فيينا تعيش زخما فولكلوريا ودبلوماسية شعبية سعودية

احتفاء بمرور 55 عاما على علاقات سياسية واقتصادية وثقافية بين البلدين

جانب من الأمسية السعودية الموسيقية الفولكلورية في فيينا («الشرق الأوسط»)
TT

بالموال والعود والمزمار والدفوف والسيوف والقانون.. افتتحت المملكة العربية السعودية، فعاليات منتدى ثقافي تنظمه وزارتا الثقافة والإعلام والخارجية بالعاصمة النمساوية فيينا طيلة 3 أيام، احتفاء بمرور 55 عاما على علاقات سياسية واقتصادية وأكاديمية وثقافية ودبلوماسية أجمع الطرفان على كونها أكثر من مميزة.

وسط حضور عربي وأجنبي ونمساوي مختار، شهد قصر ليشتنتاين الضخم والفخم شديد الأناقة والجمال (تم تشييده عام على 1712 على النمط المعماري الباروكي) أمسية سعودية موسيقية فولكلورية، أحسن الإعداد والتحضير لها فجاءت قمة في الإمتاع والإيقاع فيما ازداد القصر «سعودة» بنصب خيمة بدوية واسعة وأطعمة سعودية وتمور وبخور بالإضافة لمعرض ضم صورا فوتوغرافية تؤرخ لتطور العلاقات بين النمسا والمملكة بجانب لوحات شبابية سريالية معبرة ملونة وأخرى مصورة تعكس وجوها من أوجه الفن السعودي المعاصر. كما انتشر عدد من الأكاديميين وأعضاء من مجلس الشورى وشباب سعوديين ممن يمثلون حلقة ثالثة من حلقات المنتدى بين الحضور لحين عقدهم لقاءات متخصصة مع وصفائهم من النمساويين.

بعبارات ألمانية وعربية وإنجليزية منغمة ومختصرة قدم الفنان الأكاديمي السعودي «النعمان كودة» برنامج الحفل رابطا ما بين الفواصل معرفا بكل رقصة من حيث موطنها ومناسبتها كما قدم المتحدثين، وكان أولهم الأمير منصور بن خالد سفير خادم الحرمين الشريفين لدى النمسا الذي رحب بالضيوف مشيدا بجسور تربط بين الدولتين وتوثق لعلاقاتهما في المجالات كافة مما يساعد في التنسيق والتفاهم بينهما، وهو الأمر الذي انعكس في رعايتهما لفكرة وفلسفة الحوار بين الحضارات والديانات لاحتواء الصراعات والخلافات ذات الأساس الديني لبناء انسجام وتسامح وتعاون من أجل السلم والأمن العالميين، منوها بالزيارات المتواصلة بين قيادات الشعبين. وكان الملك عبد الله قد زار النمسا عام 2004 وهو ولي للعهد ونائب للملك كما زار الرئيس النمساوي المملكة عام 2006 وكان المستشار النمساوي الأشهر برونو كرايسكي قد زار المملكة عام 1981.

من جانبه ركز الدكتور ميخائيل اشبندلنغر وزير الخارجية النمساوي على أهمية التبادل الثقافي كركيزة تاريخية للعلاقات الإنسانية منذ الأزل، حاثا على أهمية تعزيز القيم المشتركة بين الشعبين، مشددا على دور الشباب والنساء ووسائل الإعلام في تعزيز أسس الاحترام المتبادل والحوار والتفاهم بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة، مثمنا اختيار فيينا العاصمة النمساوية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي كمقر لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين الأديان. وقد أكد عزم بلاده على أن يحقق المركز أغراضه لمكافحة التطرف والكراهية ولقبول الآخر، معبرا عن تطلعهم لمزيد من التعاون والتشاور والتنسيق.

ومن ثم جاء دور عبد العزيز خوجه وزير الإعلام والثقافة السعودي للحديث، والرجل شاعر يجيد الوصف ملما بالتاريخ، فتحدث حديث المسؤول الواثق البسيط مبديا إعجابه بفيينا التي لم يرتبط اسمها، كما أفاض، بمستشارها برونو كرايسكي أو رئيسها كورت فالدهايم، وكل منهما سياسي بارع ساند القضية الفلسطينية بل يعدان من أوائل السياسيين الأوروبيين ممن اعترفوا بحق الشعب الفلسطيني ومناصرة قضيته، مشيدا بموقف الحكومة النمساوية الحالية التي أيدت أن تصبح فلسطين دولة كاملة العضوية بمنظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (اليونيسكو)، شارحا أن اسم فيينا لم يقترن باسم السياسيين فحسب بل بالفنون كذلك وبالموسيقى والجمال والتاريخ متوقفا عند مستشرقين ومؤرخين كالعلامة النمساوي محمد الأسد الذي ربطته بالمملكة العربية السعودية ومؤسسها علاقة خاصة. وكان محمد الأسد، وله شارع سمي باسمه أمام مبنى الأمم المتحدة بفيينا، قد أشهر إسلامه وألف كتابه المعروف «الطريق إلى مكة».

في سياق مواز استعرض الدكتور خوجه الروابط الوثيقة والعلاقات بين البلدين، منبها أن المملكة العربية السعودية كانت هي الدولة العربية الوحيدة التي شاركت في معرض الكتاب بفيينا عام 2008 (وكان الرئيس فيشر قد خص جناح المملكة بجولة تفقد فيها المعروضات وشرب القهوة العربية بالهيل) كما شهدت «الشرق الأوسط» يومها.

ويمضي الوزير خوجه مسترسلا في كلمة شيقة «ليس ذلك فحسب بل ألهمت فيينا عشرات من الطلاب ولا تزال تحرك في قلوب من درسوا فيها من الأكاديميين وعمداء كليات الطب الكثير من المشاعر وأجملها عن أيام الشباب وربما ألهمتهم قصائد وأشعارا يختزلون فيها أحلى الذكريات»، مؤكدا أن اختيار فيينا كمقر لمركز الملك عبد الله للحوار لم يأت من فراغ وإنما لثقل النمسا ولموقعها الجغرافي «العبقري» كجسر بين الشرق والغرب ولحيادها الإيجابي ولصلابة مواقفها جنب الحق.

بعد ذلك تواصل برنامج الافتتاح لما يقل قليلا عن 3 ساعات تنوعت ما بين عزف على العود والقانون والسمسمية (والوتر، كما قدم النعمان، لا يعني في عالم الموسيقى دائما آلة العود أو القانون أو الكمان أو الكونترباص أو التشيلو) والسمسمية آلة وترية قديمة، وبالطبع كان للرقص الحماسي والفرائحي مكان ومجال ومعجبون فقدمت مجموعة بارعة من أعضاء فرقة الفنون الشعبية السعودية رقصات منها المجس والعزاوي واللبوا لتكتمل البهجة بقرع الطبول على أشدها فتراقصت السيوف ورفرف البيرق وتعاضد الرجال وتناغمت الحناجر مع الإيقاع مرددة الحمد... وهكذا كانت الزفة والعرضة السعودية مسك ختام أمسية سعودية وطدت دون شك لأسلوب الدبلوماسية الشعبية الناجع والمباشر دون حواجز أو موانع أو صور نمطية.