أزياء صينية على إيقاع طقوس شرب الشاي وأوبريت «عرس يوسف وسليمة»

«مؤسسة العويس» تستضيف قومية «هوي» المسلمة في «أيام الصين الثقافية»

«مؤسسة العويس» مع الفرقة ومشهد من مسرحية «زواج يوسف» وطقوس شرب الشاي ومظلات
TT

على مدار يومي 25 و26 أبريل (نيسان) الماضي، قدمت فرقة «تشونغ واي» للفنون الشعبية الصينية ثلاثة عروض ساحرة، أبهرت بها الجمهور ونقلتهم إلى أصقاع الصين، خاصة قومية «هوي» المسلمة في منطقة نينغشيا الذاتية الحكم، وهي أكبر منطقة تجمع للمسلمين في الصين حيث يبلغ تعدادهم نحو 10 ملايين نسمة. وشملت الفعاليات: عرض للأزياء الصينية التقليدية والحديثة وعرض لطقوس شرب الشاي الصيني وأوبريت غنائي مسرحي وموسيقى بعنوان «زواج يوسف». أقيمت هذه التظاهرة بالتعاون بين «مؤسسة العويس الثقافية» وقنصلية جمهورية الصين في دبي، ومحافظة تشونغ واي.

أحيت هذه الفعالية الفنية بكل أنواعها؛ الأزياء والرقص والمسرح وطقوس شرب الشاي، فرقة «تشونغ واي» التي تأسست عام 2009 برعاية من الحكومة المحلية لمواكبة تيار الإصلاح الثقافي الجديد. ومنذ تأسيسها، تواصل هذه الفرقة الإبداع في مجال الرقص والغناء والتمثيل على خشبات مسارح العالم.

وتسعى «مؤسسة العويس الثقافية» من استضافة هذه الفرقة إلى التعريف بالثقافة الصينية بكل تجلياتها، وهي واسعة؛ إذ تضم الصين 56 قومية ولكل قومية لغتها الخاصة، مما يشكل ثراء للثقافة الصينية، خاصة قومية «هوي» المسلمة، وما تزخر به من ثقافة إسلامية عريقة وتراث روحي غني، يمتد على مدار قرون. ويشكل هؤلاء رافدا للثقافة الصينية المتميزة بالتعددية والتنوع، وجسرا بينهم وبين الجمهور العربي الذي حضر الفعاليات، وتفاعل مع التظاهرة، لأنه ينتمي إلى ثقافة واحدة.

بدأت التظاهرة بالموسيقى وعرض أزياء لقومية «هوي» المسلمة التي تجسد الجمال والطبيعة في منطقة نينغشيا حيث الرجل يضع على رأسه عمامة بيضاء والمرأة تضع منديلا حريريا. تتميز الأزياء التقليدية بالألوان الجميلة الزاهية التي سيطرت على المشهد تماما وأبهرت أبصار الجمهور. ترتدي النساء والفتيات الملابس الطويلة الزاهية المطرزة بالورود والرسومات، وعلى رؤوسهن مناديل حريرية مختلفة الألوان.

العديد من أبناء هذه القومية يفضلون ارتداء الأزياء المحلية، حتى الأجيال الجديدة، لأنها تناسب العصر، حيث إن شركات تصنيع الألبسة تشجع ذلك. إن أبرز ميزات هذه الأزياء تتجلى في غطاء الرأس؛ فغالبا ما يلبس الرجل غطاء رأس أبيض من دون حافة يسمى «قبعة الرأس» أو «قبعة الصلاة». أما النساء، فغالبا ما يلبسن مناديل رأس بيضاء. وتهتم ثقافة أزياء قومية «هوي» بالجمال والبساطة وتعارض الزهو والغرور والغرابة والانحراف، وألوان الأزياء هي الأبيض والأزرق والوردي والأحمر. ورافق عرض الأزياء الصينية موسيقى راقصة نفذت بطريقة دقيقة للغاية.

وفي عرض آخر، قدمت المضيفات أقداح الشاي وما يكتنفها من تقاليد وطقوس تمتد إلى قرون خلت، بوصف الشاي المشروب الأول في الصين. وتم تقديم الشاي من خلال مزج أنواع مختلفة من الأعشاب، بطريقة سحرية تحمل الكثير من الرموز حيث تتميز أقداح الشاي والقوارير بالنقوش والزخارف الإسلامية العريقة. وتم تقديم شاي القوميات المسلمة الذي يُسمى «شاي الثمانية» وهو ما تتميز به. ويرجع تاريخ ظهور هذا الشاي إلى أسرة يوان الملكية. ويسمى بالصينية «با بوشا» أي «شاي الثمانية» حيث يحتوي على ثمانية أنواع: «الشاي الأخضر، ثمر العرقل، البلح المجفف، التفاح المجفف، السكر النباتي، الزبيب، السمسم، زهرة الذهب المجفف». ويوضع كل هذا في زبدية لها غطاء يمنع الغبار ويحافظ على درجة الحرارة، مع الماء الساخن. ويمثل «شاي الثمانية» جزءا من ثقافة القوميات المسلمة في الصين، فهو المشروب المفضل للمسلمين في جميع أنحاء الصين. وحسب الطقوس، يجب على العريس في قومية «هوي» المسلمة، أن يقدم لأهل العروس 80 كيسا من «شاي الثمانية»، وزن الكيس نصف كيلو. وتأخذ العروس هذه الهدية وتوزعها على الأقارب؛ فلكل أسرة كيسان على الأقل. وفي الأعياد مثل عيد الفطر والأضحى يقدم أبناء المسلمين أفضل شاي لضيافة الأقارب والأصدقاء وهو «شاي الثمانية». ويتم زخرفة الزبدية الخاصة بشاي الثمانية بالنقوش والرموز بأسلوب الفن الإسلامي والعربي. وقدمت فرقة «تشونغ واي» أوبريت غنائيا موسيقيا بعنوان «زواج يوسف»، تدور أحداثه حول عاشقين شابين من قومية «هوي» المسلمة، التي تمثل عاداتها وتقاليدها خلفية أحداث المسرحية، تتخلله نماذج من الفنون الشعبية مثل فن «هوائير»، وهو نوع من أنواع الغناء الشعبي الخاص بالقومية المسلمة. كما يلقي العرض الضوء على عادات وأعراف الزواج لدى المجتمع المحلي المسلم. وقد تم عرض هذا الأوبريت الغنائي الاستعراضي أكثر من 600 مرة محليا وفي الخارج، وقد حصد العديد من الجوائز الفنية. وتتكون المسرحية من خمس جلسات، تسبقها أغنية الترحيب؛ حيث يتم تجهيز السكر الفضي والشاي الحلو، وتقديم كوب من الشاي في يوم تتفتح فيه الأزهار. في الجلسة الأولى: يتم التعارف بين يوسف وسليمة في حفل الأزهار ثم يتبادلان الغرام. الجلسة الثانية: بفضل مساعدة الوسيطة وإذن الوالدين، يتبادل يوسف وسليمة الهدايا. في الجلسة الثالثة: زيارة يوسف مصطحبا والديه لأسرة سليمة لعقد الخطبة، حيث تقابل أفراد الأسرتين بحضور الإمام.. يتبادلون «السلام» وتقدم البنت للشاي وذلك يدل على تحديد الخطوبة. الجلسة الرابعة: استحمام سليمة لتنظيف جسمها وفقا للتشريعات الإسلامية، يسمي ذلك مسلمو قومية «هوي» الاستحمام بـ«مياه مفارقة الأم». وفي الجلسة الخامسة: تتم إقامة الزفاف في بيت يوسف وقراءة «الفاتحة» وإعداد المأدبة ومقابلة أهل العروس والدخول إلى العش الذهبي.

وتجسد مسرحية «زواج يوسف» ظهور تقنيات عديدة مثل: المونولوج، وشخصية الحاكي أو الراوي. أما بالنسبة للرقصات، فهي عادة ما تكون حركات منتظمة تعتمد على حركة المجموعات والتناسق بين المساحة وعدد الفنانين، وهي مستمدة من رياضة «الوشو» التقليدية. لا يعتمد العرض المسرحي أو الرقص الشعبي على الرجال فقط؛ بل تشاركهم النساء. وحركات هز الرأس مع الابتسامة العريضة هما الأكثر تميزا عند راقصي قومية «هوى». ويستخدم الراقصون بعض أدوات المعيشة اليومية المميزة مثل الإبريق والسيف وفنجان الشاي الخاص بـ«شاي الثمانية كنوز». ويرتدي الممثلون الملابس الخاصة التي تجمع بين الثقافة الإسلامية والفارسية بالإضافة إلى أغطية الرأس والقبعات البيضاء دائما، وهناك أيضا اللحية والشعر المستعار. ولا يرتدي الفنانون الشعبيون القناع الذي يعتبر جزءا مهما في الفن الشعبي الصيني التقليدي. ويستخدم الممثلون الآلات الوترية والنفخية والإيقاعية وهي الأكثر شيوعا لدى قومية «هوي»، وكذلك الغناء الحواري بين الرجال والنساء هو أيضا وجه مختلف يميزها.

مما لا شك فيه، أن البيئة بمنطقة نينغشيا أثرت على الفنون الشعبية، فتجد لديهم حفلات النار والرقص في الأماكن المفتوحة بالإضافة إلى الصوت العالي عند الغناء. إن ما يدهش في هذه العروض الغنائية الراقصة تركيزها على الروح المبتهجة، وهذا ما أعطاها بعدا كبيرا في انعكاسها على روح الجمهور، الذي تفاعل مع العروض، كما أن الأزياء الكرنفالية أضفت عالما سحريا ضاعف من جمال العروض والموسيقى. إن هذه التظاهرة الفنية، بعرض الأزياء وطقوس شرب الشاي والأوبريت الغنائي، تكشف ثقافة واسعة، وثرية، تنتمي إلى الأرض التي ولدت منها، وتعكس في جوانبها حضارة أمة تمكنت أن تربط بين الماضي والحاضر. وتميزت الفنانات بخفة حركاتهن وقدرتهن ومهارتهن في الاختباء وراء المظلات أو في التحرك على مساحة المسرح. كما مزج الأوبريت الغنائي بين الموسيقى الحديثة وموسيقى قديمة تعود إلى ما قبل 1500 سنة في تاريخ الصين.

ومن المعروف أن قومية «هوي» المسلمة تمتلك ثقافة عريقة وتاريخا مشرقا وفنونا راقية هي نتاج لتلاقي حضارات مختلفة من خلال الجمع بين الفنون الشعبية الصينية والعربية والفارسية، التي حافظت عليها على مدى قرون.