معرض «عالم الكريستال» في النمسا يقدم أبرع نحاتي الزجاج الثمين

386 قطعة استخدمت لبناء ناطحة «الإمباير ستيت»

الهرم الكبير المصنوع من الكريستال
TT

لكم أن تتخيلوا شكل مجسم للهرم الأكبر بالجيزة مصنوع من «الكريستال»، يتلألأ عاكسا مختلف الألوان وخاطفا لكل الأنظار، وبجانبه مجسم آخر لتاج محل، وثالث لمبنى إمباير ستيت بنيويورك ثم مجسم رابع لضريح لينين بموسكو.

تلك المجسمات مجتمعة أمست أكثر المعروضات جذبا للأنظار وإثارة للخيال داخل معرض «عالم الكريستال» بقرية فيتن على بعد 15 كيلومترا شرق مدينة إنسبروك عاصمة إقليم تيرول النمساوي.

يمثل عالم الكريستال معرضا مميزا يتبع لشركة سفاروفسكي النمساوية، وهي أكبر الشركات الخاصة لإنتاج وتصنيع الكريستال في العالم وفق وصفات سرية، كما وصف الأمر لـ«الشرق الأوسط» أكثر من مسؤول ممن ينتشرون داخل أرض المعرض التي تغطي مساحة 800 متر مربع.

ينتشر معظم هؤلاء المسؤولين داخل الجزء المخصص للبيع وهم يرتدون زيا موحدا في حين تغطي أياديهم قفازات بيضاء وتخلو منهم بقية الأجزاء وذلك حتى لا تعلو أصوات حديث وأسئلة وأجوبة وحتى يستمتع الزوار بمشاهدة المعروضات وتفسيرها وفق رؤاهم الخاصة ولتفعيل أخيلتهم، فالغرض إتاحة الفرص لتفسيرات شخصية وتفاعل بين الزائر وما يراه، لا سيما أن أسلوب العرض لا يعتمد على رؤية المجسمات فحسب، بل يستمد أبعادا أعمق بتأثير فن الإضاءة وتسليطها أو التدرج فيها أو إخفائها تماما إلى أن تطأ أقدام الزائر موقعا معينا، بالإضافة للإضاءة تلعب الموسيقى دورا كبيرا في خلق أجواء معينة مما يضفي بدوره سحرا خاصا على الجولة التي ينقاد فيها الزائر لأسهم أرضية أو جانبية عابرا من قاعة إلى أخرى أحيانا في ظلام مقصود لا يبدده غير السهم المضيء.

ولتحقيق مزيد من المتعة وسط هذه الأجواء الغامضة المميزة لم تكتف شركة «سفاروفسكي» بتقديم أبرع منتجات نحاتيها وصناعها مما شكلوه من مادة الكريستال الذي بدأت العمل في مجاله منذ القرن الماضي، بل استعانت بأشهر الموسيقيين والنحاتين والفنانين العالميين ممن عرفوا بفنون ذات أكثر من بعد ووسيط، مستعينين كذلك بخبرات ودراسات أطباء نفسيين لتهيئة هذا المناخ وإلا لم يتحقق له تميز معرض عالم الكريستال عن غيره من المعارض والمتاحف.

وفي هذا السياق يجيء عرض مجسمات الهرم الأكبر والإمباير ستيت والتاج محل وضريح لينين وأربعتها صممها الفنانان الروسيان فيشسلار ميزيين والإسكندر شابورور المعروفان باسم مجموعة «الأنوف الزرقاء» التي تؤمن بأن الفن لا يمكن أن يكون من أجل الفن فحسب، بل لا بد أن يكون للفنون بمختلف أشكالها أهداف أوسع ومرام أكبر تحمل رسائل جمالية وأخرى سياسية واجتماعية، ولهذا فإنهما يستغلان موهبتهما في توجيه انتقادات ساخرة تكشف مظاهر الجمود والركود السياسي والثقافي مقدمين فنا سهلا لا يحتاج فهمه لادعاءات بالثقافة والعصرية.

وما اختيارهم لتلك الرموز المعمارية المعروفة عالميا إلا تجسيد لفلسفتهم، إذ لم يكتفيا باستخدام 386 قطعة من الكريستال لبناء الإمباير ستيت أو 105 كيلوغرامات كريستال لبناء الهرم الأكبر على سبيل المثال وإنما أجادا الصنعة من الناحية الفنية المعمارية ومن ثم أضافا عليها أبعادا ورؤى جديدة بشحنها بأفلام فيديو دقيقة تبث صورا ومناظر ساخرة تظهر بعد نظرات متأنية بين البلورات مما يبث في المجسدات روحا وحيوية تكسر رهبة منظرها، ومما يجذب الناظر لإعادة النظر وإلقاء نظرات أطول متمعنا عله يستوعب ما ينداح أمامه من أشكال وصور تظهر ثم تختفي، باحثا ومفكرا في أسباب زرعها بذلك الأسلوب الساخر.

وهكذا يواصل الزائر تجواله، بل تنقيبه داخل صالات عالم الكريستال مشاركا بسعة خياله وصفائه النفسي وخطواته في رسم إضافات وأشكال على عدد من الجدران والأشكال والمرايات والممرات بما في ذلك «الممر الثلجي» الذي تتكشف أسراره وينقشع عنه الظلام بقوة خطوات الزائر وزيادة عددها، وبالطبع لا يخلو المعرض من وجود أكبر قطعة كريستال بوزن 300 ألف قيراط وأكبر ثريا وأكبر قبة كريستالية، وأكبر أوكورديون وأكبر حصان مرصع بالكريستال، وكذلك أكبر حائط من الكريستال بطول 42 مترا وارتفاع 12 مترا، كما يضم المعرض مسرحا ميكانيكيا هائل التقنية له مكونات من الكريستال تتحرك وتمشي وترقص.

وحتى يعود الزائر لأرض الواقع يخرجونه في نهاية الجولة عبر صالة بيع شاسعة ومترامية الأطراف تضم الكثير والمتنوع مما صغر حجمه وكبر ثمنه من مصوغات وتذكارات كريستالية تتلألأ بدورها فتخلب الأنظار ومعها الجيوب هذه المرة ألم يسارع الزائر بالمغادرة حتى يستمتع «مجانا» بمناظر طبيعية ساحرة لجبال الألب متنعما بهدوء وسكينة لا حدود ولا ثمن لهما.