زيارة لمعرض «الجزائر فرنسا: رسومات صحافية»

من الرسومات المعروضة، مقام الشهيد وبرج إيفيل
TT

في إطار الاحتفاء بالذكرى الخمسين لحرب الجزائر - كما يقال في الأدبيات السياسية الفرنسية - تنظم المكتبة الوطنية فرنسوا ميتران وجمعية الصداقة «فرنسا الجزائر» حتى غاية الرابع والعشرين من يونيو (حزيران) معرض «الجزائر فرنسا: رسومات صحافية». وتكمن أهمية المعرض في تجاوزه الكتاب كوسيلة طاغية وظفتها فرنسا أكثر مقارنة بعدوها القديم الجزائر للتعبير عن نوعية العلاقات التي تربط بلدين اشتهرا عالميا بمصالح وتناقضات وعواطف وأحداث تاريخية تحكي قصص الألم والأمل والحب والحقد، والضحك والبكاء والصدق والنفاق، والإعجاب والنفور والتقارب والتباعد والتحريف والتصحيح، وغيرها من الحقائق المعلقة حتى إشعار جديد والمفسرة ذاتيا حتى النخاع من جهتين متمنعتين وراغبتين في آن واحد.

ويعود فضل تأسيس جمعية الصداقة «فرنسا الجزائر» التي تأسست عام 1963 ويرأسها جان بيار شيفمان وزير الداخلية الاشتراكي السابق - حسب ياسين كاتفا أحد منظمي المعرض الذي تحدث «لـ«الشرق الأوسط» - إلى الجنرال ديغول الذي آمن أن ارتباطا دائما بين فرنسا والجزائر المستقلة يمكن أن يقوم على الصداقة والتقدير، وجسد الجنرال قناعته من خلال إدمون ميشليه وزير العدل مؤسس الجمعية إلى جانب مثقفين وعسكريين ومقاومين نددوا بما سموها بانحرافات حرب الجزائر الخطيرة، ومن بينهم جان دانيال وجان لاكوتور وستيفان هيسال والجنرال جاك باريس دو لابارديار وفرنسوا مورياك وجان دومناك وجرمان تيليون وبرنار ستازي. ويمثل الجزائر في المعرض هارون رائد الرسم الكاريكاتيري الذي بدأ الرسم في صحيفة «الشعب» بعد الاستقلال وسليم آيت قاسي ورشيد بوجلال وناصر ومسينيسا سلامي وجيبس وهيك – بابا أحمد هشام - وديلام وأيوب، وتغيب الرسام الكبير سليم صاحب سلسلة «زيد يا بوزيد» الشهيرة ورفيق درب هارون أيام الحزب الواحد الأمر الذي شكل ثغرة كبيرة أنقصت من مصداقية تظاهرة لا يمكن منطقيا ومهنيا أن لا يحضر فيها أشهر الرسامين الكاريكاتيريين الجزائريين.

فرنسيا لم يكن عدد الرسامين كبيرا مقارنة بالجزائريين واستطاع بلانتو رسام «لوموند» أن يخطف الأضواء من زملائه الأقل بروزا فنيا وإعلاميا إلى جانب ولنسكي الذي اشتهر في صحيفة «شارلي إبدو» الكاريكاتيرية. وكما لوحظ عن الجانب الجزائري، فقد ترك غياب سينيه أثرا سلبيا ولم يكن من الموضوعي تمثيل الرسم الصحافي الفرنسي دون تقديم أعمال فنان كاريكاتيري لعب دورا في إعلاء صوت صحيفة «شارلي إبدو» قبل أن يزيحه مديرها فيليب فال قبل انتصاره قضائيا على الجهة التي اتهمته بمعاداة السامية. وعوض تقديم أعمال رسامي «لوكانار أنشينيه» أشهر الصحف الكاريكاتيرية استقلالية وفنية وتحديا للسلطة الفرنسية وجد جمهور المعرض نفسه أمام بعض أعمال رسامين مجهولين وبسطاء فنيا ومغالين آيديولوجيا تحت وطأة الأكليشيهات الأقرب إلى مفهوم الفلكلورية والاستعمار الجديد ومثل هذا المنحى فينغز وكوكو ولو وأورليه وفيلار. كما كان منتظرا ضحك كل زوار المعرض ومن بينهم حكيمة وبولين وفرح ولطفي ونصيرة ومصطفى وسيريل، ووقفوا مطولا متبادلين التعليقات على رسومات تعالج هروب شبان جزائريين إلى فرنسا عبر قوارب متهالكة - الأمر الذي ترك أحدهم يطلب من بلد المستعمر القديم تصدير الكثير منها بدل سيارات رينو - وتفتيش المهاجرين الجزائريين أكثر من مزدوجي الجنسية في المطارات الباريسية وحلم شاب بتأشيرة على مقربة من صفيحة البنزين وعلبة الكبريت (بوعزيزي الجزائر على طريقة هارون) وكبت المتدين الملتحي القامع لزوجته المتحجبة وهروب المرأة الجزائرية لباريس الحرية والوحدة والعزلة الاجتماعية (جيبس) وإصرار المهاجرين على تعليم الأبناء الإسلام واللغة العربية تحسبا لعودة تضمن الاندماج في المجتمع الجزائري والقنصلية الفرنسية التي يسكنها المسيح (بابا نويل كما يعرف في الجزائر). رسومات أخرى تقطر سخرية وعبثية طغت على المعرض ومن بينها تلك التي تبادلها بلانتو وديلام بعد أن رسم الأول في صحيفة «الوطن» الجزائرية والثاني في صحيفة «لوموند» الفرنسية الأمر الذي حرر ساركوزي لمدة أسبوع من نقد بلانتو وبوتفليقة من نقد ديلام. حسب البعض هذه الحقيقة تعبر عن حرية تعبير ساهمت في تعطيل الربيع العربي في بلد المليون ونصف مليون شهيد وهي الحقيقة الأخرى التي لم تكن مجال سخرية كل الرسامين البعيدين فنيا وفكريا عن مستوى ناجي علي شهيد الكفاح الفلسطيني وعلي فرزات عدو الأسد الذي ازداد إبداعا بعد كسر أصابعه البديعة على أيدي شبيحة يبعثون على الشفقة.