد تجرأ النجم التلفزيوني مارك أوليفييه فوجيل وطرح عليها السؤال في برنامجه الأسبوعي الشهير: «هل كنت ستتزوجينه لو لم يكن رئيسا؟». وردت كارلا بغمغمة استنكار، لكن ساركوزي لم يترك الموقف يمر مرور الكرام بل تحين فرصة وجود فوجيل في حفل رسمي وتوجه نحوه قائلا: «لو لم أكن رئيسا لهشمت وجهك».

طلت العارضة، سابقا، والمغنية المحترفة لاحقا، ظاهرة استثنائية في المشهد الاجتماعي الفرنسي وبكل المقاييس. فهي لم تكافح إلى جانب زوجها في مسيرته السياسية؛ بل قطفته رئيسا جاهزا. لقد وجدت نفسها تحمل لقب «الفرنسية الأولى» قبل حصولها على جنسية البلد. وهو لقب فضفاض ومبهم ولا يحدد لصاحبته أي مهمات بروتوكولية أو سياسية. لذلك قررت أن تواصل مهنتها الثانية مغنية تكتب نصوصها بنفسها وتلحنها، أحيانا. لقد منحتها الأضواء فرصة إطلاق أسطوانتين جديدتين حققتا الملايين، رغم أن فناني الكوميديا لم يتوقفوا عن السخرية من صوتها الضعيف الذي لا يكاد يسمع. وهم قد استبقوا خروجها من دائرة الضوء وراهنوا على أن أسطوانتها المقبلة لن تباع بشروي نقير. والحقيقة أن الأموال لا تهم كارلا، الوارثة الغنية والمستغنية، لكنها لا تتحمل الظل وقد عقدت حلفا مع الكاميرات منذ أن كانت في الثالثة عشرة من عمرها. وفي سن الثامنة عشرة كانت واحدة من عارضات الصف الأول اللاتي لا يتجاوز عددهن عدد أصابع اليد، مع كلوديا شيفر وسيندي كراوفورد وليندا إيفانجليستا. لذلك كان لقاؤها مع ساركوزي فرصتها لاستعادة الأضواء التي انحسرت بفعل تقدمها في السن وتجاوزها الأربعين الحرجة.

لا شك أن كارلا، الآتية من صفوف أهل الفن اليساريين، لعبت دورا في التخفيف من غلواء زوجها وصفاقته التي تقترب من العنجهية. لقد أدار ظهره للطبقات الفقيرة من شعبه وساير الأثرياء وتمسح بحلفاء في برلين وواشنطن ولم يحسب حساب الهزيمة، بل ظل يرفض تصديقها حتى الساعات الأخيرة. وإزاء خسارته، تكون أمنية كارلا قد تحققت لتكسبه زوجا إلى جنبها وليس زعيما يعيش في الطائرات والاجتماعات المغلقة. فهل يمكن لساركوزي احتمال أن يكون فرنسيا عاديا، وهو الذي جلس على كرسي عمودية «نويي» وعرف المجلس النيابي قبل سن الثلاثين؟ وبعبارة أوضح: هل تستقيم الحياة الزوجية بين كارلا ونيكولا بعد الخروج من جنة «الإليزيه»؟

أسئلة تبقى في ضمير الغيب، لكن المؤكد أن كارلا ستترك موقع «الفرنسية الأولى» غير آسفة عليه، لصحافية سياسية ذات سيرة أقل إثارة من سيرتها. إن فاليري تريرفيلر، التي دخلت حياة الرئيس الجديد فرانسوا هولاند بعد خراب علاقته مع شريكة نضاله ووالدة أبنائه الأربعة سيغولين رويال، امرأة مطلقة وأم لثلاثة أبناء وصحافية تعمل في الميدان السياسي ويبدو أنها لا تنوي التخلي عن مهنتها، حتى بعد دخولها «الإليزيه». لقد مضى زمن زوجات الرؤساء من طراز العمة إيفون، زوجة الجنرال ديغول، أو آنيمون جيسكار المهتمة ببيتها ومائدتها وحديقتها، أو كلود بومبيدو راعية الفن الحديث، أو برناديت شيراك التي تجمع عملات النقد المعدنية الصغيرة للعمل الخيري. إنه زمن زوجات الرؤساء العاملات اللاتي يدركن أن حياة القصر فاصلة عابرة، وأن هناك حياة أخرى بعد «الإليزيه».