علاء «الكفيف» يناشد الحكومة المصرية أن لا تترك أمثاله فريسة في أيدي الجمعيات الأهلية

تحدى فقدانه للبصر بالتعليم وامتهن تصليح الهواتف الجوالة والساعات

الشاب علاء «الكفيف» حوّل إعاقته إلى نافذة للأمل والتحدي («الشرق الأوسط»)
TT

فقدانه لنور عينيه في التاسعة من عمره لم يكن نهاية الحياة بالنسبة لعلاء عبد القادر، ابن مدينة قوص التابعة لمحافظة قنا، بل كان نقطة فاصلة في حياته، قرر أن يجعلها بوابة للأمل والتسلح ببصيرته وبقية حواسه وأعضائه.

قرر علاء تحدي الإعاقة وضرب المثل في الإصرار والعزيمة على تحطيم الصعاب والمستحيل أمام قدرته العجيبة وذكائه الرباني، وكانت أولى محطات تحطيم المستحيل مع اجتيازه لاختبار تعلم القراءة والكتابة بطريقة برايل للمكفوفين خلال أسبوع واحد فقط، ثم المحطة التالية التي أذهلت الجميع وهي اقتحامه لحرفة فشل الكثير من الأصحاء فيها، وهي دخوله مجال تصليح الأجهزة الإلكترونية بكل ما فيها من مصاعب ومخاطر.

واصل علاء تحديه للإعاقة، وبعد سنوات من التعب والمشاق حصل على شهادة جامعية وبتقدير مرتفع، مع إصراره على حفظ 22 جزءا من القرآن الكريم حتى الآن ودراسته للفقه والحديث.

حاول علاء بشهادته الحصول على وظيفة حكومية، لكن تعنت المسؤولين وقف حائلا أمام تحقيق حلمه بالعمل في التدريس، فواصل كفاحه باحثا عن فرصة عمل تساعده على مواجهة أعباء الحياة مع والده الذي تحمل الكثير والكثير حتى يصل به إلى هذه المرحلة، وقرر علاء الكفيف أن يعمل في تصليح الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، حتى يتمكن من الإنفاق على نفسه والتخفيف عن كاهل والده الموظف البسيط.

قرر علاء العمل بتصليح الإلكترونيات رغم مخاطرها وصعوبة تعامله معها، وكانت البداية مع الساعات ومنها إلى تركيب المراوح وتصليح أعطال المكواة و«الريسيفرات»، وأخيرا قرر علاء اقتحام عالم الهواتف الجوالة بعدما نجح في تصليح بعض الأعطال البسيطة بها وتركيب الشاشات والسماعات لها.

وعن دخوله مجال تصليح الأجهزة الكهربائية والإلكترونية قال علاء: «لقد بدأت الفكرة لدي عندما حاولت أن أعرف توقيت الساعة بنفسي، فقمت بإزالة زجاج الساعة لكي أتلمس الساعة، إلا أنني فشلت، فحاولت إعادة تصليحها مرة أخرى لكني فشلت أيضا، وبعدها تمكنت من تصليحها، وقام خالي وقتها بإحضار ساعة ناطقة لي لكي أتعرف على الوقت بمجرد الضغط عليها، وبعد فترة توقفت عن العمل فقمت بتصليحها بعد عدة محاولات، بعدها اتجهت لتصليح الراديو والأجهزة الكهربائية الموجودة في المنزل كالسخان والمكواة والتليفون الأرضي، بالإضافة إلى قيامي ببرمجة الريسيفر، ثم اتجهت لتصليح بعض الأعطال في الهواتف الجوالة ومنها تغيير الشاشات والسماعات والآيسيهات، وأحاول حاليا أن أحصل على دورة متقدمة في تصليح أعطال الجوال». ويشير علاء إلى أن أشقاءه لهم دور كبير معه، فهم يقومون بمساعدته في معرفة سير الدوائر الإلكترونية الداخلية، ويقوم هو بتحديد العطل وتصليحه بنفسه.

ويضيف علاء: «كما أنني ذهبت إلى بعض عمال صيانة الأجهزة الكهربائية في البداية لأتعلم منهم كيفية تشخيص الأعطال والعيوب الشائعة في الأجهزة الكهربائية، وبعدها بدأت أقوم بتصليح الأجهزة الكهربائية لدينا بالمنزل ثم أقاربي وجيراني، بعدها قررت أن أعمل بها كمهنة تعينني على مواجهة متطلبات المعيشة».

أما عن إعاقته فقال علاء الذي يبلغ من العمر 29 عاما: «فقدت بصري عندما كان عمري 9 سنوات، وكنت أدرس وقتها بالصف الثالث الابتدائي، وكنت ألعب وأجرى وأنا صغير مع بقية الأطفال، ومع فقداني لنور عيني شعرت بأني دمرت نفسيا، وتوقفت عن التعليم لمدة 3 سنوات، ثم قررت أن أكمل تعليمي، وكانت المشكلة الأولى في ضرورة إجادة تعلم طريقة برايل للمكفوفين في فترة وجيزة حتى أتمكن من الالتحاق بالصف الثاني، فقررت التحدي واستطعت أن أتعلم طريقة برايل قراءة وكتابة خلال أسبوع واحد فقط، ثم أكملت تعليمي بمساعدة والدي ووالدتي وأشقائي حتى تخرجت من قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بقنا التابعة لجامعة جنوب الوادي».

ولم تمنع الإعاقة البصرية علاء من ممارسة هوايته كبقية أقرانه، بل قرر أن يستمتع بحياته ما دامت أتيحت له الفرصة، فقد انضم علاء إلى جماعة الموسيقى أيام دراسته بالكلية، وكان أول من يشارك في معهد إعداد القادة وحصل منه على شهادة تقدير. كما حصل علاء على الكثير من شهادات التقدير من عدد من الجهات الحكومية والأهلية تقديرا لكفاحه وإبداعه وإصراره على تحقيق أحلامه رغم الإعاقة.

ويتمنى علاء من الدولة أن تعطي للمكفوفين جزءا من اهتماماتها ولا تتركهم فريسة للجمعيات الأهلية التي تهتم بالمكفوفين شكليا، وتعتبرهم مصدرا للربح والكسب بدلا من العناية والاهتمام بهم بشكل حقيقي.